تيقن من نفسه بعد تجارب عديدة، أنه من النوع الذي إذا استشعر قرب حلول النعمة وزوال الكربة؛ فرط في عقد المراقبة لله تعالى، وتراخى في أخذ أوامر الله بقوة؛ لينال التقصير منه نصيباً موفوراً!! قال تعالى : (كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى)!! لاحظ بما لا يدع مجالاً للشك زوال أسباب النعمة سريعاً عنه، وبسيناريوهات غير متوقعة؛ بمجرد حدوث هذا التقصير، على الرغم من أخذه لكافة أسباب بقائها؛ فعلم يقيناً أن الأمر كله بيد الله وحده، ولو شاء لأفاض عليه من تلك النعم وهو على تلك الغفلة؛ لتصبح استدراجاً لسخط الله عليه في الدنيا، ونيله لشديد العذاب في الآخرة!! حمد الله بعدما استفاق مجدداً على وخذ سهام الضيق والكرب؛ ليلهج منه اللسان بطلب العفو والغفران، مع كثرة الدعاء والاستغفار، فإذا ما استجاب الله لدعائه، وفرج كرباته، واسترخت عليه حبال الضيق والمحن، ليشتم رائحة الفرج من جديد، خارت من بين يديه حبال المراقبة مكرراً، وتطلعت نفسه الأمارة بالسوء إلى أخذ نصيبها الكامل في المباحات، ليتدرج تلقائياً إلى ارتكاب الصغائر من المخالفات؛ اعتماداً على ما كان من كثرة الطاعات!! لتنزلق قدميه مجدداً إلى المعاصي الموبقات!! فيسلب الله منه النعمة مكرراً، وكأن لسان حاله يشهد عليه قائلاً : (ويحك أيها العبد ما أغدرك)!! ضاقت عليه نفسه من كثرة نكصه مع الله للعهود!! وضاقت عليه دنياه بفقدانه العون والمدد من رب الوجود!! فعقد العزم على أن يكون رجلاً بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معاني الوفاء بالعهد، والصدق في الوعد!! وقرر أن تكون البداية بوضع اليد على الجرح، وسد ثغرات السوء في نفسه، كيلا يداخله الشيطان منها!! فحدد وميَّز، وعرف وقيَّد، وقرر مفارقة مواطن الفتن وإن قلت في مخاطرها؛ لأنها بمثابة الممهد لعظائمها!! وخطط لشغل نفسه بالطاعات حال اليسر إذا حلَّ به، ورصد الأفكار لتسخير النعمة في زيادة القربات إذا أنعم الله عليه!! وقبل ذلك كله، استنفر من نفسه الهمم باستشعار الندم على ما فات من الزلات، وتذكر لحظة نزوله إلى قبره، ورهبة القدوم على الله بهذه المخزيات؟! فاستغفر وأناب، وعزم على الخير وتاب، فرحمه الله بتفريج الكربة؛ فكانت عافيته في التوبة، وفتح الله عليه أبواب الرزق والنعمة، فعاش بالتوبة النصوح؛ منعماً دوماً بصفاء الروح! المصدر : صيد الفوائد