هم المؤمنون المتقون الذين يكظمون الغيظ عندما يصيبهم الظلم والتعسف،
يصبرون ويحتسبون ويتحملون في سبيل الله، وكظم الغيظ هو حالة سامية
من التحكم في النفس نتيجة ترويضها بالتربية، على عدم المعاملة بالمثل
ومقابلة الإساءة بالإساءة والتَّرغيب في الصَّفح عن الأذى والعفو عند المقدرة.
والكظم غير العفو عن الناس، فالفرد قد يكظم غيظه دون أن يعفو عن ظالمه.
إذن، العفو هو مرتبة أخلاقية سامية تتجاوز عدم الفعل (كف الشر) لتشمل العفو
عمن ظلم (الصفح داخل النفس)،وهذا أكمل الأحوال.
إن الله سبحانه وتعالى يحب هؤلاء الذين تترقى نفوسهم في مراتب التربية من كظم
الغيظ الى العفو عن الناس ويصفهم بالمحسنين. وهو مقام جليل يتصف به المتقون.
كيف يمكن كظم الغيظ؟
لكظم الغيظ فوائد مهمة وعديدة، ولهذا فقد وجّه الله سبحانه وتعالى عباده إلى
التحلّي بهذه الصفة الجليلة، وقد تضمنت السنة النبوية الشريفة قواعد تعين على
التحلي بصفة كظم الغيظ نذكر منها:
– الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم فعن سليمان بن صُرَد -رضي الله تعالى عنه
وأرضاه-قال: “كنت جالساً مع النبي -صلى الله عليه وسلم-ورجلان يستبّان، وأحدهم
ا قد احمر وجهه، وانتفخت أوداجه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:”إني
لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذهب
عنه ما يجد””.
– الوضوء وذلك مصداقًا لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم” إن الغضب
من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم
فليتوضأ”
– التزام الصمت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا غضب أحدكم فليسكت
– تغييرالوضعية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا غضب أحدكم وهو قائم
فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع “
– حفظ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم “عن أبي هريرة رضي الله عنه أن
رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني قال لا تغضب. فردّد ذلك مراراً، قال
لا تغضب “، وفي حديث اخر “لا تغضب ولك الجنة “-
وأجر عظيم آخر في قوله عليه الصلاة والسلام: “من كظم غيظاً وهو قادر على
أن ينفذه، دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من
الحورالعين ما شاء “
– معرفة الرتبة العالية والميزة المتقدمة لمن ملك نفسه فعن أبي هريرة رضي
الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ليس الشَّديد بالصُّرَعَة، إنَّما
الشَّديد الذي يملك نفسه عند الغضب “-
فكلما انفعلت النفس واشتد الأمر كان كظم الغيظ أعلى في الرتبة، قال عليه الصلاة
والسلام: ا“لصرعة كل الصرعة الذي يغضب فيشتد غضبه ويحمر وجهه، ويقشعر
شعره فيصرع غضبه “-
– الدعاء كان من دعائه عليه الصلاة والسلام: “اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على
الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي، اللهم
وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الإخلاص في الرضا والغضب،
وأسألك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيماً لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، وأسألك
الرضا بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، أسألك لذة النظر إلى وجهك
والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرّ ة ولا فتنة مضلّة الله زينا بزينة الإيمان
واجعلنا هداة مهتدين”.
من رضى بقضاء ربه أرضاه الله بجمال قدره، ومن صفات الله تعالى أنه عفو
يحب العفو ويحب من عبيده أن يتعبدوه به، ويعملوا بمقتضاه. وهذا المطلب في
غاية الأهمية، فإن العفو يترتب عليه حسن الجزاء في دخول النّعيم المقيم.
وموسم رمضان فرصة ذهبية لتوطين النفس وتدريبها على كظم الغيب والعفو
عن الناس، لننال عفو الله وإنزال العطاء المرجو منه تعالى ألا وهو العتق من
النيران.