المصـــــــــــراوية
المصـــــــــــراوية

المصـــــــــــراوية

 
الرئيسيةاليوميةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 مع إبن القيم

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
العابد

العابد


اعلام خاصة : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 56600
تاريخ التسجيل : 16/10/2011
الموقع الموقع : الاسكندرية
المزاج : مشغول

مع إبن القيم  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: مع إبن القيم    مع إبن القيم  - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء 25 أكتوبر 2016 - 11:05

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

مع إبن القيم  - صفحة 2 791183673



[هِدَايَةُ الْقُرْآنِ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَبِهِ نَسْتَعِينُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَإِلَهُ الْمُرْسَلِينَ، وَقَيُّومُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ بِالْكِتَابِ الْمُبِينِ، الْفَارِقُ بَيْنَ الْهُدَى وَالضَّلَالِ، وَالْغَيِّ وَالرَّشَادِ، وَالشَّكِّ وَالْيَقِينِ، أَنْزَلَهُ لِنَقْرَأَهُ تَدَبُّرًا، وَنَتَأَمَّلَهُ تَبَصُّرًا، وَنَسْعَدَ بِهِ تَذَكُّرًا، وَنَحْمِلَهُ عَلَى أَحْسَنِ وُجُوهِهِ وَمَعَانِيهِ، وَنُصَدِّقَ بِهِ وَنَجْتَهِدَ عَلَى إِقَامَةِ أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ، وَنَجْتَنِي ثِمَارَ عُلُومِهِ النَّافِعَةِ الْمُوصِلَةِ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ مِنْ أَشْجَارِهِ، وَرَيَاحِينَ الْحِكَمِ مِنْ بَيْنِ رِيَاضِهِ وَأَزْهَارِهِ، فَهُوَ كِتَابُهُ الدَّالُّ عَلَيْهِ لِمَنْ أَرَادَ مَعْرِفَتَهُ، وَطَرِيقُهُ الْمُوَصِّلَةُ لِسَالِكِهَا إِلَيْهِ، وَنُورُهُ الْمُبِينُ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَرَحْمَتُهُ الْمُهْدَاةُ الَّتِي بِهَا صَلَاحُ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَالسَّبَبُ الْوَاصِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِهِ إِذَا انْقَطَعَتِ الْأَسْبَابُ، وَبَابُهُ الْأَعْظَمُ الَّذِي مِنْهُ الدُّخُولُ، فَلَا يُغْلَقُ إِذَا غُلِّقَتِ الْأَبْوَابُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي لَا تَمِيلُ بِهِ الْآرَاءُ، وَالذِّكْرُ الْحَكِيمُ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ، وَالنُّزُلُ الْكَرِيمُ الَّذِي لَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، لَا تَفْنَى عَجَائِبُهُ، وَلَا تُقْلِعُ سَحَائِبُهُ، وَلَا تَنْقَضِي آيَاتُهُ، وَلَا تَخْتَلِفُ دِلَالَاتُهُ، كُلَّمَا ازْدَادَتِ الْبَصَائِرُ فِيهِ تَأَمُّلًا وَتَفْكِيرًا، زَادَهَا هِدَايَةً وَتَبْصِيرًا، وَكُلَّمَا بَجَسَتْ مَعِينُهُ فَجَّرَ لَهَا يَنَابِيعَ الْحِكْمَةِ تَفْجِيرًا، فَهُوَ نُورُ الْبَصَائِرِ مِنْ عَمَاهَا، وَشِفَاءُ الصُّدُورِ مِنْ أَدْوَائِهَا وَجَوَاهَا، وَحَيَاةُ الْقُلُوبِ، وَلَذَّةُ النُّفُوسِ، وَرِيَاضُ الْقُلُوبِ، وَحَادِي الْأَرْوَاحِ إِلَى بِلَادِ الْأَفْرَاحِ، وَالْمُنَادِي بِالْمَسَاءِ وَالصَّبَاحِ: يَا أَهْلَ الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، نَادَى مُنَادِي الْإِيمَانِ عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ {يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف: 31] .
مع إبن القيم  - صفحة 2 Msg-125640-1317017710




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

كاتب الموضوعرسالة
العابد




عدد المساهمات : 56600
تاريخ التسجيل : 16/10/2011

مع إبن القيم  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: مع إبن القيم    مع إبن القيم  - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء 25 أكتوبر 2016 - 11:07



شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز بن مكي زيد الدين الزُّرعي ثم الدمشقي الحنبلي الشهير بابن قيّم الجوزية (691 هـ - 751 هـ / 1292م - 1349م) من علماء المسلمين في القرن الثامن الهجري وصاحب المؤلفات العديدة، عاش في دمشق ودرس على يد ابن تيمية الدمشقي ولازمه قرابة 16 عاما وتأثر به. وسجن في قلعة دمشق في أيام سجن ابن تيمية وخرج بعد أن توفى شيخه عام 728 هـ.
مسيرته :
ولد في 7 صفرعام 691هـ. الموافق 2 فبراير 1292م. و يقال أنه ولد في ازرع جنوب سوريا وقيل في دمشق. من عائلة دمشقية عرفت بالعلم والالتزام بالدين، والده كان قيّماً على المدرسة الجوزية بدمشق مدة من الزمن، واشتهر بذلك اللقب ذريته وحفدتهم من بعد ذلك، وقد شاركه بعض أهل العلم بهذه التسمية وتقع هذه المدرسة بالبزورية المسمى قديما سوق القمح أو سوق البزورية (أحد اسواق دمشق)، وبقي منها الآن بقية ثم صارت محكمة إلى سنة 1372هـ، 1952م.
عبادته وزهده:
قال ابن رجب: "وكان ذا عبادة وتهجد وطول صلاة إلى الغاية القصوى، وتأله ولهج بالذكر وشغف بالمحبة، والإنابة والاستغفار والافتقار إلى الله والانكسار له، والانطراح بين يديه وعلى عتبة عبوديته، لم أشاهد مثله في ذلك ولا رأيت أوسع منه علماً، ولا أعرف بمعاني القرآن والسنة وحقائق الإيمان منه، وليس بمعصوم، ولكن لم أر في معناه مثله. وقد اُمتحن وأوذي مرات، وحبس مع الشيخ تقي الدين في المرة الأخيرة بالقلعة منفردا عنه ولم يخرج إلا بعد موت الشيخ. وكان في مدة حبسه منشغلا بتلاوة القرآن بالتدبر والتفكر ففتح عليه من ذلك خير كثير وحصل له جانب عظيم من الأذواق والمواجيد الصحيحة، وتسلط بسبب ذلك على الكلام في علوم أهل المعارف والدخول في غوامضهم وتصانيفه ممتلئة بذلك. وحج مرات كثيرة، وجاور بمكة. وكان أهل مكة يذكرون عنه من شدة العبادة وكثرة الطواف أمرا يتعجب منه".
وقال ابن كثير: "لا أعرف في هذا العالم في زماننا أكثر عبادة منه، وكانت له طريقة في الصلاة يطيلها جدا، ويمد ركوعها وسجودها، ويلومه كثير من أصحابه في بعض الأحيان فلا يرجع ولا ينزع عن ذلك".
وقال ابن حجر العسقلاني: "وكان إذا صلى الصبح جلس مكانه يذكر الله حتى يتعالى النهار، ويقول: هذه غدوتي لو لم أقعدها سقطت قواي، وكان يقول: بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين وكان يقول: لابد للسالك من همة تسيره وترقيه وعلم يبصره ويهديه".
مهنته :
الإمامة بالجوزية.
التدريس بالصدرية، وأماكن أخرى.
التصدي للفتوى.
التأليف.
فتاوى امتحن بسببها :
مسألة الطلاق الثلاث بلفظ واحد.
فتواه بجواز المسابقة بغير محلل: وذكر ابن حجر أنه رجع عن هذه الفتوى، وما ثمة دليل على الرجوع، والله أعلم بالصواب، وقوله هو الصواب الموافق للدليل.
إنكاره شد الرحال إلى قبر النبي إبراهيم.
مسألة الشفاعة والتوسل بالأنبياء.
اتصاله بابن تيمية :
اتفق المؤرخون على أن تأريخ اللقاء بين ابن قيّم الجوزية وابن تيمية كان منذ سنة 712 هـ وهي السنة التي عاد فيها الشيخ ابن تيمية من مصر إلى دمشق واستقر فيها إلى أن مات سنة 728 هـ. وقد امتحن ابن القيّم لمناصرته لشيخه وسجن معه. يقول ابن رجب: ( وقد امتحن وأوذي مرات وحبس مع الشيخ تقي الدين في المرة الأخيرة بالقلعة، منفردا عنه ولم يفرج عنه إلا بعد موت الشيخ).ويقول ابن حجر: ( إنه اعتقل مع ابن تيمية بالقلعة بعد أن أهين وطيف به على جمل مضروبا بالدرة فلما مات أفرج عنه).وقال ابن القيّم في نونيته واصفا توبته على يد ابن تيمية:
يا قوم والله العظيم نصيحة من مشفق وأخ لكم معوان
جربت هذا كله ووقعت في تلك الشباب وكنت ذا طيران
حتى أتاح لى الإله بفضله من ليس تجزيه يدى ولساني
حبر أتى من أرض حران فيا أهلا بمن قد جاء من حران
فالله يجزيه الذي هو أهله من جنة المأوى مع الرضوان
أخذت يداه يدي وسار فلم يرم حتى أراني مطلع الإيمان
ورأيت أعلام المدينة حولها نزل الهدى وعساكر القرآن
ورأيت آثارا عظيما شأنها محجوبة عن زمرة العميان
مشايخه :
له عدد كبير من المشايخ جمعهم الشيخ بكر أبو زيد وذكر منهم خمسة وعشرين، منهم:
قيّم الجوزية: والده.
ابن تيمية. أخذ عنه الفقه والأصول
ابن عبدالدائم: أحمد بن عبدالدائم بن نعمة المقدسي مسند وقته.
بدر الدين بن جماعة.
أحمد بن عبد الرحمن بن عبدالمنعم بن نعمة النابلسي.
ابن الشيرازي: ذكر في مشيخة ابن القيّم ولم يذكر نسبه فاختلف فيه.
المجد الحراني: إسماعيل مجد الدين بن محمد الفراء شيخ الحنابلة.
ابن مكتوم: إسماعيل الملقب بصدر الدين والمكنى بأبي الفداء بن يوسف بن مكتوم القيسي.
الكحال: أيوب زين الدين بن نعمة النابلسي الكحال.
الإمام الحافظ الذهبي.
الحاكم: سليمان تقي الدين أبو الفضل بن حمزة بن أحمد بن قدامة المقدسي مسند الشام وكبير قضاتها.
شرف الدين ابن تيمية:
له عدد كبير من المشايخ جمعهم الشيخ بكر أبو زيد وذكر منهم خمسة وعشرين،
يتبع


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
العابد




عدد المساهمات : 56600
تاريخ التسجيل : 16/10/2011

مع إبن القيم  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: مع إبن القيم    مع إبن القيم  - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء 25 أكتوبر 2016 - 11:08



