وحّد الإسكندر بلاد اليونان سنة 336 ق.م، فألغى جميع الحكومات الديكتاتوريّة،
وأقر أن تعيش كل مدينةٍ يونانيةٍ حرةً حسب قوانينها، وأعربت جميع الممالك
اليونانية ـ باستثناء أسبارطة ـ عن ولائها له. ثم سار شرقًا إلى آسيا فاتحًا
لينال مجد إقامة دولةٍ عالميةٍ، بِلُغةٍ وثقافةٍ واحدةٍ، فهزم داريوس ملك
الفرس ووصل السند وأصبح امبراطورًا يونانيًا فارسيًا يحكم دولةً يكون
فيها الفرس واليونان أكفاء.
أراد أن تمتزج ثقافتهم ودماؤهم امتزاجًا سليمًا ينهي النزاع الطويل بين
الشرق والغرب، بذلك الإقتران السعيد بين حضارتيهما. فشجّع الآلاف من
جنوده على أن يتّخذوا لهم زوجات فارسيات وتزوّج هو في عرسٍ عظيمٍ
استاتيرا ابنة دار الثالث، وبهذا ربط نفسه بالأسرة المالكة الفارسية.
ولمّا عاد الإسكندر من السند إلى بابل انغمس في الشراب ومات عن عم
رٍ يُناهز ثلاثًا وثلاثين سنة، عام 323 ق.م. ولمّا سأله قادته "لمن تترك
ملكك؟" أجاب: "إلى أعظمكم قوةً".
انقسمت امبراطورية الإسكندر بعد وفاته، فقامت ثلاث ممالك هي:
- الدولة السلوقية التي أسّسها القائد سلوقس وعاصمتها مدينة أنطاكية
السّورية، وضمّت إيران والعراق وسورية وآسيا الصغرى.
- دولة البطالمة أو البطالسة التي أسّسها القائد بطليموس في مصر
وعاصمتها الاسكندريّة.
- الدولة الأنتيغونية التي أسسها القائد أنتيغون في مقدونية وعاصمتها
بيلا.
أبقت هذه الدول، رغم انقسامها، على نزعتها العالمية ما أسهم في قيام
حضارة. وشملت أكثر العالم القديم المعروف آنذاك عُرَِفت بالحضارة
الهيلينية أو الهلنستية، وكان من أركانها سوريون ومصريون وإيرانيون
ويونانيون وأفرزت عددًا من كبار رجال العِلم والدين والفلسفة والطب
والهندسة والكيمياء والرياضيات، وسواها من العلوم.