"حلايب وشلاتين".. كنز مصر الجنوبى

"حلايب وشلاتين".. كنز مصر الجنوبى

على بُعد 1200 كم جنوب شرق القاهرة تقع "حلايب وشلاتين" أرض الأجداد كما أطلق عليها الدكتور جمال حمدان التى تعتبر المنفذ الجنوبى الرئيسى لمصر والمدخل الأول إلى القارة السمراء التى يسكنها أبناء قبائل العبابدة والبشارية والبجا والرشايدة وممن لهم عاداتهم التى لا يعرفها الكثيرون وحياتهم الخاصة التى امتزج فيها الطابع البدوى لأهل الصحراء والحياة العصرية للمدن الكبرى
خلال الرحلة الطويلة من القاهرة ستنسى مشقة وعناء السفر بما ستراه من مشاهد للطبيعة البكر، فالأرض منبسطة والجبال ملونة والغزلان تقطع الطريق والجمال ترعى فى الصحراء وغابات المانجروف تقف شامخة شاهدة على التاريخ.
كما سترى السواحل المتعرجة داخل البحر الممتلئة بالحواجز المرجانية التى أدت إلى استواء وهدوء المياه بحيث تبدو وكأنها "حمام سباحة عملاق" وما يزيدُ الأمر روعة وإبهاراً رؤية أرخبيل الجزر الصغيرة القريبة من الشاطئ التى يمكن أن نصفها بأنها "مالديف جديدة " فهى جزر ساحرة ذات مياه خضراء وزرقاء على نحو يفوقُ جمال جزر المحيط الهندى.

جبل علبة..
يقع فى الركن الجنوبى الشرقى بمثلث حلايب وتبلغ مساحته 35600 كم، ليصبح من أهم وأكبر المحميات الطبيعية على مستوى العالم، يحتوى على العديد من الموارد المتنوعة ما بين حياة برية ونباتات طبية واقتصادية وقبائل محلية وثقافات وآثار ورسومات قديمة بالإضافة إلى الثروات الجيولوجية والمعدنية والموارد المائية من آبار وعيون للمياه العذبة ويثريها البحر الأحمر بثروات بحرية كبيرة من شعاب مرجانية وحشائش بحرية وكائنات بحرية نادرة بالإضافة إلى العديد من جزر البحر الأحمر التى تحوى السلاحف البحرية وأنواعا عديدة من الطيور النادرة المقيمة والمهاجرة وأنواعا من أشجار المانجروف ذات القيمة البيئية والاقتصادية الكبيرة، كما يحوى حوالى 23 نوعا من الثدييات المهدد عدد كبير منها بالانقراض مثل "الكبش الأروى والتيتل والنمر الإفريقى".
كما تتمتع المحمية بتنوع نباتى هائل ينمو على العناصر المعدنية الموجودة بجبال الصحراء الشرقية وتكون فى أغلبها نباتات موسمية سنوية تعتمد على مياه الأمطار، بالإضافة إلى العديد من النباتات الدائمة القادرة على تحمل فترات الجفاف، وكذلك نباتات الرعى ومنها "الفيقوع، الشوش، المايط، الارى، شجرة الغزال، الموكر والهوك"، ونباتات الغذاء للسكان المحليين ومنها "الحجل، شاى الجبل وبلح السكر" ونباتات ذات استخدامات أخرى مثل العشار والمرخ (للحصول على الألياف)، والحنظل والصبار (لاستخراج الزيوت).

• منطقة أبرق..
تعتبر من أهم المناطق داخل محمية جبل علبة لما تحمله من شواهد فرعونية ورومانية وإسلامية، تشمل العديد من الوديان (العرقة – عيقات – الجاهلية – الأمريت – قمبيت وأبو سعفة) كما أنها تحوى العديد من النباتات أغلبها طبية وتمثل أيضاً موطنا لحيوانات برية كثيرة منها الغزال والوبر والتيتل، ويعيش فى المنطقة الكثير من قبيلة "العبابدة" ويتجمع أغلبهم بجوار الجبال حيث العيون والآبار العذبة.
كما يعتبر وادى أبو سعفة من الوديان ذات القيمة التاريخية بالمنطقة حيث يحوى آثارا فرعونية قديمة تتمثل فى البوابة المنحوتة فى صخور الجبل المعروفة باسم بوابة الماء " Aqua door" والمنقوش عليها نقوش فرعونية قديمة، بجانب واحة نخيل كبيرة تواجدت منذ القدم مع نزول مجارى المياه من الجبال وتكوينها لعيون مياه طبيعية فى الوادى والتى وهبته قيمة طبيعية إلى جانب قيمته التاريخية .