منهم:
قيّم الجوزية: والده.
ابن تيمية. أخذ عنه الفقه والأصول
ابن عبدالدائم: أحمد بن عبدالدائم بن نعمة المقدسي مسند وقته.
بدر الدين بن جماعة.
أحمد بن عبد الرحمن بن عبدالمنعم بن نعمة النابلسي.
ابن الشيرازي: ذكر في مشيخة ابن القيّم ولم يذكر نسبه فاختلف فيه.
المجد الحراني: إسماعيل مجد الدين بن محمد الفراء شيخ الحنابلة.
ابن مكتوم: إسماعيل الملقب بصدر الدين والمكنى بأبي الفداء بن يوسف
 بن مكتوم القيسي.
الكحال: أيوب زين الدين بن نعمة النابلسي الكحال.
الإمام الحافظ الذهبي.
الحاكم: سليمان تقي الدين أبو الفضل بن حمزة بن أحمد بن قدامة
 المقدسي مسند الشام وكبير قضاتها.
شرف الدين ابن تيمية: عبد الله أبو محمد بن عبد الحليم بن تيمية النميري
 أخو ابن تيمية.
بنت الجوهر: فاطمة أم محمد بنت الشيخ إبراهيم بن محمود بن جوهر
 البطائحي البعلي، المسندة المحدثة.
عيسى المطعم
ابن أبي الفتح البعلي: قرأ عليه المخلص لأبي البقاء، ثم قرأ الجرجانية
 ثم ألفية ابن مالك وأكثر الكافية والشافية وبعض التسهيل
مجد الدين التونسي: قرأ عليه قطعة من المقرب لابن عصفور
صفي الدين الهندي: أخذ عنه الفقه والأصول
إسماعيل بن محمد الحراني: قرأ عليه الروضة لابن قدامة
تلاميذه :
وتلاميذه كثر ذكر منهم الشيخ بكر إحدى عشر منهم:
ابنه برهان الدين إبراهيم بن قيّم الجوزية.
الإمام الحافظ ابن كثير.
الإمام ابن رجب الحنبلي.
علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي
الإمام الحافظ الذهبي.
الحافظ ابن عبد الهادي: محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن قدامة المقدسي.
الفيروزآبادي: محمد بن يعقوب بن محمد الفيروزآبادي صاحب القاموس.
مؤلفاته :
بلغ بها الشيخ بكر أبو زيد 98 مؤلفا وطبع منها:
اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية.
أحكام أهل الذمة.
إعلام الموقعين عن رب العالمين.
إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان.
إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان.
بدائع الفوائد.
التبيان في أقسام القرآن.
تحفة المودود بأحكام المولود.
جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام.
الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي أو الداء والدواء.
حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح.
روضة المحبين ونزهة المشتاقين.
الروح.
زاد المعاد في هدي خير العباد.
شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل.
الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة.
الطب النبوي. ( وهو جزء من كتاب زاد المعاد )
طريق الهجرتين وباب السعادتين.
الطرق الحكمية.
عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين.
الفروسية.
الفوائد .
الكافية الشافية في النحو.
الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية.
الكلام على مسألة السماع.
كتاب الصلاة وأحكام تاركها.
مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين.
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة.
المنار المنيف في الصحيح والضعيف.
هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى.
الوابل الصيّب من الكلم الطيّب.
وفاته :
توفي في ليلة الخميس 13/7/751هـ، 1349م في وقت أذان العشاء
 وبه كمل من العمر ستون سنة. وصلى عليه في الجامع الأموي بدمشق
 بعد صلاة الظهر ثم بجامع جراح وأزدحم الناس للصلاة عليه ودفن عند
 والدته بمقبرة الباب الصغير.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
العابد




عدد المساهمات : 56600
تاريخ التسجيل : 16/10/2011

مع إبن القيم  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: مع إبن القيم    مع إبن القيم  - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء 25 أكتوبر 2016 - 11:11



هَيْهَاتَ وَاللَّهِ، لَقَدْ ظَنَّ أَكْذَبَ الظَّنِّ، وَمَنَّتْهُ نَفْسُهُ أَبْيَنَ الْمُحَالِ، وَإِنَّمَا ضُمِنَتِ النَّجَاةُ لِمَنْ حَكَّمَ هُدَى اللَّهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَتَزَوَّدَ التَّقْوَى وَائْتَمَّ بِالدَّلِيلِ، وَسَلَكَ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، وَاسْتَمْسَكَ مِنَ الْوَحْيِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى الَّتِي لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.
وَبَعْدُ، فَلَمَّا كَانَ كَمَالُ الْإِنْسَانِ إِنَّمَا هُوَ بِالْعِلْمِ النَّافِعِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَهُمَا الْهُدَى وَدِينُ الْحَقِّ، وَبِتَكْمِيلِهِ لِغَيْرِهِ فِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَالْعَصْرِ - إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ - إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1 - 3] أَقْسَمَ سُبْحَانَهُ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ خَاسِرٌ إِلَّا مَنْ كَمَّلَ قُوَّتَهُ الْعِلْمِيَّةَ بِالْإِيمَانِ، وَقُوَّتَهُ الْعَمَلِيَّةَ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَكَمَّلَ غَيْرَهُ بِالتَّوْصِيَةِ بِالْحَقِّ وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ، فَالْحَقُّ هُوَ الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ، وَلَا يَتِمَّانِ إِلَّا بِالصَّبْرِ عَلَيْهِمَا، وَالتَّوَاصِي بِهِمَا كَانَ حَقِيقًا بِالْإِنْسَانِ أَنْ يُنْفِقَ سَاعَاتِ عُمْرِهِ بَلْ أَنْفَاسَهُ فِيمَا يَنَالُ بِهِ الْمَطَالِبَ الْعَالِيَةَ، وَيَخْلُصُ بِهِ مِنَ الْخُسْرَانِ الْمُبِينِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا بِالْإِقْبَالِ عَلَى الْقُرْآنِ وَتَفَهُّمِهِ وَتَدَبُّرِهِ وَاسْتِخْرَاجِ كُنُوزِهِ وَإِثَارَةِ دَفَائِنِهِ، وَصَرْفِ الْعِنَايَةِ إِلَيْهِ، وَالْعُكُوفِ بِالْهِمَّةِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ الْكَفِيلُ بِمَصَالِحِ الْعِبَادِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ، وَالْمُوَصِّلُ لَهُمْ إِلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ، فَالْحَقِيقَةُ وَالطَّرِيقَةُ، وَالْأَذْوَاقُ وَالْمَوَاجِيدُ الصَّحِيحَةُ، كُلُّهَا لَا تُقْتَبَسُ إِلَّا مِنْ مِشْكَاتِهِ، وَلَا تُسْتَثْمَرُ إِلَّا مِنْ شَجَرَاتِهِ.
وَنَحْنُ بِعَوْنِ اللَّهِ نُنَبِّهُ عَلَى هَذَا بِالْكَلَامِ عَلَى فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَأُمِّ الْقُرْآنِ، وَعَلَى بَعْضِ مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ السُّورَةُ مِنْ هَذِهِ الْمَطَالِبِ، وَمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الرَّدِّ عَلَى جَمِيعِ طَوَائِفِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ، وَمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ مَنَازِلِ السَّائِرِينَ، وَمَقَامَاتِ الْعَارِفِينَ، وَالْفَرْقِ بَيْنَ وَسَائِلِهَا وَغَايَاتِهَا، وَمَوَاهِبِهَا وَكَسْبِيَّاتِهَا، وَبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَقُومُ غَيْرُ هَذِهِ السُّورَةِ مَقَامَهُا، وَلَا يَسُدُّ مَسَدَّهَا، وَلِذَلِكَ لَمْ يُنَزِّلِ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الْقُرْآنِ مِثْلَهَا.
وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، وَعَلَيْهِ الْتُكْلَانُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
العابد




عدد المساهمات : 56600
تاريخ التسجيل : 16/10/2011

مع إبن القيم  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: مع إبن القيم    مع إبن القيم  - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء 25 أكتوبر 2016 - 11:12



