«الفتاة ذات اللؤلؤة» ثاني أشهر «بورتريه» لامرأة في تاريخ
الفنون النهضوية الأوروبية، بعد «موناليزا» ليوناردو دافنشي.
فهذه اللوحة التي لم يكن كثر يعرفونها، خارج إطار هواة الفن
التشكيلي وهواة أعمال فيرمير، بشكل خاص، هذه اللوحة لم يكن
اسمها في الأصل «الفتاة ذات اللؤلؤة»، بل كان ثمة تأرجح دائم
بين اسمين لها: «الشابة ذات غطاء الرأس وقرط الإذن»..
أما «الفتاة ذات اللؤلؤة» فانه الاسم المستحدث لها.
وإذا كان أول ما يلفت النظر في اللوحة بشكل عام هو قرط الإذن
المصنوع من لؤلؤة تبدو مضيئة،
فان تفرساً معمقاً في اللوحة، سيكشف عن الأهمية القصوى للفم فيها.
فالفم الجميل هنا نراه نصف مفتوح، وهي حركة كانت – في المدرسة
الهولندية للرسم في ذلك الحين – تعكس سمة الشخصية وكأنها تريد
أن تتوجه بالحديث إلى مشاهد اللوحة، عبر اجتياز الحدود التي لهذه
اللوحة..أي عبر خرق الحد الفاصل بين واقع المتفرج وخيال المرسوم.
أما الرأس ففيه انحناءة خفيفة تعطي الانطباع بأن الفتاة غارقة في أفكارها
في الوقت نفسه الذي تحدق في المتفرج بكل حيوية.
من ناحية الملابس، نلاحظ أن ثوب الفتاة الخارجي اصفر مائل قليلاً إلى
البني، وهو من دون أية زركشة ما يركز على اللون الأبيض اللماع
للقبة.. وهو لون يتزامن مع لون اللؤلؤة، ولون بياض عيني الفتاة.
أما غطاء الرأس الأزرق والذي ينطلق منه ما يشبه الخمار الأصفر،
فانه يعطي مناخ تفاوت لوني إضافي، بخاصة أن الخمار ينسدل على
الكتف محيلاً غمق لون الثوب البني، إلى لون يبرز الخمار وأصفره
البراق. في العالم التلويني الإجمالي للوحة،
من الواضح هنا أن فيرمير، كعادته في معظم لوحاته، يشتغل على ألوان
صافية تكاد تكون محايدة من دون أية مدلولات حقيقية، مما يبرز هنا،
وسط هالة اللون وقد عاد لون لا أكثر، صفاء الوجه وتعبير النظرات.