الشاعر أبي فراس الحمداني
1- كيف السبيل إلى طيف يزاوره
والنوم، في جملة الأحباب، هاجره؟
2- الحب آمره، والصون زاجره
والصبرر أول ما يأتي، وآخره
3- أنا الذي إن صبا، أوشفه غزل
فللعفاف، وللتقوى مازره
4- وأشرف الناس أهل الحب، منزلة
وأشرف الحب ما عفت سرائره
5- ما بال ليلي لا تسري كواكبه،
وطيف "عزة" لا يعتاد زائره
6- من لا ينام، فلا صبر يؤازره
ولا خيال، على شحطٍ، يزاوره
7- يا ساهرًا، لعبت أيدي الفراق به،
فالصبر خاذله، والدمع ناصره
8- إن الحبيب الذي هام الفؤاد به،
ينام عن طوول ليل، أنت ساهره
9- ما أنس لا أنس، يوم البين، موقفنا
والشوق ينهي البكى عني، ويأمره
10- وقولها، ودموع العين واكفة:
"هذا الفراق الذي كنا نحاذره!"
11- هل أنت، يا رفقة العشاق، مخبرتي
عن الخليط الذي زمت أباعره؟
12- وهل رأيت، أمام الحي، جارية
كالجوذر الفرد، تقفوه جآذره؟
13- وأنت، يا راكبًا، يزجي مطيته
يستطرق الحي، ليلًا، أو يباكره
14- إذا وصلت فعرض بي وقل لهم:
"هل واعد الوعد، يوم البين ذاكره؟"
15- ما أعجب الحب يمسي طوع جارية
في الحي من عجزت عنه مساعره
16- ويتقي الحي من جاء وغادية!
كيف الوصل إذا ما نام سامره؟
17- يا أيها العاذل الراجي إنابته،
والحب قد نشبت فيه أظافره،
18- لا تشعلن؛ فما تدري بحرقته،
أأنت عاذلة؟ أم أنت عاذره؟
19- وراحل أوحش الدنيا برحلته،
وإن غدا معه قلبي يسايره،
20- هل أنت مبلغه عني بأن له
ودا، تمكن في قلبي يجاوره؟
21- وأنني من صفت منه سرائره،
وصح باطنه، منه، وظاهره؟
22- وما أخوك الذي يدنو به نسب؛
لكن أخوك الذي تصفو ضمائره
23- وأنني وأصل من أنت واصله،
وأنني هاجر من أنت هاجره
24- ولست واجد شيء أنت عادمه،
ولست غائب شيء أنت حاضره،
25- وافي كتابك، مطويًا على نزوة
يحار سامعه فيه، وناظره
26- فالعين ترتع فيما خط كاتبه،
والسمع ينعم فيما قال شاعره
27- فإن وقفت، أمام الحي أنشده،
ود الخرائد لو تقني جواهره
28- "أبا الحصين"، وخير القول أصدقه،
أنت الصديق الذي طابت مخابره
29- لولا اعتذار أخلائي بك أنصرفوا
بوجه خزيان لم تقبل معاذره
30- أين الخليل الذي يرضيك باطنه،
مع الخطوب، كما يرضيك ظاهره؟
31- أما الكتاب، فإني لست أقرؤه
إلا تبادر من دمعي بوادره
32- يجري الجمان، كما يجري الجمان به
وينثر الدر، فوق الدر، ناثره
33- أنا الذي لا يصيب الدهر، عترته،
ولا يبيت على خوفٍ مجاوره
34- يمسي، وكل بلاد حلها وطن،
وكل قوم، غدا فيهم، عشائره
35- وما تمد له الأطناب في بلدٍ،
إلا تضعضع باديه وحاضره
36- لي التخير، مشتطًا ومنتصفًا،
وللأفاضل، بعدي، ما أغادره
37- إني لأرعى حمى الجبار، مقتدرًا،
وأرود الماء، غصبًا، وهو حاضره
38- فكيف تنتصف الأعداء من رجل،
العز أوله، والمجد آخره؟
39- زاكي الأصول، كريم النبعتين؛ ومن
زكت أوائله طابت أواخره
- فمن "سعيد بن حمدان" ولادته،
ومن "علي بن عبد الله" سائره!
41- القائل، الفاعل، المأمون نبوته،
والسيد الأيد، الميمون طائره
42- بني لنا العز، مرفوعًا دعائمه،
وشيد المجد، مشتدًّا مرائره
43- فما فضائلنا إلا فضائله،
ولا مفاخرنا إلا مفاخره
44- لقد فقدت أبي، طفلًا، فكان أبي،
من الرجال، كريم العود، ناضره
45- فهو ابن عمي دنيا، حين أنسبه،
لكنه لي مولى لا أناكره
46- ما زال لي نجوة، مما أحاذره
لا زال، في نجوة، مما يحاذره
47- إذا تخطا ريب الدهر ساحته
فما نبالي بمن دارت دوائره
48- وإنما وفت الدنيا موفتها
منه؛ وعمر للإسلام عامره
49- هذا كتاب مشوق القلب، مكتئب،
لم يأل ناظمه، جهدًا، وناثره
50- وقد سمحت، غداة البين، مبتدئًا،
من الجواب، بوعد أنت ذاكره
51- بقيت، ما غردت ورق الحمام، وما
استهل من مونق الوسمي باكره!
52- حتى تبلغ أقصى ما تؤمله
من الأمور، وتكفي ما تحاذره