[اشْتِمَالُ الْفَاتِحَةِ عَلَى أُمَّهَاتِ الْمَطَالِبِ]
اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ اشْتَمَلَتْ عَلَى أُمَّهَاتِ الْمَطَالِبِ الْعَالِيَةِ أَتَمَّ اشْتِمَالٍ، وَتَضَمَّنَتْهَا أَكْمَلَ تَضَمُّنٍ.
فَاشْتَمَلَتْ عَلَى التَّعْرِيفِ بِالْمَعْبُودِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِثَلَاثَةِ أَسْمَاءٍ، مَرْجِعُ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتِ الْعُلْيَا إِلَيْهَا، وَمَدَارُهَا عَلَيْهَا، وَهِيَ: اللَّهُ، وَالرَّبُّ، وَالرَّحْمَنُ، وَبُنِيَتِ السُّورَةُ عَلَى الْإِلَهِيَّةِ، وَالرُّبُوبِيَّةِ، وَالرَّحْمَةِ، فَ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِلَهِيَّةِ، {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] عَلَى الرُّبُوبِيَّةِ، وَطَلَبُ الْهِدَايَةِ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ بِصِفَةِ الرَّحْمَةِ، وَالْحَمْدُ يَتَضَمَّنُ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةَ، فَهُوَ الْمَحْمُودُ فِي إِلَهِيَّتِهِ، وَرُبُوبِيَّتِهِ، وَرَحْمَتِهِ، وَالثَّنَاءُ وَالْمَجْدُ كَمَالَانِ لِجَدِّهِ.
وَتَضَمَّنَتْ إِثْبَاتَ الْمَعَادِ، وَجَزَاءَ الْعِبَادِ بِأَعْمَالِهِمْ، حَسَنِهَا وَسَيِّئِهَا، وَتَفَرُّدَ الرَّبِّ تَعَالَى بِالْحُكْمِ إِذْ ذَاكَ بَيْنَ الْخَلَائِقِ، وَكَوْنَ حُكْمِهِ بِالْعَدْلِ، وَكُلُّ هَذَا تَحْتَ قَوْلِهِ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] .
وَتَضَمَّنَتْ إِثْبَاتَ النُّبُوَّاتِ مِنْ جِهَاتٍ عَدِيدَةٍ:
أَحَدُهَا: كَوْنُهُ رَبَّ الْعَالَمِينَ، فَلَا يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَتْرُكَ عِبَادَهُ سُدًى هَمَلًا لَا يُعَرِّفُهُمْ مَا يَنْفَعُهُمْ فِي مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ وَمَا يَضُرُّهُمْ فِيهِمَا، فَهَذَا هَضْمٌ لِلرُّبُوبِيَّةِ، وَنِسْبَةُ الرَّبِّ تَعَالَى إِلَى مَا لَا يَلِيقُ بِهِ، وَمَا قَدَرَهُ حَقَّ قَدْرِهِ مَنْ نَسَبَهُ إِلَيْهِ.
الثَّانِي: أَخْذُهَا مِنَ اسْمِ اللَّهِ، وَهُوَ الْمَأْلُوهُ الْمَعْبُودُ، وَلَا سَبِيلَ لِلْعِبَادِ إِلَى مَعْرِفَةِ عِبَادَتِهِ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ رُسُلِهِ.
الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ: مِنِ اسْمِهِ الرَّحْمَنِ فَإِنَّ رَحْمَتَهُ تَمْنَعُ إِهْمَالَ عِبَادِهِ، وَعَدَمَ تَعْرِيفِهِمْ مَا يَنَالُونَ بِهِ غَايَةَ كَمَالِهِمْ، فَمَنْ أَعْطَى اسْمَ الرَّحْمَنِ حَقَّهُ عَرَفَ أَنَّهُ مُتَضَمِّنٌ لِإِرْسَالِ الرُّسُلِ، وَإِنْزَالِ الْكُتُبِ، أَعْظَمَ مِنْ تَضَمُّنِهِ إِنْزَالَ الْغَيْثِ، وَإِنْبَاتَ الْكَلَأِ، وَإِخْرَاجَ الْحَبِّ، فَاقْتِضَاءُ الرَّحْمَةِ لِمَا تَحْصُلُ بِهِ حَيَاةُ الْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحِ أَعْظَمُ مِنِ اقْتِضَائِهَا لِمَا تَحْصُلُ بِهِ حَيَاةُ الْأَبْدَانِ وَالْأَشْبَاحِ، لَكِنِ الْمَحْجُوبُونَ إِنَّمَا أَدْرَكُوا مِنْ هَذَا الِاسْمِ حَظَّ الْبَهَائِمِ وَالدَّوَابِّ، وَأَدْرَكَ مِنْهُ أُولُو الْأَلْبَابِ أَمْرًا وَرَاءَ ذَلِكَ.
الْمَوْضِعُ الرَّابِعُ: مِنْ ذِكْرِ يَوْمِ الدِّينِ فَإِنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي يُدِينُ اللَّهُ الْعِبَادَ فِيهِ بِأَعْمَالِهِمْ، فَيُثِيبُهُمْ عَلَى الْخَيْرَاتِ، وَيُعَاقِبُهُمْ عَلَى الْمَعَاصِي وَالسَّيِّئَاتِ، وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَ أحَدًا قَبْلَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ، وَالْحُجَّةُ إِنَّمَا قَامَتْ بِرُسُلِهِ وَكُتُبِهِ، وَبِهِمُ اسْتُحِقَّ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ، وَبِهِمْ قَامَ سُوقُ يَوْمِ الدِّينِ، وَسِيقَ الْأَبْرَارُ إِلَى النَّعِيمِ، وَالْفُجَّارُ إِلَى الْجَحِيمِ.
الْمَوْضِعُ الْخَامِسُ: مِنْ قَوْلِهِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] فَإِنَّ مَا يُعْبَدُ بِهِ الرَّبُّ تَعَالَى لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَعِبَادَتُهُ وَهِيَ شُكْرُهُ وَحُبُّهُ وَخَشْيَتُهُ فِطْرِيٌّ وَمَعْقُولٌ لِلْعُقُولِ السَّلِيمَةِ، لَكِنَّ طَرِيقَ التَّعَبُّدِ وَمَا يُعْبَدُ بِهِ لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَتِهِ إِلَّا بِرُسُلِهِ وَبَيَانِهِمْ، وَفِي هَذَا بَيَانُ أَنَّ إِرْسَالَ الرُّسُلِ أَمْرٌ مُسْتَقِرٌّ فِي الْعُقُولِ، يَسْتَحِيلُ تَعْطِيلُ الْعَالَمِ عَنْهُ، كَمَا يَسْتَحِيلُ تَعْطِيلُهُ عَنِ الصَّانِعِ، فَمَنْ أَنْكَرَ الرَّسُولَ فَقَدْ أَنْكَرَ الْمُرْسِلَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ، وَلِهَذَا جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْكُفْرَ بِرُسُلِهِ كُفْرًا بِهِ.
الْمَوْضِعُ السَّادِسُ: مِنْ قَوْلِهِ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] فَالْهِدَايَةُ: هِيَ الْبَيَانُ وَالدَّلَالَةُ، ثُمَّ التَّوْفِيقُ وَالْإِلْهَامُ، وَهُوَ بَعْدَ الْبَيَانِ وَالدَّلَالَةِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى الْبَيَانِ وَالدَّلَالَةِ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الرُّسُلِ، فَإِذَا حَصَلَ الْبَيَانُ وَالدَّلَالَةُ وَالَتَّعْرِيفُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ هِدَايَةُ التَّوْفِيقِ، وَجَعْلُ الْإِيمَانِ فِي الْقَلْبِ، وَتَحْبِيبُهُ إِلَيْهِ، وَتَزْيِينُهُ فِي الْقَلْبِ، وَجَعْلُهُ مُؤْثِرًا لَهُ، رَاضِيًا بِهِ، رَاغِبًا فِيهِ.
وَهُمَا هِدَايَتَانِ مُسْتَقِلَّتَانِ، لَا يَحْصُلُ الْفَلَاحُ إِلَّا بِهِمَا، وَهُمَا مُتَضَمِّنَتَانِ تَعْرِيفَ مَا لَمْ نَعْلَمْهُ مِنَ الْحَقِّ تَفْصِيلًا وَإِجْمَالًا، وَإِلْهَامَنَا لَهُ، وَجَعْلَنَا مُرِيدِينَ لِاتِّبَاعِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، ثُمَّ خَلْقُ الْقُدْرَةِ لَنَا عَلَى الْقِيَامِ بِمُوجَبِ الْهُدَى بِالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَالْعَزْمِ، ثُمَّ إِدَامَةُ ذَلِكَ لَنَا وَتَثْبِيتُنَا عَلَيْهِ إِلَى الْوَفَاةِ.
وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ اضْطِرَارُ الْعَبْدِ إِلَى سُؤَالِ هَذِهِ الدَّعْوَةِ فَوْقَ كُلِّ ضَرُورَةٍ، وَبُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إِذَا كُنَّا مُهْتَدِينَ، فَكَيْفَ نَسْأَلُ الْهِدَايَةَ؟ فَإِنَّ الْمَجْهُولَ لَنَا مِنَ الْحَقِّ أَضْعَافُ


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
العابد




عدد المساهمات : 56600
تاريخ التسجيل : 16/10/2011

مع إبن القيم  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: مع إبن القيم    مع إبن القيم  - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء 25 أكتوبر 2016 - 11:12


الْمَعْلُومِ، وَمَا لَا نُرِيدُ فِعْلَهُ تَهَاوُنًا وَكَسَلًا مِثْلُ مَا نُرِيدُهُ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهُ أَوْ دُونَهُ، وَمَا لَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ مِمَّا نُرِيدُهُ كَذَلِكَ، وَمَا نَعْرِفُ جُمْلَتَهُ وَلَا نَهْتَدِي لِتَفَاصِيلِهِ فَأَمْرٌ يَفُوتُ الْحَصْرَ، وَنَحْنُ مُحْتَاجُونَ إِلَى الْهِدَايَةِ التَّامَّةِ، فَمَنْ كَمُلَتْ لَهُ هَذِهِ الْأُمُورُ كَانَ سُؤَالُ الْهِدَايَةِ لَهُ سُؤَالَ التَّثْبِيتِ وَالْوِئَامِ.
وَلِلْهِدَايَةِ مَرْتَبَةٌ أُخْرَى وَهِيَ آخِرُ مَرَاتِبِهَا وَهِيَ الْهِدَايَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى طَرِيقِ الْجَنَّةِ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُوَصِّلُ إِلَيْهَا، فَمَنْ هُدِيَ فِي هَذِهِ الدَّارِ إِلَى صِرَاطِ اللَّهِ الْمُسْتَقِيمِ، الَّذِي أَرْسَلَ بِهِ رُسُلَهُ، وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ، هُدِيَ هُنَاكَ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، الْمُوَصِّلِ إِلَى جَنَّتِهِ وَدَارِ ثَوَابِهِ، وَعَلَى قَدْرِ ثُبُوتِ قَدَمِ الْعَبْدِ عَلَى هَذَا الصِّرَاطِ الَّذِي نَصَبَهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ فِي هَذِهِ الدَّارِ يَكُونُ ثُبُوتُ قَدَمِهِ عَلَى الصِّرَاطِ الْمَنْصُوبِ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ، وَعَلَى قَدْرِ سَيْرِهِ عَلَى هَذِهِ الصِّرَاطِ يَكُونُ سَيْرُهُ عَلَى ذَاكَ الصِّرَاطِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالْبَرْقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالطَّرْفِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالرِّيحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَشَدِّ الرِّكَابِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْعَى سَعْيًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي مَشْيًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْبُو حَبْوًا، وَمِنْهُمُ الْمَخْدُوشُ الْمُسَلَّمُ، وَمِنْهُمُ الْمُكَرْدَسُ فِي النَّارِ، فَلْيَنْظُرِ الْعَبْدُ سَيْرَهُ عَلَى ذَلِكَ الصِّرَاطِ مِنْ سَيْرِهِ عَلَى هَذَا، حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ، جَزَاءً وِفَاقًا {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل: 90] .
وَلْيَنْظُرِ الشُّبُهَاتِ وَالشَّهَوَاتِ الَّتِي تَعُوقُهُ عَنْ سَيْرِهِ عَلَى هَذَا الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، فَإِنَّهَا الْكَلَالِيبُ الَّتِي بِجَنَبَتَيْ ذَاكَ الصِّرَاطِ، تَخْطَفُهُ وَتَعُوقُهُ عَنِ الْمُرُورِ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَثُرَتْ هُنَا وَقَوِيَتْ فَكَذَلِكَ هِيَ هُنَاكَ {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] .
فَسُؤَالُ الْهِدَايَةِ مُتَضَمِّنٌ لِحُصُولِ كُلِّ خَيْرٍ، وَالسَّلَامَةِ مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
الْمَوْضِعُ السَّابِعُ: مِنْ مَعْرِفَةِ نَفْسِ الْمَسْئُولِ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ وَلَا تَكُونُ الطَّرِيقُ صِرَاطًا حَتَّى تَتَضَمَّنَ خَمْسَةَ أُمُورٍ: الِاسْتِقَامَةَ، وَالْإِيصَالَ إِلَى الْمَقْصُودِ، وَالْقُرْبَ، وَسَعَتَهُ لِلْمَارِّينَ عَلَيْهِ، وَتَعَيُّنَهُ طَرِيقًا لِلْمَقْصُودِ، وَلَا يَخْفَى تَضَمُّنُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ لِهَذِهِ الْأُمُورِ الْخَمْسَةِ.
فَوَصْفُهُ بِالِاسْتِقَامَةِ يَتَضَمَّنُ قُرْبَهُ، لِأَنَّ الْخَطَّ الْمُسْتَقِيمَ هُوَ أَقْرَبُ خَطٍّ فَاصِلٍ بَيْنَ نُقْطَتَيْنِ، وَكُلَّمَا تَعَوَّجَ طَالَ وَبَعُدَ، وَاسْتِقَامَتُهُ تَتَضَمَّنُ إِيصَالَهُ إِلَى الْمَقْصُودِ، وَنَصْبُهُ لِجَمِيعِ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ يَسْتَلْزِمُ سَعَتَهُ، وَإِضَافَتُهُ إِلَى الْمُنْعَمِ عَلَيْهِمْ وَوَصْفُهُ بِمُخَالَفَةِ صِرَاطِ أَهْلِ الْغَضَبِ وَالضَّلَالِ يَسْتَلْزِمُ تَعَيُّنَهُ طَرِيقًا.
وَالصِّرَاطُ تَارَةً يُضَافُ إِلَى اللَّهِ، إِذْ هُوَ الَّذِي شَرَعَهُ وَنَصَبَهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} [الأنعام: 153] وَقَولِهِ {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ} [الشورى: 52] وَتَارَةً يُضَافُ إِلَى الْعِبَادِ كَمَا فِي الْفَاتِحَةِ، لِكَوْنِهِمْ أَهْلَ سُلُوكِهِ، وَهُوَ الْمَنْسُوبُ لَهُمْ، وَهُمُ الْمَارُّونَ عَلَيْهِ.
الْمَوْضِعُ الثَّامِنُ: مِنْ ذِكْرِ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِمْ، وَتَمْيِيزِهِمْ عَنْ طَائِفَتَيِ الْغَضَبِ وَالضَّلَالِ.
فَانْقَسَمَ النَّاسُ بِحَسَبِ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَالْعَمَلِ بِهِ إِلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ، لِأَنَّ الْعَبْدَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْحَقِّ، وَإِمَّا جَاهِلًا بِهِ، وَالْعَالِمُ بِالْحَقِّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَامِلًا بِمُوجَبِهِ أَوْ مُخَالِفًا لَهُ، فَهَذِهِ أَقْسَامُ الْمُكَلَّفِينَ لَا يَخْرُجُونَ عَنْهَا الْبَتَّةَ، فَالْعَالِمُ بِالْحَقِّ الْعَامِلُ بِهِ هُوَ الْمُنْعَمُ عَلَيْهِ، وَهُوَ الَّذِي زَكَّى نَفْسَهُ بِالْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَهُوَ الْمُفْلِحُ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9] وَالْعَالِمُ بِهِ الْمُتَّبِعُ هَوَاهُ هُوَ الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِ، وَالْجَاهِلُ بِالْحَقِّ هُوَ الضَّالُّ، وَالْمَغْضُوبُ عَلَيْهِ ضَالٌّ عَنْ هِدَايَةِ الْعَمَلِ، وَالضَّالُّ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِ لِضَلَالِهِ عَنِ الْعِلْمِ الْمُوجِبِ لِلْعَمَلِ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا ضَالٌّ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّ تَارِكَ الْعَمَلِ بِالْحَقِّ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِهِ أَوْلَى بِوَصْفِ الْغَضَبِ وَأَحَقُّ بِهِ، وَمِنْ هُنَا كَانَ الْيَهُودُ أَحَقَّ بِهِ، وَهُوَ مُتَغَلِّظٌ فِي حَقِّهِمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي حَقِّهِمْ {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} [البقرة: 90] وَقَالَ تَعَالَى {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 60] وَالْجَاهِلُ بِالْحَقِّ أَحَقُّ بِاسْمِ الضَّلَالِ، وَمِنْ هُنَا وُصِفَتِ النَّصَارَى بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 77]



