صالح المحلاوى
اعلام خاصة : الجنس : عدد المساهمات : 18119 تاريخ التسجيل : 15/11/2011 الموقع : المحلة - مصر المحروسة العمل/الترفيه : اخضائى اجتماعى المزاج : متوفي //
| موضوع: الماتزمون بالعبادات والصحة النفسية السبت 13 أكتوبر 2012 - 2:33 | |
| النفس المطمئنّة
الاكتئاب : وباء الألفية الثالثة . | |
في زمن كثرت فيه اضطرابات الإنسان النفسية.. هل يمكن الرجوع للدين لعلاج تلك الأمراض?! الدكتور محمد عمار -أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية جامعة الأزهر- طرحنا عليه ما يتعلق بقضية التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية وخاصة «علم النفس» وإشاراته في التراث الديني ومدي إمكانية توظيفها في علاج المرض النفسي فيما أسماه بعلم نفسي إسلامي نجح بالفعل في علاج أمرض العصر. الحوارالتالي يناقش تلك القضية :
تأصيل إسلامي .
. ماذا يُعني بالتأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية ومنها علم النفس?
.. الحقيقة أن هذا التأصيل قديم حديث, بمعني أننا في العصر الحديث, عقب حدوث تغيرات كثيرة في المجتمع تولد عنها ما يسمي بالعلوم الاجتماعية التي كانت ضمن ما يعرف بعلم الفلسفة حتي أواخر القرن 19, إلا أنه بعد ذلك ظهر كل علم مستقلاً بنفسه, فهذا علم النفس, والاجتماع والفلسفة وغيرها, وقام العلماء المسلمون بتأصيل هذه العلوم, بمعني أنهم يبحثون في تراثنا الإسلامي عما يوافق هذه العلوم ويتلاءم معها, لأن قضية الاستيراد -إن صح التعبير- في ميدان العلوم الطبية والفيزيائية وغيرها ربما لا حرج فيها» فالطبيب الذي يعالج مريضًا بالفشل الكلوي لا تغيره جنسيته أو عقيدته, بينما هناك خصوصية تتعلق بعلوم النفس والتربية, فلكي أعالج إنسانًا مصابًا باضطرابات نفسية, فلابد أن أعرف الإطار الثقافي الذي نشأ فيه وعقيدته وتصوره للحياة.. الأمر الذي يبرر أهمية وخصوصية التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية وخاصة علم النفس.
مقومات .
. هل يحتوي تراثنا علي مقومات تدعم التأصيل الإسلامي لعلم النفس?
.. نعم هنالك قاعدة عريضة من نظريات إسلامية تتكلم عن النفس وأسرارها موجودة في القرآن والسنة الشريفة وتراث علماء الإسلام السابقين, ولكن أقول: إن القرآن ليس كتابًا لعلم النفس, ولكن به إشارات تتكلم عن النفس وما يصلحها ويزكيها, وقد وجد الباحثون في تراثنا الكثير من الاشارات المعنية بهذا العلم, ولكن ربما بألفاظ ومصطلحات أخري, تجب صياغتها بصورة علمية للتوافق مع معطيات العصر الذي نعيش فيه, وأضرب مثالاً لذلك فالعالم ابن القيم الجوزيه تكلم عن مراحل الفعل عند الإنسان وهي (خاطر, هاجس, تذكر, فعل, إرادة) وسبق بذلك علماء نفس غربيين قالوا بنفس هذه المراحل:
وهناك عالم نفس يدعي (جوزيف أولبي) قال: إن الإنسان الذي لديه عادة سيئة كسمة القلق مثلاً فيمكن من خلال موقف معين أن يتخلص منها كأن يقول لنفسه: STOP «توقف» وعندما ننظر في القرآن الكريم سنجد قوله: {¤ّإمَّا يّنزّغّنَّكّ مىنّ َشَّيًطّانى نّزًغً فّاسًتّعىذً بىاللَّهى} [الأعراف: 002] وإذن فعالم النفس الغربي تعامل مع الفعل بعدما صار عادة أو حقيقة بينما القرآن تعامل معه في وضع الخاطر, ولذلك فمعالجة عادة سيئة عندما تكون في فكر الإنسان (مجرد خاطر) أيسر من أن تكون هذه العادة قد صارت سلوكًا بالفعل.