• العادات والتقاليد..
المأكل، المسكن، الزاوج والرقصات.. تقاليد نابعة من عادات قديمة خاصة بطبيعة أهل المثلث وبيئته الصحراوية وهى سمات خاصة بهم تميزهم وأسراراً لا يعرفها غيرهم.
فنجد أن قبائل العبابدة والبشارية مولعون بالعطور ومن مظاهر كرمهم واحتفالهم بضيوفهم سكب العطور عليهم فى المناسبات، ومن أشهر عطورهم "الخًمرة" التى يعدونها بأنفسهم من زيت الصندل والمحلبية والقرنفل وكمية من الكحول.
وتعتبر "الجبنة" هى المشروب الرسمى للمنطقة ويتم تجهيزه من خلال تحميص البن الأخضر يدوياً أثناء جلوس الضيف ووضعه على النار فى إناء من الفخار وتسد فوهة الأبريق بقطعة من ليف النخل وتصب الجبنة فى فناجين صغيرة جدا وتشرب لعدد 11 مرة، ولا يصح أن تعتذر عن تناولها، ويهتم الأهالى كثيرا بحمل أدوات الجبنة معهم فى كل أسفارهم وتقدم فقط للضيوف المرغوب فيهم، أما غير المرغوب فيه فيتم تقديم أكواب الشاى سريعة التحضير فى إشارة إلى عدم الترحيب بهم.

وهناك أيضاً نوع من الخبز يطلق عليه "القبوريت" حيث يعجن الدقيق وتحفر حفرة فى الأرض يوقد بها الحطب أو الفحم النباتى من شجر السيال حتى تهدأ النيران ثم يزال الجمر من الحفرة وتوضع العجينة بها على شكل قرص ثم يوضع الرمل الساخن فوق قرص العجينة ثم يوزع فوقها الفحم الساخن وتترك 15 دقيقة ثم تقلب على الوجه الآخر ويتكرر وضع الرمل والجمر بعدها تأتى بقطعة قماش نظيفة لإزالة التراب من على الخبز بعد نضجه ثم يؤكل باللبن أو السمن أو كما هو.

• بيت البرش..
مصنوع من خشب السلّم وهو خشب قابل للثنى تقوس عروقه لتشكّل البيت على هيئة نصف دائرة ويكسى من الخارج بالبرش وهو سعف النخيل حتى لا تنفذ الأمطار من خلاله، وفى الداخل يغطى بالشمل المصنوع من شعر الماعز وصوف الأغنام ليحفظ درجة الحرارة ويزخرف بالأصداف البحرية والدو الذى يشبه سرج الجمل وتفرش الأرضية بالهوميل الذى يصنع من شعر الأغنام والحرير الذى يجلب من أسوان.

الزواج..
أما الزواج فهو مرسم له تقاليد خاصة فى مثلث حلايب وشلاتين، فالفرح يستمر أربعة أيام ويحرم الزواج نهائياً فى شهر ربيع الأول المُخصص للاحتفال بالمولد النبوى فقط.
اليوم الأول من الزفاف هو يوم "الحنة الصغرى" ويجهز فيه النساء الحنة والبخور والروائح.
أما اليوم الثانى فيطلق عليه "الفرح" ويبدأ بإهداء الذبائح لأهل العروس ثم تحضيرها للطهو، واليوم الثالث هو يوم "الحنة الكبرى" يحضره كل أهل القبيلة وتغنى السيدات للعريس وتكون معظم الأغانى فى مدح العريس إلى جانب رقصة "السيرة" وهى من الرقصات الخاصة بالحنة حتى يأتى اليوم الرابع وهو يوم "الذبائح " ويستمر العريس فى هذا اليوم ساهراً حتى شروق الشمس لا يغمض له جفن، وتستمر الاحتفالات فى اليوم الخامس حتى بعد صلاة العصر حيث يتناول أهل القبيلة الغداء لحين وصول العروس التى تأتى بها خالتها أو عمتها لتزفها إلى العريس.
ومن العادات المميزة لأهالى حلايب وشلاتين فى الأفراح أنه بعد دخول العروس تذهب ثانى يوم الى بيت والدها وتقضى به النهار كاملاً ثم تعود لزوجها بعد غروب الشمس ويتكرر هذا لمدة 40 يوما.