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
العابد




عدد المساهمات : 56600
تاريخ التسجيل : 16/10/2011

مع إبن القيم  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: مع إبن القيم    مع إبن القيم  - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء 25 أكتوبر 2016 - 11:14




فَالْأُولَى فِي سِيَاقِ الْخِطَابِ مَعَ الْيَهُودِ، وَالثَّانِيَةُ فِي سِيَاقِهِ مَعَ النَّصَارَى، وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَصَحِيحِ ابْنِ حَبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْيَهُودُ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ، وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ» .
فَفِي ذِكْرِ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِمْ وَهُمْ مَنْ عَرَفَ الْحَقَّ وَاتَّبَعَهُ وَالْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَهُمْ مَنْ عَرَفَهُ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَالضَّالِّينَ وَهُمْ مَنْ جَهِلَهُ مَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ، لِأَنَّ انْقِسَامَ النَّاسِ إِلَى ذَلِكَ هُوَ الْوَاقِعُ الْمَشْهُودُ، وَهَذِهِ الْقِسْمَةُ إِنَّمَا أَوْجَبَهَا ثُبُوتُ الرِّسَالَةِ.
وَأَضَافَ النِّعْمَةَ إِلَيْهِ، وَحَذَفَ فَاعِلَ الْغَضَبِ لِوُجُوهٍ:
مِنْهَا: أَنَّ النِّعْمَةَ هِيَ الْخَيْرُ وَالْفَضْلُ، وَالْغَضَبَ مِنْ بَابِ الِانْتِقَامِ وَالْعَدْلِ، وَالرَّحْمَةَ تَغْلِبُ الْغَضَبَ، فَأَضَافَ إِلَى نَفْسِهِ أَكْمَلَ الْأَمْرَيْنِ، وَأَسْبَقَهُمَا وَأَقْوَاهُمَا، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقُرْآنِ فِي إِسْنَادِ الْخَيْرَاتِ وَالنِّعَمِ إِلَيْهِ، وَحَذْفِ الْفَاعِلِ فِي مُقَابَلَتِهِمَا، كَقَوْلِ مُؤْمِنِي الْجِنِّ {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن: 10] وَمِنْهُ قَوْلُ الْخَضِرِ فِي شَأْنِ الْجِدَارِ وَالْيَتِيمَيْنِ {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا} [الكهف: 82] وَقَالَ فِي خَرْقِ السَّفِينَةِ {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف: 79] ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف: 82] وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] وَقَوْلَهُ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3] وَقَوْلَهُ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] ثُمَّ قَالَ {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] .
وَفِي تَخْصِيصِهِ لِأَهْلِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ بِالنِّعْمَةِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ النِّعْمَةَ الْمُطْلَقَةَ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِلْفَلَاحِ الدَّائِمِ، وَأَمَّا مُطْلَقُ النِّعْمَةِ فَعَلَى الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، فَكُلُّ الْخَلْقِ فِي نِعْمَةٍ، وَهَذَا فَصْلُ النِّزَاعِ فِي مَسْأَلَةِ: هَلْ لِلَّهِ عَلَى الْكَافِرِ مِنْ نِعْمَةٍ أَمْ لَا؟ .
فَالنِّعْمَةُ الْمُطْلَقَةُ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ، وَمُطْلَقُ النِّعْمَةِ تَكُونُ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34] .
وَالنِّعْمَةُ مِنْ جِنْسِ الْإِحْسَانِ، بَلْ هِيَ الْإِحْسَانُ، وَالرَّبُّ تَعَالَى إِحْسَانُهُ عَلَى الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، وَالْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ.
وَأَمَّا الْإِحْسَانُ الْمُطْلَقُ فَلِلَّذِينِ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالنِّعَمِ {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53] فَأُضِيفَ إِلَيْهِ مَا هُوَ مُنْفَرِدٌ بِهِ، وَإِنْ أُضِيفَ إِلَى غَيْرِهِ فَلِكَوْنِهِ طَرِيقًا وَمَجْرًى لِلنِّعْمَةِ، وَأَمَّا الْغَضَبُ عَلَى أَعْدَائِهِ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ تَعَالَى، بَلْ مَلَائِكَتُهُ وَأَنْبِيَاؤُهُ وَرُسُلُهُ وَأَوْلِيَاؤُهُ يَغْضَبُونَ لِغَضَبِهِ، فَكَانَ فِي لَفْظَةِ " {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] " بِمُوَافَقَةِ أَوْلِيَائِهِ لَهُ مِنَ الدِّلَالَةِ عَلَى تَفَرُّدِهِ بِالْإِنْعَامِ، وَأَنَّ النِّعْمَةَ الْمُطْلَقَةَ مِنْهُ وَحْدَهُ، هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِهَا مَا لَيْسَ فِي لَفْظَةِ " الْمُنْعَمِ عَلَيْهِمْ ".
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ فِي حَذْفِ فَاعِلِ الْغَضَبِ مِنَ الْإِشْعَارِ بِإِهَانَةِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِ، وَتَحْقِيرِهِ وَتَصْغِيرِ شَأْنِهِ مَا لَيْسَ فِي ذِكْرِ فَاعِلِ النِّعْمَةِ مِنْ إِكْرَامِ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ وَالْإِشَادَةِ بِذِكْرِهِ، وَرَفْعِ قَدْرِهِ مَا لَيْسَ فِي حَذْفِهِ، فَإِذَا رَأَيْتَ مَنْ قَدْ أَكْرَمَهُ مَلِكٌ وَشَرَّفَهُ وَرَفَعَ قَدْرَهُ، فَقُلْتَ: هَذَا الَّذِي أَكْرَمَهُ السُّلْطَانُ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مَا تَمَنَّاهُ، كَانَ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ وَالتَّعْظِيمِ مِنْ قَوْلِكَ: هَذَا الَّذِي أُكْرِمَ وَخُلِعَ عَلَيْهِ وَشُرِّفَ وَأُعْطِيَ.
وَتَأَمَّلْ سِرًّا بَدِيعًا فِي ذِكْرِ السَّبَبِ وَالْجَزَاءِ لِلطَّوَائِفِ الثَّلَاثَةِ بِأَوْجَزِ لَفْظٍ وَأَخْصَرِهِ، فَإِنَّ الْإِنْعَامَ عَلَيْهِمْ يَتَضَمَّنُ إِنْعَامَهُ بِالْهِدَايَةِ الَّتِي هِيَ الْعِلْمُ النَّافِعُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَهِيَ الْهُدَى وَدِينُ الْحَقِّ، وَيَتَضَمَّنُ كَمَالَ الْإِنْعَامِ بِحُسْنِ الثَّوَابِ وَالْجَزَاءِ، فَهَذَا تَمَامُ النِّعْمَةِ، وَلَفْظُ " {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] " يَتَضَمَّنُ الْأَمْرَيْنِ.
وَذِكْرُ غَضَبِهِ عَلَى الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ يَتَضَمَّنُ أيْضًا أَمْرَيْنِ: الْجَزَاءُ بِالْغَضَبِ الَّذِي مُوجَبُهُ غَايَةُ الْعَذَابِ وَالْهَوَانِ، وَالسَّبَبُ الَّذِي اسْتَحَقُّوا بِهِ غَضَبَهُ سُبْحَانَهُ، فَإِنَّهُ أَرْحَمُ وَأَرْأَفُ
مِنْ أَنْ يَغْضَبَ بِلَا جِنَايَةٍ مِنْهُمْ وَلَا ضَلَالٍ، فَكَأَنَّ الْغَضَبَ عَلَيْهِمْ مُسْتَلْزِمٌ لِضَلَالِهِمْ، وَذِكْرُ الضَّالِّينَ مُسْتَلْزِمٌ لِغَضَبِهِ عَلَيْهِمْ وَعِقَابِهِ لَهُمْ، فَإِنَّ مَنْ ضَلَّ اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ الَّتِي هِيَ مُوجَبُ ضَلَالِهِ وَغَضَبِ اللَّهُ عَلَيْهِ.
فَاسْتَلْزَمَ وَصْفَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الطَّوَائِفِ الثَّلَاثِ لِلسَّبَبِ وَالْجَزَاءِ أَبْيَنَ اسْتِلْزَامٍ، وَاقْتَضَاهُ أَكْمَلَ اقْتِضَاءٍ فِي غَايَةِ الْإِيجَازِ وَالْبَيَانِ وَالْفَصَاحَةِ، مَعَ ذِكْرِ الْفَاعِلِ فِي أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَحَذْفِهِ فِي أَهْلِ الْغَضَبِ، وَإِسْنَادِ الْفِعْلِ إِلَى السَّبَبِ فِي أَهْلِ الضَّلَالِ.
وَتَأَمَّلِ الْمُقَابَلَةَ بَيْنَ الْهِدَايَةِ وَالنِّعْمَةِ، وَالْغَضَبِ وَالضَّلَالِ، فَذِكْرُ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَالضَّالِّينَ فِي مُقَابَلَةِ الْمُهْتَدِينَ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ، يَقْرِنُ بَيْنَ الضَّلَالِ وَالشَّقَاءِ، وَبَيْنَ الْهُدَى وَالْفَلَاحِ، فَالثَّانِي كَقَوْلِهِ {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 5] وَقَوْلِهِ {أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82] وَالْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} [القمر: 47] وَقَوْلِهِ {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 7] وَقَدْ جَمَعَ سُبْحَانَهُ بَيْنَ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ فِي قَوْلِهِ {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه: 123] فَهَذَا الْهُدَى وَالسَّعَادَةُ، ثُمَّ قَالَ {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: 124] فَذَكَرَ الضَّلَالَ وَالشَّقَاءَ.
فَالْهُدَى وَالسَّعَادَةُ مُتَلَازِمَانِ، وَالضَّلَالُ وَالشَّقَاءُ مُتَلَازِمَانِ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
العابد