تفاعل حضاري .
. ألا تتفق معي أننا كمسلمين عادة ما نتأخر في الرجوع إلي تراثنا وتأصيل أي علم? فمثلا علم النفس لماذا لا يكون لنا السبق في وضع نظرياته وأساليبه?
.. هذا أمر صحيح ولكن الحضارات والثقافات تتفاعل مع بعضها, فقديمًا استفاد المسلمون من تراث اليونان والرومان وطوروه وأضافوا إليه, وعندما قامت النهضة الأوروبية بعد ظلام حالك في عصور أوروبا الوسطي استفاد علماء الغرب من تراث المسلمين عبر المعابر الحضارية في صقلية والأندلس وطوروه وأضافوا إليه الجديد. وتكمن المشكلة هنا في أن البعض وهم الغربيون نقبوا وتقدموا بينما نحن تكاسلنا, وسنة الله في الكون لا تحابي أحدًا, والأولي بالعالم المسلم أن يكون سباقًا في اكتشاف أسرار الله في الكون وفهم تراثه بما يتضمنه من إرشادات يمكن أن تقيم علمًا قبل أن يسبقه غيره, الأمر الذي يعني أن المشكلة ليست في التراث ولكنها في المتعاملين معه, فهو كنز موجود لا شك أن علماء الغرب قد نهلوا منه, ولابد لنا أن نتفاعل معه ونحافظ عليه, فهو ليس ماضيًا فقط, ولكن حاضر كذلك ومستقبل.
تنوع الأساليب .
. هل هناك تنوع في أساليب الارشاد النفسي الإسلامي?
.. الإسلام له نظريته الخاصة التي لم تُسبق ولم يتجاوزها أحد لا سيما وأنه أدمج أساليب العلاج النفسي لكي يمارسها الأفراد في حياتهم الطبيعية قبل أن يمارسها المتخصصون في عياداتهم, فمثلاً نجد أن في أسلوب التحليل النفسي يجلس الطبيب مع المريض الذي يستلقي علي أريكة ويظل يتحدث في أكثر من جلسة ويحلل الطبيب أفعاله, بينما نجد أن الإسلام يحقق هذا الهدف دون أن يضطر المريض إلي اللجوء إلي طبيب فيأخذ هذا الأسلوب صورًا عديدة كعبادات يقف فيها العبد بين يدي الله يناجيه ويعترف بذنبه ويطلب منه المغفرة ويعتذر إليه عن التقصير في شكر نعمه, ويكرر ذلك في صلواته الخمس وقيام الليل وعند الدعاء والذكر وتلاوة القرآن والحج وغيره, وكذلك هناك أسلوب الإرشاد الجماعي في المجتمع المسلم ويأخذ صور جلسات علم في المساجد أو خطبة الجمعة يتعلم منها الفرد أخلاقيات دينه والفضائل الحسنة, وأيضًا أسلوب الإرشاد الاجتماعي في صور مخالطة بين المؤمنين وتعاون وتكافل وتزاور فيما بينهم إذا مرض أحدهم زاروه وإن احتاج أعانوه, وكذلك أسلوب الإرشاد بالترويح عن النفس وممارسة الرياضة والتفكر في مخلوقات الله وغيرها من الأساليب التي يعالج المريض المسلم نفسه دون أن يلجأ إلي طبيب إلا إذا زادت اضطراباته النفسية فلا بأس أن يلجأ لمتخصص نفسي.
مرضي مسلمون .
. ولكن قد يقول قائل: إن من المسلمين مرضي نفسيين?
.. نعم» فالإيمان كما قلت أساس الصحة النفسية, والمقصود هو الإيمان الحقيقي وهو المستكمل لشرائطه وهو ما وقر في القلب وصدقه العمل فهذا هو الذي يحفظ صاحبه من الاضطرابات النفسية ويمده إذا أصيب بها بالقدرة علي المقاومة, وليس الإيمان الضعيف الذي لا يثبت صاحبه عند المواقف العصيبة أو الأزمات الشديدة, ولذلك تجد أن أقل الناس إصابة بالأمراض النفسية هم الملتزمون دينيًا فعندهم القدرة الإيمانية علي تجاوزها والتداوي منها, في حين تجد مثلاً أن أعلي معدلات الانتحار بالدول الغربية رغم ارتفاع مستوي المعيشة وذلك بسبب غياب الوازع الديني الإيماني الذي يمنع الفرد أن ينتحر ويعطيه الأمل في الحياة بعد الموت.
