العطاء و المنع بيد الله
ديدن معظم الناس حيال النعمة و الرخاء أنهم يفرحون فرحاً قد ينسيهم المنعم ,
و إذا ابتلاهم بقليل عقابه نظير ما اقترفت أيديهم ضجروا و بدأ اليأس يدب في
قلوبهم .
و لو تفكروا لعلموا أن من أعطى هو من منع و أن من ابتلى قادر على إزالة الضر
والابتلاء و أن الأمر بيده و أن ما قدمت أيدينا و اقترفنا من آثام هو سبب ما نحن
فيه ليكفر عنا بعض السيئات و يخفف بعض عقاب الآخرة الذي لا يطاق و يعفو
عن كثير .
على القلوب أن تتعلق بمسبب الأسباب أثناء أخذها بالأسباب التي شرعها ,
فلا نترك الأسباب و أيضاً لا نتوكل عليها , و إنما نأخذ بها متوكلين على
مسببها سبحانه مؤمنين بحكمته في جريان الأسباب أو توقف تاثيرها فإنما
نحن عبيد تحت الاختبار .
{ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ
يَقْنَطُونَ * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ
يُؤْمِنُونَ} [ الروم 36 – 37]
قال السعدي في تفسيره : يخبر تعالى عن طبيعة أكثر الناس في حالي الرخاء
والشدة أنهم إذا أذاقهم اللّه منه رحمة من صحة وغنى ونصر ونحو ذلك فرحوا
بذلك فرح بطر، لا فرح شكر وتبجح بنعمة اللّه.
{ {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ } } أي:: حال تسوؤهم وذلك { {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} } من
المعاصي. { {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} } ييأسون من زوال ذلك الفقر والمرض ونحوه.
وهذا جهل منهم وعدم معرفة. { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ }
فالقنوط بعد ما علم أن الخير والشر من اللّه والرزق سعته وضيقه من تقديره
ضائع ليس له محل. فلا تنظر أيها العاقل لمجرد الأسباب بل اجعل نظرك لمسببها
ولهذا قال: { {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } } فهم الذين يعتبرون بسط اللّه
لمن يشاء وقبضه، ويعرفون بذلك حكمة اللّه ورحمته وجوده وجذب القلوب لسؤاله
في جميع مطالب الرزق.