عدد المساهمات : 56600
تاريخ التسجيل : 16/10/2011

مع إبن القيم  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: مع إبن القيم    مع إبن القيم  - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء 25 أكتوبر 2016 - 11:14





[فَصْلٌ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ]
فَصْلٌ
وَذَكَرَ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ مُفْرَدًا مُعَرَّفًا تَعْرِيفَيْنِ: تَعْرِيفًا بِاللَّامِ، وَتَعْرِيفًا بِالْإِضَافَةِ، وَذَلِكَ يُفِيدُ تَعَيُّنَهُ وَاخْتِصَاصَهُ، وَأَنَّهُ صِرَاطٌ وَاحِدٌ، وَأَمَّا طُرُقُ أَهْلِ الْغَضَبِ وَالضَّلَالِ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَجْمَعُهَا وَيُفْرِدُهَا، كَقَوْلِهِ {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153] فَوَحَّدَ لَفْظَ الصِّرَاطِ وَسَبِيلِهِ، وَجَمَعَ السُّبُلَ الْمُخَالِفَةَ لَهُ،
«وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا، وَقَالَ: هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ، وَقَالَ: هَذِهِ سُبُلٌ، عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153] » وَهَذَا لِأَنَّ الطَّرِيقَ الْمُوَّصِلَ إِلَى اللَّهِ وَاحِدٌ، وَهُوَ مَا بَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ، لَا يَصِلُ إِلَيْهِ أَحَدٌ إِلَّا مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ، وَلَوْ أَتَى النَّاسُ مِنْ كُلِّ طَرِيقٍ، وَاسْتَفْتَحُوا مِنْ كُلِّ بَابٍ، فَالطُّرُقُ عَلَيْهِمْ مَسْدُودَةٌ، وَالْأَبْوَابُ عَلَيْهِمْ مُغَلَّقَةٌ إِلَّا مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ الْوَاحِدِ، فَإِنَّهُ مُتَّصِلٌ بِاللَّهِ، مُوَصِّلٌ إِلَى اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} [الحجر: 41] قَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ صِرَاطٌ إِلَيَّ مُسْتَقِيمٌ، وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ: أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ مِنْ بَابِ إِقَامَةِ الْأَدَوَاتِ بَعْضِهَا مَقَامَ بَعْضٍ، فَقَامَتْ أَدَاةُ " عَلَى " مَقَامَ " إِلَى "، وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ التَّفْسِيرَ عَلَى الْمَعْنَى، وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِطَرِيقِ السَّلَفِ، أَيْ صِرَاطٌ مُوَّصِلٌ إِلَيَّ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْحَقُّ يَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ، وَعَلَيْهِ طَرِيقُهُ، لَا يُعَرَّجُ عَلَى شَيْءٍ، وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِ
الْحَسَنِ وَأَبْيَنُ مِنْهُ، وَهُوَ مِنْ أَصَحِّ مَا قِيلَ فِي الْآيَةِ، وَقِيلَ: عَلَيَّ فِيهِ لِلْوُجُوبِ، أَيْ عَلَيَّ بَيَانُهُ وَتَعْرِيفُهُ وَالدِّلَالَةُ عَلَيْهِ، وَالْقَوْلَانِ نَظِيرُ الْقَوْلَيْنِ فِي آيَةِ النَّحْلِ، وَهِيَ {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} [النحل: 9] وَالصَّحِيحُ فِيهَا كَالصَّحِيحِ فِي آيَةِ الْحِجْرِ: أَنَّ السَّبِيلَ الْقَاصِدَ وَهُوَ الْمُسْتَقِيمُ الْمُعْتَدِلُ يَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ، وَيُوَصِّلُ إِلَيْهِ، قَالَ طُفَيْلٌ الْغَنَوِيُّ:
مَضَوْا سَلَفًا قَصْدُ السَّبِيلِ عَلَيْهِمُ ... وَصَرْفُ الْمَنَايَا بِالرِّجَالِ تُشَقْلَبُ
أَيْ مَمَرُّنَا عَلَيْهِمْ، وَإِلَيْهِمْ وُصُولُنَا، وَقَالَ الْآخَرُ:
فَهُنَّ الْمَنَايَا أَيُّ وَادٍ سَلَكْتُهُ ... عَلَيْهَا طَرِيقِي أَوْ عَلَيَّ طَرِيقُهَا
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ أُرِيدَ هَذَا الْمَعْنَى لَكَانَ الْأَلْيَقُ بِهِ أَدَاةَ إِلَى الَّتِي هِيَ لِلِانْتِهَاءِ، لَا أَدَاةَ عَلَى الَّتِي هِيَ لِلْوُجُوبِ، ألَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ الْوُصُولَ قَالَ {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية: 25] وَقَالَ {إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} [يونس: 70] وَقَالَ {ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ} [الأنعام: 108] وَقَالَ لَمَّا أَرَادَ الْوُجُوبَ {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية: 26] وَقَالَ {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 17] وَقَالَ {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] وَنَظَائِرُ ذَلِكَ.
قِيلَ: فِي أَدَاةِ عَلَى سِرٌّ لَطِيفٌ، وَهُوَ الْإِشْعَارُ بِكَوْنِ السَّالِكِ عَلَى هَذَا الصِّرَاطِ عَلَى هُدًى، وَهُوَ حَقٌّ، كَمَا قَالَ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة: 5] وَقَالَ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} [النمل: 79] وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الْحَقُّ، وَصِرَاطُهُ حقٌّ، وَدِينُهُ حَقٌ، فَمَنِ اسْتَقَامَ عَلَى صِرَاطِهِ فَهُوَ عَلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى، فَكَانَ فِي أَدَاةِ " عَلَى " عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَا لَيْسَ فِي أَدَاةِ إِلَى فَتَأَمَّلْهُ، فَإِنَّهُ سِرٌّ بَدِيعٌ.
فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا الْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِ عَلَى فِي ذَلِكَ أَيْضًا؟ وَكَيْفَ يَكُونُ الْمُؤْمِنُ مُسْتَعْلِيًا عَلَى الْحَقِّ، وَعَلَى الْهُدَى؟ .


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
العابد




عدد المساهمات : 56600
تاريخ التسجيل : 16/10/2011

مع إبن القيم  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: مع إبن القيم    مع إبن القيم  - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء 25 أكتوبر 2016 - 11:15



قُلْتُ: لِمَا فِيهِ مِنِ اسْتِعْلَائِهِ وَعُلُوِّهِ بِالْحَقِّ وَالْهُدَى، مَعَ ثَبَاتِهِ عَلَيْهِ، وَاسْتِقَامَتِهِ إِلَيْهِ، فَكَانَ فِي الْإِتْيَانِ بِأَدَاةِ " عَلَى " مَا يَدُلُّ عَلَى عُلُوِّهِ وَثُبُوتِهِ وَاسْتِقَامَتِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الضَّلَالِ وَالرَّيْبِ، فَإِنَّهُ يُؤْتَى فِيهِ بِأَدَاةِ " فِي " الدَّالَّةِ عَلَى انْغِمَاسِ صَاحِبِهِ، وَانْقِمَاعِهِ وَتَدَسُّسِهِ فِيهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} [التوبة: 45] وَقَوْلِهِ {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ} [الأنعام: 39] وَقَوْلِهِ {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ} [المؤمنون: 54] وَقَوْلِهِ {وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} [هود: 110] .
وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ تَعَالَى {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [سبأ: 24] فَإِنَّ طَرِيقَ الْحَقِّ تَأْخُذُ عُلُوًّا صَاعِدَةً بِصَاحِبِهَا إِلَى الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ، وَطَرِيقَ الضَّلَالِ تَأْخُذُ سُفْلًا، هَاوِيَةً بِسَالِكِهَا فِي أَسْفَلِ سَافِلِينَ.
وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى {قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} [الحجر: 41] قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْكِسَائِيِّ إِنَّهُ عَلَى التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ، نَظِيرُ قَوْلِهِ {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 14] كَمَا قَالَ: تَقُولُ طَرِيقُكَ عَلَيَّ، وَمَمَرُّكَ عَلَيَّ، لِمَنْ تُرِيدُ إِعْلَامَهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ فَائِتٍ لَكَ، وَلَا مُعْجِزٍ، وَالسِّيَاقُ يَأْبَى هَذَا، وَلَا يُنَاسِبُهُ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ، فَإِنَّهُ قَالَهُ مُجِيبًا لِإِبْلِيسَ الَّذِي قَالَ {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص: 82] فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ لِي إِلَى إِغْوَائِهِمْ، وَلَا طَرِيقَ لِي عَلَيْهِمْ.
فَقَرَّرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ أَتَمَّ التَّقْرِيرِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ الْإِخْلَاصَ صِرَاطٌ عَلَيْهِ مُسْتَقِيمٌ، فَلَا سُلْطَانَ لَكَ عَلَى عِبَادِي الَّذِينَ هُمْ عَلَى هَذَا الصِّرَاطِ، لِأَنَّهُ صِرَاطٌ عَلَيَّ، وَلَا سَبِيلَ لِإِبْلِيسَ إِلَى هَذَا الصِّرَاطِ، وَلَا الْحَوْمِ حَوْلَ سَاحَتِهِ، فَإِنَّهُ مَحْرُوسٌ مَحْفُوظٌ بِاللَّهِ، فَلَا يَصِلُ عَدُوُّ اللَّهِ إِلَى أَهْلِهِ.
فَلْيَتَأَمَّلِ الْعَارِفُ هَذَا الْمَوْضِعَ حَقَّ التَّأَمُّلِ، وَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَيُوَازِنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ، أَيُّهُمَا أَلْيَقُ بِالْآيَتَيْنِ، وَأَقْرَبُ إِلَى مَقْصُودِ الْقُرْآنِ وَأَقْوَالِ السَّلَفِ؟ .
وَأَمَّا تَشْبِيهُ الْكِسَائِيِّ لَهُ بِقَوْلِهِ {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 14] فَلَا يَخْفَى الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا سِيَاقًا وَدِلَالَةً، فَتَأَمَّلْهُ، وَلَا يُقَالُ فِي التَّهْدِيدِ: هَذَا طَرِيقٌ مُسْتَقِيمٌ عَلَيَّ، لِمَنْ لَا يَسْلُكُهُ، وَلَيْسَتْ سَبِيلُ الْمُهَدَّدِ مُسْتَقِيمَةً، فَهُوَ غَيْرُ مُهَدَّدٍ بِصِرَاطِ اللَّهِ الْمُسْتَقِيمِ، وَسَبِيلُهُ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا لَيْسَتْ مُسْتَقِيمَةً عَلَى اللَّهِ، فَلَا يَسْتَقِيمُ هَذَا الْقَوْلُ الْبَتَّةَ.
وَأَمَّا مَنْ فَسَّرَهُ بِالْوُجُوبِ، أَيْ عَلَيَّ بَيَانُ اسْتِقَامَتِهِ وَالدِّلَالَةُ عَلَيْهِ، فَالْمَعْنَى صَحِيحٌ، لَكِنْ فِي كَوْنِهِ هُوَ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ حَذْفٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الدِّلَالَةِ، وَلَمْ يُؤَلَّفِ الْحَذْفُ الْمَذْكُورُ لِيَكُونَ مَدْلُولًا عَلَيْهِ إِذَا حُذِفَ، بِخِلَافِ عَامِلِ الظَّرْفِ إِذَا وَقَعَ صِفَةً فَإِنَّهُ حَذْفٌ مَأْلُوفٌ مَعْرُوفٌ، حَتَّى إِنَّهُ لَا يُذْكَرُ الْبَتَّةَ، فَإِذَا قُلْتَ: لَهُ دِرْهَمٌ عَلَيَّ، كَانَ الْحَذْفُ مَعْرُوفًا مَأْلُوفًا، فَلَوْ أَرَدْتَ: عَلَيَّ نَقْدُهُ، أَوْ عَلَيَّ وَزْنُهُ وَحِفْظُهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ وَحَذَفْتَ لَمْ يَسُغْ، وَهُوَ نَظِيرُ: عَلَيَّ بَيَانُهُ الْمُقَدَّرِ فِي الْآيَةِ، مَعَ أَنَّ الَّذِي قَالَهُ السَّلَفُ أَلْيَقُ بِالسِّيَاقِ، وَأَجَلُّ الْمَعْنَيَيْنِ وَأَكْبَرُهُمَا.
وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ تَقِيَّ الدِّينِ أَحْمَدَ ابْنِ تَيْمِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: وَهُمَا نَظِيرُ

قَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى} [الليل: 12] قَالَ: فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ مَوَاضِعَ فِي الْقُرْآنِ فِي هَذَا الْمَعْنَى.
قُلْتُ: وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ لَمْ يَذْكُرْ فِي سُورَةِ " {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] " إِلَّا مَعْنَى الْوُجُوبِ، أَيْ عَلَيْنَا بَيَانُ الْهُدَى مِنَ الضَّلَالِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي سُورَةِ النَّحْلِ إِلَّا هَذَا الْمَعْنَى كَالْبَغَوِيِّ، وَذَكَرَ فِي الْحِجْرِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ، وَذَكَرَ الْوَاحِدِيُّ فِي بَسِيطِهِ الْمَعْنَيَيْنِ فِي سُورَةِ النَّحْلِ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا قَوْلَ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ فِي السُّوَرِ الثَّلَاثِ










الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
العابد




عدد المساهمات : 56600
تاريخ التسجيل : 16/10/2011

مع إبن القيم  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: مع إبن القيم    مع إبن القيم  - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء 25 أكتوبر 2016 - 11:19

[فَصْلٌ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ صِرَاطُ اللَّهِ]
فَصْلٌ
وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ: هُوَ صِرَاطُ اللَّهِ، وَهُوَ يُخْبِرُ أَنَّ الصِّرَاطَ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَيُخْبِرُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَهَذَا فِي مَوْضِعَيْنِ مِنَ الْقُرْآنِ: فِي هُودٍ، وَالنَّحْلِ، قَالَ فِي هُودٍ {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود: 56] وَقَالَ فِي النَّحْلِ {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النحل: 76]
فَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْأَصْنَامِ الَّتِي لَا تَسْمَعُ، وَلَا تَنْطِقُ وَلَا تَعْقِلُ، وَهِيَ كَلٌّ عَلَى عَابِدِهَا، يَحْتَاجُ الصَّنَمُ إِلَى أَنْ يَحْمِلَهُ عَابِدُهُ، وَيَضَعَهُ وَيُقِيمَهُ وَيَخْدِمَهُ، فَكَيْفَ يُسَوُّونَهُ فِي الْعَادَةِ بِاللَّهِ الَّذِي يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالتَّوْحِيدِ؟ وَهُوَ قَادِرٌ مُتَكَلِّمٌ، غَنِيٌّ، وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ فِي قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ، فَقَوْلُهُ صِدْقٌ وَرُشْدٌ وَنُصْحٌ وَهُدًى، وَفِعْلُهُ حِكْمَةٌ وَعَدْلٌ وَرَحْمَةٌ وَمَصْلَحَةٌ، هَذَا أَصَحُّ الْأَقْوَالِ فِي الْآيَةِ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَذْكُرْ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ غَيْرَهُ، وَمَنْ ذَكَرَ غَيْرَهُ قَدَّمَهُ عَلَى الْأَقْوَالِ، ثُمَّ حَكَاهَا بَعْدَهُ كَمَا فَعَلَ الْبَغْوِيُّ، فَإِنَّهُ جَزَمَ بِهِ، وَجَعَلَهُ تَفْسِيرَ الْآيَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يَدُلُّكُمْ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.
قُلْتُ: وَدِلَالَتُهُ لَنَا عَلَى الصِّرَاطِ هِيَ مِنْ مُوجَبِ كَوْنِهِ سُبْحَانَهُ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، فَإِنَّ دِلَالَتَهُ بِفِعْلِهِ وَقَوْلِهِ، وَهُوَ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ فِي أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ، فَلَا يُنَاقِضُ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ.
قَالَ: وَقِيلَ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ، وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.
قُلْتُ: وَهَذَا حَقٌّ لَا يُنَاقِضُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، فَالَلَّهُ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَرَسُولُهُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يَأْمُرُ وَلَا يَفْعَلُ إِلَّا مُقْتَضَاهُ وَمُوجَبَهُ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمَثَلُ مَضْرُوبًا لِإِمَامِ الْكُفَّارِ وَهَادِيهِمْ، وَهُوَ الصَّنَمُ الَّذِي هُوَ أَبْكَمُ، لَا يَقْدِرُ عَلَى هُدًى وَلَا خَيْرٍ، وَلِإِمَامِ الْأَبْرَارِ، وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ، وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.
وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: يَكُونُ مَضْرُوبًا لِمَعْبُودِ الْكُفَّارِ وَمَعْبُودِ الْأَبْرَارِ، وَالْقَوْلَانِ مُتَلَازِمَانِ، فَبَعْضُهُمْ ذَكَرَ هَذَا، وَبَعْضُهُمْ ذَكَرَ هَذَا، وَكِلَاهُمَا مُرَادٌ مِنَ الْآيَةِ، قَالَ، وَقِيلَ: كِلَاهُمَا لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، يَرْوِيهِ عَطِيَّةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ عَطَاءٌ: الْأَبْكَمُ
أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ: حَمْزَةُ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ.
قُلْتُ: وَالْآيَةُ تَحْتَمِلُهُ، وَلَا يُنَاقِضُ الْقَوْلَيْنِ قَبْلَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَرَسُولَهُ وَأَتِّبَاعَ رَسُولِهِ، وَضِدُّ ذَلِكَ: مَعْبُودُ الْكُفَّارِ وَهَادِيهِمْ، وَالْكَافِرُ التَّابِعُ وَالْمَتْبُوعُ وَالْمَعْبُودُ، فَيَكُونُ بَعْضُ السَّلَفِ ذَكَرَ أَعْلَى الْأَنْوَاعِ، وَبَعْضُهُمْ ذَكَرَ الْهَادِيَ، وَبَعْضُهُمْ ذَكَرَ الْمُسْتَجِيبَ الْقَابِلَ، وَتَكُونُ الْآيَةُ مُتَنَاوِلَةً لِذَلِكَ كُلِّهِ، وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ.
وَأَمَّا آيَةُ هُودٍ: فَصَرِيحَةٌ لَا تَحْتَمِلُ إِلَّا مَعْنًى وَاحِدًا، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَهُوَ سُبْحَانُهُ أَحَقُّ مَنْ كَانَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، فَإِنَّ أَقْوَالَهُ كُلَّهَا صِدْقٌ وَرُشْدٌ وَهُدًى وَعَدْلٌ وَحِكْمَةٌ {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام: 115] وَأَفْعَالُهُ كُلُّهَا مَصَالِحُ وَحِكَمٌ، وَرَحْمَةٌ وَعَدْلٌ وَخَيْرٌ، فَالشَّرُّ لَا يَدْخُلُ فِي أَفْعَالِ مَنْ هُوَ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، أَوْ أَقْوَالِهِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي أَفْعَالِ مَنْ خَرَجَ عَنْهُ وَفِي أَقْوَالِهِ.
وَفِي دُعَائِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ» وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى تَفْسِيرِ مَنْ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: وَالشَّرُّ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَيْكَ، أَوْ لَا يَصْعَدُ إِلَيْكَ، فَإِنَّ الْمَعْنَى أَجَلُّ مِنْ ذَلِكَ، وَأَكْبَرُ وَأَعْظَمُ قَدْرًا، فَإِنَّ مَنْ أَسْمَاؤُهُ كُلُّهَا حُسْنَى، وَأَوْصَافُهُ كُلُّهَا كَمَالٌ، وَأَفْعَالُهُ كُلُّهَا كَمَالٌ، وَأَقْوَالُهُ كُلُّهَا صِدْقٌ وَعَدْلٌ يَسْتَحِيلُ دُخُولُ الشَّرِّ فِي أَسْمَائِهِ أَوْ أَوْصَافِهِ، أَوْ أَفْعَالِهِ أَوْ أَقْوَالِهِ، فَطَابِقْ بَيْنَ هَذَا الْمَعْنَى وَبَيْنَ قَوْلِهِ {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود: 56] وَتَأَمَّلْ كَيْفَ ذَكَرَ هَذَا عَقِيبَ قَوْلِهِ {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ} [هود: 56] أَيْ هُوَ رَبِّي، فَلَا يُسَّلِمُنِي وَلَا يُضَيِّعُنِي، وَهُوَ رَبُّكُمْ فَلَا يُسَلِّطُكُمْ عَلَيَّ وَلَا يُمَكِّنُكُمْ مِنِّي، فَإِنَّ نَوَاصِيَكُمْ بِيَدِهِ، لَا تَفْعَلُونَ شَيْئًا بِدُونِ مَشِيئَتِهِ، فَإِنَّ نَاصِيَةَ كُلِّ دَابَّةٍ بِيَدِهِ، لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَتَحَرَّكَ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَهُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِيهَا، وَمَعَ هَذَا فَهُوَ فِي تَصَرُّفِهِ فِيهَا وَتَحْرِيكِهِ لَهَا، وَنُفُوذِ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ فِيهَا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، لَا يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِحِكْمَةٍوَعَدْلٍ وَمَصْلَحَةٍ، وَلَوْ سَلَّطَكُمْ عَلَيَّ فَلَهُ مِنَ الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ مَا لَهُ الْحَمْدُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ تَسْلِيطُ مَنْ هُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، لَا يَظْلِمُ وَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا عَبَثًا بِغَيْرِ حِكْمَةٍ.
فَهَكَذَا تَكُونُ الْمَعْرِفَةُ بِاللَّهِ، لَا مَعْرِفَةَ الْقَدَرِيَّةِ الْمَجُوسِيَّةِ، وَالْقَدَرِيَّةِ الْجَبْرِيَّةِ، نُفَاةِ الْحُكْمِ وَالْمَصَالِحِ وَالتَّعْلِيلِ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ سُبْحَانَهُ.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
العابد

العابد


اعلام خاصة : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 56600
تاريخ التسجيل : 16/10/2011
الموقع الموقع : الاسكندرية
المزاج : مشغول