أمراض العصر .
. من وجهة نظركم ما أبرز الأمراض النفسية في هذا العصر?
.. يري علماء النفس أن الألفية الثالثة تؤذن بعصر من الكآبة كما بات القرن العشرون عصر التوتر والقلق, وتبين المعطيات الدولية أن الاكتئاب سيكون وباءً عصريًا ينتشر في مختلف أنحاء العالم نتيجة تغيرات كثيرة طرأت علي مختلف مناحي الحياة المعلوماتية والتكنولوجية وطغيان الجوانب الاقتصادية علي مختلف مناحي الحياة, وقد دلت أحدث إحصائيات منظمة الصحة العالمية في عام 1998 أن هناك 300 مليون شخص يعانون من الاكتئاب, والإسلام يعالج ذلك بصورة وقائية عن طريق أن يصبر الفرد لما يلاقيه من مشاكل ويحاول تجاوزها بالأخذ بالأسباب والتوكل علي الله وطلب التوفيق منه, فإذا أصيب بأعراضه ومنها الحزن مثلاً فهناك من الآيات والأحاديث والقصص الإسلامي للأنبياء والصالحين ما يسرّي علي المسلم ويمنحه الأمل ويؤكد له أن من سبقوه تعرضوا لأكثر مما تعرض هو له مما يجعل ذلك يهون عليه المشكلة.
مصحات دينية .
. هل يمكن أن نري مستقبلاً مصحات نفسية دينية?
.. تم تطبيق ذلك بالفعل في مصر ودول عربية وإسلامية وثبت نجاحه, ولا مناص من انتشار هذا الأسلوب لا سيما أن أساليب العلاج النفسي فشلت في علاج أمراض خطيرة كالاكتئاب الذي يشكل نحو 12% من أمراض الإنسان ويصيب نحو 7% من سكان الكرة الأرضية, ويتكلف علاجه في الولايات المتحدة 53 مليون دولار سنويًا, بينما نحن لم نتكلف هذه المبالغ الطائلة وعندنا من الأساليب الدينية ما يوفر الجهد والوقت والمال.
العلم والدين .
. ما رأيكم في الحاجز الناشئ ضد تفسير الإسلام للظاهرة النفسية في سياق رفض البعض تأصيل أي ظاهرة بمرجعية إسلامية?
.. هذا الحاجز نشأ نتيجة صراع بين الكنيسة ورجال العلم في أوروبا إبان العصور الوسطي حول تفسير بعض ظواهر أضفت عليها الكنيسة نوعًا من القداسة اصطدمت بأفكار علماء مثل كوبرنيكوس وجاليليو وغيرهما, وقد نشأ علم النفس في هذا الجو المعادي للدين, واعتبر علماء النفس في الغرب أن هناك ثلاث مراحل هي: المرحلة اللاهوتية, الميتافيزيقية, وأخيرًا العلمية التي تنسخ ما قبلها.
أما في عالمنا الإسلامي فلا يمكن أن تطرح العلوم الاجتماعية نفسها بعيدًا عن الدين, ولكن يمكن أن تتعاون معه, والبحث في الإسلام يكشف الكثير حول النفس وعلومها ولا يعد ذلك خطوة للوراء أو دعوة لتهميش الدراسات النفسية الحديثة, فهذا وهم لا حقيقة, ودعني أقول شيئًا مهمًا وهو أن أساليب الإرشاد النفسي البشرية ونظرياته ليست مقدسة فهي عبارة عن اجتهادات بشر تحتمل الصواب والخطأ, والبديل الإسلامي النفسي لا يتعارض مع الأساليب الأخري بل يقدم إطارًا عام يتسع لكل الأساليب المستحدثة تماشيًا مع مبادئه في الشمول والواقعية.
|
|
|