الجنة طريق المشتاقين , وغاية المؤمنين العابدين , وأمل القانتين المخبتين ,
وقد سعى إليها الساعون ورغب في سكناها الراغبون , وما قعد عن طلبها إلا
الغافلون العاجزون , فقد حفت بالمكاره , واستعصت على كل جاحد وكاره , فيا
سعده من جد إليها في الطلب وسعى إليها وما هرب , وبذل لها النفيس والغالي
وكان من أهل الهمم والمعالي , ولم تقعده الدنيا عن طلبها والسعي إليها , ولا
الشهوات والملذات عن وقف القلب والنفس عليها , فهي غاية الآمال , وثمرة الجد
والأعمال .
والسالكون طريقهم إلى الجنة يجدون إشارات على الطريق تنبههم وتوقظهم ,
وهي إشارات تنقية وتخلية وتحلية , وهناك إشارات أربع مهمة يجدها السالكون
في طريقهم إلى الجنة وهي
الإشارة الأولى : التوبة والاعتذار :
قال الشاعر :
يا نفسُ توبي فإنَّ الـمـوتَ قــد حــانـا * * * واعصي الـهوى فالـهـوى مازالَ فـتَّـانـا
يا نفسُ توبي مِنَ المعاصي وازدجري * * * واخشي إلــهــنـــا سِــــــرًّا وإعــــلانَــــا
مضى الزمـانُ وولَّى العُـمُــــرُ في لَــعِـبٍ * * * يكفيكِ ما قد مضى قد كان ما كانا
الإشارة الثانية : الدعاء والاستغفار :
قال الشاعر:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة * * * فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن * * * فبمن يلوذ ويستجير المجرم
أدعوك ربي كما أمرت تضرعا * * * فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم
ما لي إليك وسيلة إلا الرجاء * * * وجميل عفوك ثم أني مسلم
الإشارة الثالثة : إن الحسنات يذهبن السيئات :
قال الشاعر :
يا ويح نفسي من تتابع حوبتي* * * لو قد دعاني للحساب حسيبي
فاستيقظي يا نفس ويحك واحذري * * * حذراً يهيج عبرتي ونحيبي
واستدركي ما فات منك وسابقي * * * سطوات موت للنفوس طلوب
وابكي بكاء المستغيث وأعولي * * * إعوال عان في الوثاق غريب
هذا الشباب قد اعتللت بلهوه * * * أفليس ذا يا نفس حين مشيبي
هذا رقيب ليس عني غافلاً * * * يحصي علي ولو غفلت ذنوبي
أوليس من جهل بأني نائم* * * نوم السفيه وما ينام رقيبي
الإشارة الرابعة : الابتلاءات تمحيص وكفارات :