مع إبن القيم  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: مع إبن القيم    مع إبن القيم  - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء 25 أكتوبر 2016 - 11:20



[فَصْلٌ رَفِيقُ طَالِبِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ هُمُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ]
فَصْلٌ
وَلَمَّا كَانَ طَالِبُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ طَالِبَ أَمْرٍ أَكْثَرُ النَّاسِ نَاكِبُونَ عَنْهُ، مُرِيدًا لِسُلُوكِ طَرِيقٍ مُرَافِقُهُ فِيهَا فِي غَايَةِ الْقِلَّةِ وَالْعِزَّةِ، وَالنُّفُوسُ مَجْبُولَةٌ عَلَى وَحْشَةِ التَّفَرُّدِ، وَعَلَى الْأُنْسِ بِالرَّفِيقِ، نَبَّهَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى الرَّفِيقِ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ، وَأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ {أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] فَأَضَافَ الصِّرَاطَ إِلَى الرَّفِيقِ السَّالِكِينَ لَهُ، وَهُمُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، لِيَزُولَ عَنِ الطَّالِبِ لِلْهِدَايَةِ وَسُلُوكِ الصِّرَاطِ وَحْشَةُ تَفَرُّدِهِ عَنْ أَهْلِ زَمَانِهِ وَبَنِي جِنْسِهِ، وَلِيَعْلَمَ أَنَّ رَفِيقَهُ فِي هَذَا الصِّرَاطِ هُمُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَلَا يَكْتَرِثُ بِمُخَالَفَةِ النَّاكِبِينَ عَنْهُ لَهُ، فَإِنَّهُمْ هُمُ الَأَقَلُّونَ قَدْرًا،
وَإِنْ كَانُوا الْأَكْثَرِينَ عَدَدًا، كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: " عَلَيْكَ بِطَرِيقِ الْحَقِّ، وَلَا تَسْتَوْحِشْ لِقِلَّةِ السَّالِكِينَ، وَإِيَّاكَ وَطَرِيقَ الْبَاطِلِ، وَلَا تَغْتَرَّ بِكَثْرَةِ الْهَالِكِينَ "، وَكُلَّمَا اسْتَوْحَشْتَ فِي تَفَرُّدِكَ فَانْظُرْ إِلَى الرَّفِيقِ السَّابِقِ، وَاحْرِصْ عَلَى اللَّحَاقِ بِهِمْ، وَغُضَّ الطَّرْفَ عَمَّنْ سِوَاهُمْ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَإِذَا صَاحُوا بِكَ فِي طَرِيقِ سَيْرِكَ فَلَا تَلْتَفِتْ إِلَيْهِمْ، فَإِنَّكَ مَتَى الْتَفَتَّ إِلَيْهِمْ أَخَذُوكَ وَعَاقُوكَ.
وَقَدْ ضَرَبْتُ لِذَلِكَ مَثَلَيْنِ، فَلْيَكُونَا مِنْكَ عَلَى بَالٍ:
الْمَثَلُ الْأَوَّلُ: رَجُلٌ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى الصَّلَاةِ، لَا يُرِيدُ غَيْرَهَا، فَعَرَضَ لَهُ فِي طَرِيقِهِ شَيْطَانٌ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ، فَأَلْقَى عَلَيْهِ كَلَامًا يُؤْذِيهِ، فَوَقَفَ وَرَدَّ عَلَيْهِ، وَتَمَاسَكَا، فَرُبَّمَا كَانَ شَيْطَانُ الْإِنْسِ أَقْوَى مِنْهُ، فَقَهَرَهُ، وَمَنَعَهُ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى الْمَسْجِدِ، حَتَّى فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ، وَرُبَّمَا كَانَ الرَّجُلُ أَقْوَى مِنْ شَيْطَانِ الْإِنْسِ، وَلَكِنِ اشْتَغَلَ بِمُهَاوَشَتِهِ عَنِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَكَمَالِ إِدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ، فَإِنِ الْتَفَتَ إِلَيْهِ أَطْمَعَهُ فِي نَفْسِهِ، وَرُبَّمَا فَتَرَتْ عَزِيمَتُهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَعْرِفَةٌ وَعِلْمٌ زَادَ فِي السَّعْيِ وَالْجَمْزِ بِقَدْرِ الْتِفَاتِهِ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ أَعْرَضَ عَنْهُ وَاشْتَغَلَ لِمَا هُوَ بِصَدَدِهِ، وَخَافَ فَوْتَ الصَّلَاةِ أَوِ الْوَقْتِ لَمْ يَبْلُغْ عَدُوُّهُ مِنْهُ مَا شَاءَ.
الْمَثَلُ الثَّانِي: الظَّبْيُ أَشَدُّ سَعْيًا مِنَ الْكَلْبِ، وَلَكِنَّهُ إِذَا أَحَسَّ بِهِ الْتَفَتَ إِلَيْهِ فَيَضْعُفُ سَعْيُهُ، فَيُدْرِكُهُ الْكَلْبُ فَيَأْخُذُهُ.
وَالْقَصْدُ: أَنَّ فِي ذِكْرِ هَذَا الرَّفِيقِ مَا يُزِيلُ وَحْشَةَ التَّفَرُّدِ، وَيَحُثُّ عَلَى السَّيْرِ وَالتَّشْمِيرِ لِلَّحَاقِ بِهِمْ.
وَهَذِهِ إِحْدَى الْفَوَائِدِ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ " «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ» " أَيْ أَدْخِلْنِي فِي هَذِهِ الزُّمْرَةِ، وَاجْعَلْنِي رَفِيقًا لَهُمْ وَمَعَهُمْ.
وَالْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ تَوَسُّلٌ إِلَى اللَّهِ بِنِعَمِهِ وَإِحْسَانِهِ إِلَى مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِالْهِدَايَةِ أَيْ قَدْ أَنْعَمْتَ بِالْهِدَايَةِ عَلَى مَنْ هَدَيْتَ، وَكَانَ ذَلِكَ نِعْمَةً مِنْكَ، فَاجْعَلْ لِي نَصِيبًا مِنْ هَذِهِ النِّعْمَةِ، وَاجْعَلْنِي وَاحِدًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِمْ، فَهُوَ تَوَسُّلٌ إِلَى اللَّهِ بِإِحْسَانِهِ.
وَالْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: كَمَا يَقُولُ السَّائِلُ لِلْكَرِيمِ: تَصَدَّقْ عَلَيَّ فِي جُمْلَةِ مَنْ تَصَدَّقْتَ عَلَيْهِمْ، وَعَلِّمْنِي فِي جُمْلَةِ مَنْ عَلَّمْتَهُ، وَأَحْسِنْ إِلَيَّ فِي جُمْلَةِ مَنْ شَمِلْتَهُ بِإِحْسَانِكَ.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
العابد

العابد


اعلام خاصة : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 56600
تاريخ التسجيل : 16/10/2011
الموقع الموقع : الاسكندرية
المزاج : مشغول

مع إبن القيم  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: مع إبن القيم    مع إبن القيم  - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء 25 أكتوبر 2016 - 11:21

