قال ابن القيم -:
ومن علامات صحة القلب أنه لا يزال يضرب على صاحبه
حتى ينيب إلى الله ويخبت إليه ، ويتعلق به تعلق المحب المضطر إلى محبوبه
الذي لا حياة لـه ولا فلاح ولا نعيم ولا سرور إلا برضاه وقربه والأنس به
فبه يطمئن ، وإليه يسكن ، وإليه يأوي ، وبه يفرح
وعليه يتوكل ، وبه يثق ، وإياه يرجو ، ومنه يخاف
فذكره قوته وغذاؤه ومحبته ، والشوق إليه حياته ونعيمه ولذته وسروره
والالتفاف إلى غيره والتعلق بسواه داؤه ، والرجوع إليه دواؤه
فإذا حصل له ربه سكن إليه واطمأن به ، وزال ذلك الاضطراب والقلق
وانسدت تلك الفاقة ، فإن في القلب فاقة لا يسدها شيء سوى الله تعالى أبدًا
وفيه شعث لا يلمه غير الإقبال عليه ، وفيه مرض لا يشفيه غير الإخلاص
لـه وعبادته وحده
فهو دائمًا يضرب على صاحبه حتى يسكن ويطمئن إلى إلهه ومعبوده
فحينئذ يباشر روح الحياة ويذوق طعمها ، ويصير له حياة أخرى غير حياة
الغافلين المعرضين عن هذا الأمر
الذي لـه خُلِقَ الخلق ، ولأجله خلقت الجنة والنار ، وله أرسلت الرسل
ونزلت الكتب
ولو لم يكن جزاء إلا نفس وجوده لكفى به جزاء ، وكفى بفوته حسرة وعقوبة.
قال بعض العارفين :
مساكين أهل الدنيا
خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها ، قيل: وما أطيب ما فيها ؟
قال : محبة الله والأنس به ، والشوق إلى لقائه ، والتنعم بذكره وطاعته .
وقال آخر: إنه ليمر بي أوقات أقول فيها : إن كان أهل الجنة في مثل هذا
إنهم لفي عيش طيب .
وقال آخر : والله ما طابت الدنيا إلا بمحبته وطاعته
ولا الجنة إلا برؤيته ومشاهدته