الرحمة إحساس يتبع من قلب الإنسان، يسري بين جنبات نفسه فيقتل ما كمن
من قسوة وغلظة وغضب ، والرحمة مشاعر تتولد من نفس المسلم ولا تفرض
عليه، وهي في أفقها الأعلى صفة الخالق عز وجل، فهو سبحانه وتعالى الرحمن
الرحيم، ولكي يحقق المسلم صفة الرحمة، عليه أن يبدأ بنفسه لكبح جماحها، حتى
لا تجنح به إلى مهاوي الرذيلة والهلاك ثم عليه ثانياً أن يكون رحيماً بأهله يأمرهم
بما أمر الله به وينهاهم عما نهى الله عنه يقول الله تعالى:
"يا أيها الذين آمنوا قُوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة".
(التحريم: 6).
بيد أن الإسلام يرى أن الرحمة تتسع دائرتها لتشمل رحمة المسلم بجيرانه
وأقاربه والمجتمع بأسره، قال أحد الصحابة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم):
يا رسول الله نرحم أنفسنا و أهلينا، فقال له رسول الله (ما هذا أريد، ولكن أريد
الرحمة العامة) إنه يريد الرحمة التي تتغلغل في جنبات المجتمع ليتحقق الهدف
الأسمى من قوله (صلى الله عليه وسلم) (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم
كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر).
وفي ظل الرحمة وبين وشائجها الإنسانية، جاءت الشريعة الإسلامية وقد راعت
أحكامها الرحمة بين الناس، والتخفيف عنهم والتيسير عليهم، والله عز وجل لا
يكلف نفساً إلا وسعها، ما جعل عليكم في الدين من حرج".
وقد حارب الإسلام القسوة وجاءت تشريعاته تحمل في طياتها فيضاً من المشاعر
الفياضة يحملها قلب المسلم تجاه الآخرين، وحينما قال أعرابي في دهشة:
يا رسول الله، إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم، أجابه الرسول
(صلى الله عليه وسلم) بقوله: (أو أملك أن الله قد نزع الرحمة من قلبك؟
لا تنزع الرحمة إلا من شقي).