يقول ابنُ تيمية :
إنَّ المسألة لتغلقُ عليَّ ، فأستغفرُ الله ألف مرةٍ
أو أكثر أو أقلَّ ، فيفتحُها اللهُ عليَّ .
﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً ﴾ .
إنَّ منْ أسبابِ راحةِ البالِ ، استغفار ذي الجلال .
رُبَّ ضارةٍ نافعةٌ ، وكلُ قضاءٍ خيرٌ حتى المعصيةُ بشرطِها .
فقدْ ورد في المسندِ :
((لا يقضي اللهُ للعبدِ قضاء إلا كان خيراً له)) .
قيل لابن تيمية :
حتى المعصية ؟ قال : نعمْ ، إذا كان معها التوبةُ والندمُ ، والاستغفارُ
والانكسارُ .
﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ
لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً ﴾
قال أبو تمامٍ في أيامِ السعودِ وأيامِ النحسِ :
مرَّتْ سنونُ بالسعودِ وبالهنا **** فكأنَها مِنْ قِصْرِها أيَّامُ
ثمَّ انْثنتْ أيامُ هجرٍ بعدها **** فكأنها منْ طولِها أعوامُ
ثمَّ انقضت تلك السنونُ وأهلُها**** فكأنَّها وكأنَّهُمْ أحلامُ
﴿ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ ، ﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا
إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ﴾
عجبتُ لعظماء عَرَفَهُمُ التاريخُ ، كانوا يستقبلون المصائب
كأنَّها قطراتُ الغيثِ ، أو هفيفُ النسيمُ ، وعلى رأسِ الجميع سيدُ
الخلْقِ محمدٌ (ص) ،
وهو في الغارِ ، يقولُ لصاحبِه :
﴿ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ﴾ .
وفي طريقِ الهجرةِ ، وهو مطاردٌ مشرَّدٌ يبشِّرُ سراقة بأنه يُسوَّرُ
سواريْ كسرى !
بُشرى مِن الغيبِ ألقتْ في فمِ الغار*** وحْياً وأفضت إلى الدنيا بأسرارِ
وفي بدر يثبُ في الدرعِ ( صلى الله عليه وسلم ) وهو يقولُ :
﴿ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ﴾ .
أنت الشجاعُ إذا لقِيت كتيبةً**** أدَّبْت في هوْلِ الردى أبطالها
وفي أُحدٍ – بعد القتلِ والجراحِ – يقولُ للصحابةِ : (( صُفُّوا خلفي ،
لأُثني على ربي )) .
إنها هِممٌ نبويَّةٌ تنطحُ الثريَّا ، وعزْمٌ نبويٌ يهزُّ الجبال .
قيسُ بنُ عاصم المنْقرِيُّ منْ حلماءِ العربِ ، كان مُحتبياً يكلِّم قومهُ بقصةٍ ،
فأتاه رجلٌ فقال :
قُتِل ابنُك الآن ، قَتَلَهُ ابنُ فلانة . فما حلَّ حَبْوَتَهُ ،ولا أنهى قصّتهُ ،
حتى انتهى منْ كلامِه ، ثم قال : غسِّلوا ابني وكفِّنوه ، ثمَّ آذنِوني
بالصلاةِ عليه !
﴿ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ ﴾ .
وعِكرِمةُ بنُ أبي جهلٍ يُعطى الماء في سكراتِ الموتِ ، فيقولُ :
أعطوه فلاناً . لحارثِ بنِ هشامِ ، فيتناولونه واحداً بعد واحداً ،
حتى يموتُ الجميعُ .
منقول من كتاب لاتحزن للشيخ ( عائض القرني )