ومن ذا الذي يشقى
وهو يدعو الرب الكريم، الحليم، الغني، الواسع، اللطيف،
الذي بيده خزائن كل شيء،
ومقاليد السماوات والأرض،
ويداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء، ويمينه ملأى لا تغيضها نفقه،
سحاء الليل والنهار، وما بالعباد من نعمة إلا منه،
وما نزلت رحمة أو فضل إلا منه
والخير كله في يديه، والشر ليس إليه،
وإن أخر العطاء أو الإجابة عن عبده فلعلمه بما يصلحه
ولرحمته به، ومنعه مما فيه هلاكه، وهو سبحانه لا يعجل لعجلة
أحدنا ، بل يستجيب لعبده ما لم يعجل
ويقول قد دعوت فلم يستجب لي.
والفاهم اللبيب يستحضر هذا المعنى،
و يقتدي بنبي الله زكريا عليه السلام
وهو يدعو ربه ويتوسل إليه بإحسانه وكرمه،
قائلا: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا}[مريم:4].
أي " لم تكن يا رب تردني خائبا ولا محروما من الإجابة،
بل لم تزل بي حفيا ولدعائي مجيبا، ولم تزل
ألطافك تتوالى علي، وإحسانك واصلا إلي،
وهذا توسل إلى الله بإنعامه عليه، وإجابة دعواته السابقة
فسأل الذي أحسن سابقا،
أن يتمم إحسانه لاحقا. " تفسير السعدي 1 / 489 )