اعلام خاصة : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ الجنس : عدد المساهمات : 56607 تاريخ التسجيل : 16/10/2011 الموقع : الاسكندرية المزاج : مشغول
موضوع: الفرق بين الصبر والرضا السبت 30 يونيو 2018 - 11:37
وأما الرضا: فهو انشراح الصدر وسعته بالقضاء وترك تمني زوال الألم وإن وجد الإحساس بالألم لكن الرضا يخففه بما يباشر القلب من روح اليقين والمعرفة وإذا قوي الرضا فقد يزيل الإحساس بالألم بالكلية، فللعبد فيما يكره درجتان: درجة الرضا ودرجة الصبر، فالرضا فضل مندوب إليه، والصبر واجب على المؤمن حتم. والفرق بين الرضا والصبر: أن الصبر حبس النفس و كفّها عن السخط مع وجود الألم وتمني زواله، وكف الجوارح عن العمل بمقتضى الجزع، والرضا يوافق الصبر في حبس النفس وكف الجوارح، ويزيد عليه عدم تمني زوال الألم، ففرح العبد بالثواب وحبه لله عز وجل وانشراح صدره بقضائه يجعله لا يتمنى زوال الألم. قالت طائفة من السلف: "إن الراضي لا يتمنى غير حاله التي هو عليها، بخلاف الصابر". وقيل: الرضا أن يكون الرجل قبل نزول المصيبة راضٍ بأي ذلك كان والصبر، وأن يكون بعد نزول المصيبة يصبر، وأجيب عن هذا الأخير بأن هذا عزم على الرضا، وليس هو الرضا، فإن الرضا يكون بعد القضاء لا قبله، كما في الحديث:«وأسألك الرضا بعد القضاء»، ولأن العبد قد يعزم على الرضا بالقضاء قبل وقوعه، فهو الراضي حقيقة. ومما سبق يتبين أن الصبر: هو أن يحبس نفسه، ويمنعها من التسخط، ويحبس لسانه، ويمنعه من التشكي، ويحبس جوارحه، ويمنعها من المحرمات، كاللطم للخدّ، والشق للثوب، وغير ذلك، وأن الصبر واجب لا بد منه للمؤمن، وهو من الإيمان.
وأما الرضا بالقضاء: فهو فوق حالة الصبر، يكون بعد القضاء لا قبله، مطمئنًا منشرح الصدر لما نزل به، غير متمنٍ حالة أخرى غير حاله التي عليها، والرضا مستحب عند العلماء، والوجوب فيه خلاف بينهم، واختار شيخ الإسلام وابن القيم رحمهما الله، "عدم الوجوب"، وأعلى من الرضا بالقضاء، الشكر لله على المصيبة؛ لكونه يراها نعمة أنعم الله بها عليه، وحال الشاكر أعلى الحالات وأكملها في الفضل.
عن عبد الرحمن بن إبراهيم الفهري: عن أبيه قال: "أوحى الله عز وجل إلى بعض أنبيائه: إذا أوتيت رزقا مني فلا تنظر إلى قلته، ولكن انظر إلى من أهداه إليك، وإذا نزلت بك بلية، فلا تشكُني إلى خلقي، كما لا أشكوك إلى ملائكتي حين صعود مساوئك وفضائحك إلي" (المنتخب من كتاب الزهد والرقائق، للخطيب البغدادي: 1/108). ولما نزل بحذيفة بن اليمان الموت جزع جزعا شديدا فقيل له: ما يبكيك؟ قال: "ما أبكي أسفا على الدنيا بل الموت أحب إلي ولكني لا أدري على ما أقدم على الرضا أم على سخط؟" (ابن أبي الدنيا: المحتضرين: 1/122). عن عبد الواحد بن زيد قال: "قلت للحسن: يا أبا سعيد من أين أتى هذا الخلق؟ قال: من قلة الرضا عن الله، قلت: ومن أين أوتى قلة الرضا عن الله؟ قال: من قلة المعرفة بالله" (أبو حاتم البستي: روضة العقلاء: 160). قال ابن سعدان: تقنَّع بما يكفيك والتمس الرِّضا *** فإنَّك لا تدري أتصبح أم تمسي فليس الغنى عن كثرة المال إنَّما *** يكون الغنى والفقر من قبل الَّنفس فليتك تحلو والحياة مريرة *** وليتك ترضى والأنام غضاب وليت الذي بيني وبينك عامر *** وبيني وبين العالمين خراب إذا صح منك الود فالكل هين *** وكل الذي فوق التراب تراب قال سبحانه وتعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ . إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ . فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ . فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ . قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ . كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:19-24]. وقال تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ . ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً . فَادْخُلِي فِي عِبَادِي . وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27-30]. ولقد كتب الفاروق إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما يقول له: "أما بعد، فإن الخير كله في الرضى، فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر". عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَالَ حِينَ يُمْسِي: رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُرْضِيَهُ..» (أخرجه أحمد 1/208: 1778، ومسلم 1/46: 60، والتِّرْمِذِيّ: 2623). وعَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، آمِنًا فِي سِرْبِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» (البُخَارِي، في (الأدب المفرد): 300، وابن ماجة: 4141، والتِّرمِذي: 2346). قال أحدهم: إذا اشتدت البلوى تخفّفْ بالرضا *** عن الله قد فاز الرضيُّ المراقب وكم نعمة مقرونة ببليّة *** على الناس تخفى والبلايا مواهب قيل ليحيى بن مُعاذ رحمه الله: "متى يبلغ العبد مقام الرضا؟ قال: إِذا أَقام نفسه على أَربعة أُصول فيما يعامل به ربِّه، فيقول: إن أعطيتني قَبِلْت، وإِن منعتني رضيت، وإِن تركتني عبدت، وإِن دعوتني أَجبت". عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ ِللهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُوقَدَ لَهُ نَارٌ فَيُقْذَفَ فِيهَا» (أخرجه أحمد 3/103: 12025، والبُخَارِي 1/10: 16، ومسلم 1/48: 74). يقول الشاعر: الـرِّضـا يـخفِّف أثقا لي *** ويُلقي على المآسي سُدولا والـذي أُلـهـم الـرِّضا لا تراهُ *** أبـدَ الـدهـر حـاسداً أو عَذولا أنـا راضٍ بكل مـا كتب الله *** ومُـزْجٍ إلـيـه حَـمْـداً جَزيلا فـالـرضا نعمةٌ من الله لم يسعـد *** بـهـا في العباد إلا القليلا والرضا آيـةُ البراءة والإيـ *** ـمان بالله نـاصـراً ووكـيلا قال الحسن: " من رضي بما قسم الله له، وسعه وبارك الله له فيه، ومن لم يرض لم يسعه ولم يبارك له فيه ". وقـال الشافعي: أنا إن عشت لست أُعدم قوتا *** وإذا مت لست أعدم قبرا همتي همة الملوك ونفسـي*** نفس حر ترى المذلة كفرا وإذا ما قنعت بالقوت عمري*** فلماذا أخاف زيدا وعمروا هذا هو نبي الله أيوب عليه السلام قالت له امرأته: "لو دعوت الله أن يشفيك، قال: ويحك! كنا في النعماء سبعين عاماً فهلمي نصبر على الضراء مثلها، فلم ينشب إلا يسيراً أن عوفي" (الزمخشري: ربيع الأبرار 1/412). قال مُطرِّف بن عبدالله الشخير: "أتيت عمران بن حصين يوماً، فقلت له: إني لأدع إتيانك لما أراك فيه، ولما أراك تلقى". قال:" فلا تفعل، فو الله إن أحبه إليّ أحبه إلى الله". وكان عمران بن الحصين قد استسقى بطنه، فبقي ملقى على ظهره ثلاثين سنة، لا يقوم ولا يقعد، قد نقب له في سرير من جريد كان عليه موضع لقضاء حاجته. فدخل عليه مطرف وأخوه العلاء، فجعل يبكي لما يراه من حاله فقال: "لم تبكي؟ قال: لأني أراك على هذه الحالة العظيمة. قال: لا تبك فإن أحبه إلى الله تعالى، أحبه إلي". ثم قال: "أحدثك حديثاً لعل الله أن ينفع به، واكتم علي حتى أموت، إن الملائكة تزورني فآنس بها، وتسلم علي فأسمع تسليمها، فأعلم بذلك أن هذا البلاء ليس بعقوبة، إذ هو سبب هذه النعمة الجسيمة، فمن يشاهد هذا في بلائه، كيف لا يكون راضياً به؟" (إحياء علوم الدين :4/349). لما عمي ابن عباس رضي الله عنه أنشد راضيا: إِنْ يَأْخُذِ اللهُ مِنْ عَيْنَيَّ نُورَهُمَا *** فَفِي لِسَانِي وَقَلْبِي مِنْهُمَا نُورُ قَلْبِي ذَكِيٌّ، وَعَقْلِي غَيْرُ ذِي دَخَلٍ *** وَفِي فَمِي صَارِمٌ كَالسَّيْفِ مَأْثُورُ قدم سعد بن أبي وقاص إلى مكة، وكان قد كُفَّ بصره، فجاءه الناس يهرعون إليه، كل واحد يسأله أن يدعو له، فيدعو لهذا ولهذا، وكان مجاب الدعوة. قال عبد الله بن السائب: "فأتيته وأنا غلام، فتعرفت عليه فعرفني وقال: أنت قارئ أهل مكة؟ قلت: نعم. فقلت له: يا عم، أنت تدعو للناس فلو دعوت لنفسك، فردَّ الله عليك بصرك. فتبسم وقال: يا بُني قضاء الله سبحانه عندي أحسن من بصري" (مدارج السالكين: 2 / 227). قال الحسين بن أحمد الرازي يقول سمعت أبا علي الروذباري يقول: "كان سبب دخولي مصر حكاية بنان وذلك أنه أمر ابن طولون بالمعروف فأمر أن يلقى بين يدي السبع فجعل السبع يشمه ولا يضره فلما أخرج من بين يدي السبع قيل له ما الذي كان في قلبك حين شمك السبع قال كنت أتفكر في اختلاف الناس في سؤر السباع ولعابها" واحتال عليه أبو عبيدالله القاضي حتى ضرب سبع درر فقال: "حبسك الله بكل درة سنة" فحبسه ابن طولون سبع سنين (حلية الأولياء: 10/234). كان علي بن سعيد العطار يقول: "مررت بعبادان بمكفوفٍ مجذومٍ، وإذا الزنبور يقع عليه فيقطع لحمه، فقلت: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاه به وفتح من عيني ما أغلق من عينيه، قال: فبينما أنا أردد الحمد إذ صرع، فبينما هو يتخبط فنظرت إليه فإذا هو مقعد، فقلت: مكفوف يصرع مقعد مجذوم!" فما استتممت حتى صاح: "يا متكلف، ما دخولك فيما بيني وبين ربي؟ دعه يعمل بي ما يشاء". ثم قال: "وعزتك وجلالك لو قطعتني إربا إربا، أو صببت العذاب علي صبا ما ازددت لك إلا حبا". (المنتخب من كتاب الزهد والرقائق، للخطيب البغدادي: 1/108). لما أغارت الروم على أربعمائة جاموس لبشير الطبري، فلقيه عبيده الذين كانوا يرعونها معهم، فقالوا: يا مولانا ذهبت الجواميس، قال: "فاذهبوا أنتم معها، أنتم أحرار لوجه الله"، وكانت قيمتهم ألف دينار، فقال له ابنه: "قد أفقرنا!" فقال: "اسكت يا بني، إن الله اختبرني أن أزيده" (الزمخشري: ربيع الأبرار 1/ 416، وابن العلاف: الرضا عن الله بقضائه 56). عن أبى عل الرازي قال: "صحبت فضيل بن عياض ثلاثين سنة ما رأيته ضاحكا ولا متبسما إلا يوم مات علي ابنه فقلت له في ذلك" فقال: إن الله عز وجل أحب أمرا فأحببت ما أحب الله" (ابن العلاف: الرضا عن الله بقضائه: 108). وعن محمد خلف وكيع قال: "كان لإبراهيم الحربي ابن، وكان له إحدى عشرة سنة، قد حفظ القرآن، ولقّنه من الفقه شيئاً كثيراً فمات، قال: فجئت أعزِّيه"، فقال لي: "كنت أشتهي موت ابني هذا"، قلت: "يا أبا إسحاق، أنت عالم الدنيا، تقول مثل هذا في صبي، قد أنجب، وحفظ القرآن، ولقّنته الحديث والفقه؟" قال: ن"عم. رأيت في النوم، كأنَّ القيامة قد قامت، وكأنَّ صبياناً بأيديهم قلال ماء، يستقبلون الناس يسقونهم، وكان اليوم يوماً حاراً شديداً حرّه. قال: فقلت لأحدهم: اسقني من هذا الماء، قال: فنظر إليّ، وقال لي: ليس أنت أبي؟ فقلت: فأيش أنتم؟ قالوا: نحن الصبيان الذين متنا في دار الدنيا، وخلفنا آباءنا، نستقبلهم، فنسقيهم الماء، قال: فلهذا تمنيت موته" (ابن الجوزي: صفة الصفوة 2/410). واجتمع ذات يوم وهيب بن الورد وسفيان الثورى ويوسف بن أسباط فقال الثورى: "كنت أكره موت الفجأة قبل اليوم، واليوم وددت أنى مت"، فقال له يوسف: لم، قال: "لما أتخوف من الفتن"، فقال يوسف: "لكني لا أكره طول البقاء"، فقال سفيان: لم، قال: "لعلي أصادف يوما أتوب فيه وأعمل صالحا"، فقيل لوهيب: إيش تقول أنت، فقال: "أنا لا أختار شيئا أحب ذلك إلي أحبه إلى الله سبحانه وتعالى"، فقبَّله الثورى بين عينيه وقال: "روحانية ورب الكعبة". (إحياء علوم الدين: 4/355). عن محمد بن كعب قال: "قال موسى النبي صلى الله عليه وسلم: آي رب أي خلقك أعظم ذنبا، قال: الذي يتهمني، قال: آي رب وهل يتهمك أحد، قال: نعم الذي يستخيرني ولا يرضى بقضائي" (ابن العلاف: الرضا عن الله بقضائه 73). كان أبو ذر جالساً بين الصحابة، ويسألون بعضهم: ماذا تحب؟ فقال: "أحب الجوع والمرض والموت". قيل: هذه أشياء لا يحبها أحد. قال: "أنا إن جعت: رق قلبي. وإن مرضت: خف ذنبي. وإن مت: لقيت ربي".