[فَصْلٌ اشْتِمَالُ الْفَاتِحَةِ عَلَى أَنْوَاعِ التَّوْحِيدِ]
فَصْلٌ
اشْتِمَالُ الْفَاتِحَةِ عَلَى أَنْوَاعِ التَّوْحِيدِ
فِي اشْتِمَالِ هَذِهِ السُّورَةِ عَلَى أَنْوَاعِ التَّوْحِيدِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي اتَّفَقَتْ عَلَيْهَا الرُّسُلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ.
التَّوْحِيدُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ فِي الْعِلْمِ وَالِاعْتِقَادِ، وَنَوْعٌ فِي الْإِرَادَةِ وَالْقَصْدِ، وَيُسَمَّى الْأَوَّلُ: التَّوْحِيدَ الْعِلْمِيَّ، وَالثَّانِي: التَّوْحِيدَ الْقَصْدِيَّ الْإِرَادِيَّ، لِتَعَلُّقِ الْأَوَّلِ بِالْأَخْبَارِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَالثَّانِي بِالْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ، وَهَذَا الثَّانِي أَيْضًا نَوْعَانِ: تَوْحِيدٌ فِي الرُّبُوبِيَّةِ، وَتَوْحِيدٌ فِي الْإِلَهِيَّةِ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ.
فَأَمَّا تَوْحِيدُ الْعِلْمِ: فَمَدَارُهُ عَلَى إِثْبَاتِ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَعَلَى نَفْيِ التَّشْبِيهِ وَالْمِثَالِ،
وَالتَّنْزِيهِ عَنِ الْعُيُوبِ وَالنَّقَائِصِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا شَيْئَانِ: مُجْمَلٌ، وَمُفَصَّلٌ.
أَمَّا الْمُجْمَلُ: فَإِثْبَاتُ الْحَمْدِ لَهُ سُبْحَانَهُ، وَأَمَّا الْمُفَصَّلُ: فَذِكْرُ صِفَةِ الْإِلَهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ، وَالرَّحْمَةِ وَالْمُلْكِ، وَعَلَى هَذِهِ الْأَرْبَعِ مَدَارُ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.
فَأَمَّا تَضَمُّنُ الْحَمْدِ لِذَلِكَ: فَإِنَّ الْحَمْدَ يَتَضَمَّنُ مَدْحَ الْمَحْمُودِ بِصِفَاتِ كَمَالِهِ، وَنُعُوتِ جَلَالِهِ، مَعَ مَحَبَّتِهِ وَالرِّضَا عَنْهُ، وَالْخُضُوعِ لَهُ، فَلَا يَكُونُ حَامِدًا مَنْ جَحَدَ صِفَاتِ الْمَحْمُودِ، وَلَا مَنْ أَعْرَضَ عَنْ مَحَبَّتِهِ وَالْخُضُوعِ لَهُ، وَكُلَّمَا كَانَتْ صِفَاتُ كَمَالِ الْمَحْمُودِ أَكْثَرَ كَانَ حَمْدُهُ أَكْمَلَ، وَكُلَّمَا نَقَصَ مِنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ نَقَصَ مِنْ حَمْدِهِ بِحَسَبِهَا، وَلِهَذَا كَانَ الْحَمْدُ كُلُّهُ لِلَّهِ حَمْدًا لَا يُحْصِيهِ سِوَاهُ، لِكَمَالِ صِفَاتِهِ وَكَثْرَتِهَا، وَلِأَجْلِ هَذَا لَا يُحْصِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ ثَنَاءً عَلَيْهِ، لِمَا لَهُ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَنُعُوتِ الْجَلَالِ الَّتِي لَا يُحْصِيهَا سِوَاهُ، وَلِهَذَا ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى آلِهَةَ الْكُفَّارِ، وَعَابَهَا بِسَلْبِ أَوْصَافِ الْكَمَالِ عَنْهَا، فَعَابَهَا بِأَنَّهَا لَا تَسْمَعُ وَلَا تُبْصِرُ، وَلَا تَتَكَلَّمُ وَلَا تَهْدِي، وَلَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ، وَهَذِهِ صِفَةُ إِلَهِ الْجَهْمِيَّةِ، الَّتِي عَابَ بِهَا الْأَصْنَامَ، نَسَبُوهَا إِلَيْهِ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ وَالْجَاحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، فَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي مُحَاجَّتِهِ لِأَبِيهِ {يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مريم: 42] فَلَوْ كَانَ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَالْمَثَابَةِ لَقَالَ لَهُ آزَرُ: وَأَنْتَ إِلَهُكَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ، فَكَيْفَ تُنْكِرُ عَلَيَّ؟ لَكِنْ كَانَ مَعَ شِرْكِهِ أَعْرَفَ بِاللَّهِ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ، وَكَذَلِكَ كَفَّارُ قُرَيْشٍ كَانُوا مَعَ شِرْكِهِمْ مُقِرِّينَ بِصِفَاتِ الصَّانِعِ سُبْحَانَهُ وَعُلُوِّهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَقَالَ تَعَالَى {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ} [الأعراف: 148] فَلَوْ كَانَ إِلَهُ الْخَلْقِ سُبْحَانَهُ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا إِنْكَارٌ عَلَيْهِمْ، وَاسْتِدْلَالٌ عَلَى بُطْلَانِ الْإِلَهِيَّةِ بِذَلِكَ.
فَإِنْ قِيلَ: فَاللَّهُ تَعَالَى لَا يُكَلِّمُ عِبَادَهُ.
قِيلَ: بَلَى، قَدْ كَلَّمَهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَهُ اللَّهُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، مِنْهُ إِلَيْهِ بِلَا وَاسِطَةٍ كَمُوسَى، وَمِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ الْمَلَكِيِّ، وَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ، وَكَلَّمَ اللَّهُ سَائِرَ النَّاسِ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ، فَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ كَلَامَهُ الَّذِي بَلَّغَتْهُ رُسُلُهُ عَنْهُ، وَقَالُوا لَهُمْ: هَذَا كَلَامُ اللَّهِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ، وَأَمَرَنَا بِتَبْلِيغِهِ إِلَيْكُمْ، وَمِنْ هَاهُنَا قَالَ السَّلَفُ: مَنْ أَنْكَرَ كَوْنَ اللَّهِ مُتَكَلِمًا فَقَدْ أَنْكَرَ رِسَالَةَ الرُّسُلِ كُلِّهِمْ، لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا تَبْلِيغُ كَلَامِهِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ إِلَى عِبَادِهِ، فَإِذَا انْتَفَى كَلَامُهُ انْتَفَتِ الرِّسَالَةُ، وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ طه عَنِ السَّامِرِيِّ {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا} [طه: 88] وَرَجْعُ الْقَوْلِ: هُوَ التَّكَلُّمُ وَالتَّكْلِيمُ، وَقَالَ تَعَالَى {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النحل: 76] فَجَعَلَ نَفْيَ صِفَةِ الْكَلَامِ مُوجِبًا لِبُطْلَانِ الْإِلَهِيَّةِ، وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ بِالْفِطَرِ وَالْعُقُولِ السَّلِيمَةِ وَالْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ: أَنَّ فَاقِدَ صِفَاتِ الْكَمَالِ لَا يَكُونُ إلَهًا، وَلَا مُدَبِّرًا، وَلَا رَبًّا، بَلْ هُوَ مَذْمُومٌ، مَعِيبٌ نَاقِصٌ، لَيْسَ لَهُ الْحَمْدُ، لَا فِي الْأُولَى، وَلَا فِي الْآخِرَةِ، وَإِنَّمَا الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ لِمَنْ لَهُ صِفَاتُ الْكَمَالِ، وَنُعُوتُ الْجَلَالِ، الَّتِي لِأَجْلِهَا اسْتَحَقَّ الْحَمْدَ، وَلِهَذَا سَمَّى السَّلَفُ كُتُبَهُمُ الَّتِي صَنَّفُوهَا فِي السُّنَّةِ وَإِثْبَاتِ صِفَاتِ الرَّبِّ وَعُلُوِّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَكَلَامِهِ وَتَكْلِيمِهِ تَوْحِيدًا، لِأَنَّ نَفْيَ ذَلِكَ وَإِنْكَارَهُ وَالْكُفْرَ بِهِ إِنْكَارٌ لِلصَّانِعِ وَجَحْدٌ لَهُ، وَإِنَّمَا تَوْحِيدُهُ: إِثْبَاتُ صِفَاتِ كَمَالِهِ، وَتَنْزِيهُهُ عَنِ التَّشْبِيهِ وَالنَّقَائِصِ، فَجَعَلَ الْمُعَطِّلَةُ جَحْدَ الصِّفَاتِ وَتَعْطِيلَ الصَّانِعِ عَنْهَا تَوْحِيدًا، وَجَعَلُوا إِثْبَاتَهَا لِلَّهِ تَشْبِيهًا وَتَجْسِيمًا وَتَرْكِيبًا، فَسَمَّوُا الْبَاطِلَ بِاسْمِ الْحَقِّ، تَرْغِيبًا فِيهِ، وَزُخْرُفًا يُنْفِقُونَهُ بِهِ، وَسَمَّوُا الْحَقَّ بِاسْمِ الْبَاطِلِ تَنْفِيرًا عَنْهُ، وَالنَّاسُ أَكْثَرُهُمْ مَعَ ظَاهِرِ السِّكَّةِ، لَيْسَ لَهُمْ نَقْدُ النُّقَّادِ {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الكهف: 17] وَالْمَحْمُودُ لَا يُحْمَدُ عَلَى الْعَدَمِ وَالسُّكُوتِ الْبَتَّةَ، إِلَّا إِذَا كَانَتْ سَلْبَ عُيُوبٍ وَنَقَائِصَ، تَتَضَمَّنُ إِثْبَاتَ أَضْدَادِهَا مِنَ الْكِمَالَاتِ الْثُبُوتِيَّةِ، وَإِلَّا فَالسَّلْبُ الْمَحْضُ لَا حَمْدَ فِيهِ، وَلَامَدْحَ وَلَا كَمَالَ.
وَكَذَلِكَ حَمْدُهُ لِنَفْسِهِ عَلَى عَدَمِ اتِّخَاذِ الْوَلَدِ الْمُتَضَمِّنِ لِكَمَالِ صَمَدِيَّتِهِ وَغِنَاهُ وَمُلْكِهِ، وَتَعْبِيدِ كُلِّ شَيْءٍ لَهُ، فَاتِّخَاذُ الْوَلَدِ يُنَافِي ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [يونس: 68] .
وَحَمْدُ نَفْسِهِ عَلَى عَدَمِ الشَّرِيكِ، الْمُتَضَمِّنِ تَفَرُّدَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَالْإِلَهِيَّةِ، وَتَوَحُّدَهُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ الَّتِي لَا يُوصَفُ بِهَا غَيْرُهُ، فَيَكُونُ شَرِيكًا لَهُ، فَلَوْ عُدِمَهَا لَكَانَ كُلُّ مَوْجُودٍ أَكْمَلَ مِنْهُ، لِأَنَّ الْمَوْجُودَ أَكْمَلُ مِنَ الْمَعْدُومِ، وَلِهَذَا لَا يَحْمَدُ نَفْسَهُ سُبْحَانَهُ بِعَدَمٍ إِلَّا إِذَا كَانَ مُتَضَمِّنًا لِثُبُوتِ كَمَالٍ، كَمَا حَمِدَ نَفْسَهُ بِكَوْنِهِ لَا يَمُوتُ لِتَضَمُّنِهِ كَمَالَ حَيَاتِهِ، وَحَمِدَ نَفْسَهُ بِكَوْنِهِ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ، لِتَضَمُّنِ ذَلِكَ كَمَالَ قَيُّومِيَّتِهِ، وَحَمِدَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ لَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ، لِكَمَالِ عِلْمِهِ وَإِحَاطَتِهِ، وَحَمِدَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ لَا يَظْلِمُ أَحَدًا، لِكَمَالِ عَدْلِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَحَمِدَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ، لِكَمَالِ عَظَمَتِهِ، يَرَى وَلَا يُدْرَكُ، كَمَا أَنَّهُ يَعْلَمُ وَلَا يُحَاطُ بِهِ عِلْمًا، فَمُجَرَّدُ نَفْيِ الرُّؤْيَةِ لَيْسَ بِكَمَالٍ؛ لِأَنَّ الْعَدَمَ لَا يُرَى، فَلَيْسَ فِي كَوْنِ الشَّيْءِ لَا يُرَى كَمَالٌ الْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا الْكَمَالُ فِي كَوْنِهِ لَا يُحَاطُ بِهِ رُؤْيَةً وَلَا إِدْرَاكًا، لِعَظَمَتِهِ فِي نَفْسِهِ، وَتَعَالِيهِ عَنْ إِدْرَاكِ الْمَخْلُوقِ لَهُ، وَكَذَلِكَ حَمِدَ نَفْسَهُ بِعَدَمِ الْغَفْلَةِ وَالنِّسْيَانِ، لِكَمَالِ عِلْمِهِ.
فَكُلُّ سَلْبٍ فِي الْقُرْآنِ حَمِدَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فَلِمُضَادَّتِهِ لِثُبُوتِ ضِدِّهِ، وَلِتَضَمُّنِهِ كَمَالَ ثُبُوتِ ضِدِّهِ.
فَعَلِمْتُ أَنَّ حَقِيقَةَ الْحَمْدِ تَابِعَةٌ لِثُبُوتِ أَوْصَافِ الْكَمَالِ، وَأَنَّ نَفْيَهَا نَفْيٌ لِحَمْدِهِ، وَنَفْيُ الْحَمْدِ مُسْتَلْزِمٌ لِثُبُوتِ ضِدِّهِ.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
العابد

العابد


اعلام خاصة : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 56600
تاريخ التسجيل : 16/10/2011
الموقع الموقع : الاسكندرية
المزاج : مشغول

مع إبن القيم  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: مع إبن القيم    مع إبن القيم  - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء 25 أكتوبر 2016 - 11:22

[ من مدارج السالكين. لإبن القيم ]
فَصْلٌ
فَهَذِهِ دِلَالَةٌ عَلَى تَوْحِيدِ الْأَسْمَاءِ وَ الصِّفَاتِ :
و َأَمَّا دِلَالَةُ الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ عَلَيْهَا، وَ هِيَ " اللَّهُ، و َالرَّبُّ، وَ الرَّحْمَنُ، وَ الرَّحِيمُ، و َالْمَلِكُ " فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا :
أَنَّ أَسْمَاءَ الرَّبِّ تَبَارَكَ و َتَعَالَى دَالَّةٌ عَلَى صِفَاتِ كَمَالِهِ، فَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ
الصِّفَاتِ، فَهِيَ أَسْمَاءٌ، وَ هِيَ أَوْصَافٌ، وَ بِذَلِكَ كَانَتْ حُسْنَى، إِذْ لَوْ كَانَتْ أَلْفَاظًا لَا مَعَانِيَ فِيهَا لَمْ تَكُنْ حُسْنَى، و َلَا كَانَتْ دَالَّةً عَلَى مَدْحٍ و َلَا كَمَالٍ، و َلَسَاغَ وُقُوعُ أَسْمَاءِ الِانْتِقَامِ و َالْغَضَبِ فِي مَقَامِ الرَّحْمَةِ و َالْإِحْسَانِ، و َبِالْعَكْسِ، فَيُقَال ُ:
اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي، فَاغْفِرْ لِي إِنَّكَ أَنْتَ الْمُنْتَقِمُ، وَ اللَّهُمَّ أَعْطِنِي، فَإِنَّكَ أَنْتَ الضَّارُّ الْمَانِعُ، وَ نَحْوَ ذَلِكَ.
و َنَفْيُ مَعَانِي أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى مِنْ أَعْظَمِ الْإِلْحَادِ فِيهَا، قَالَ تَعَالَى : { و َذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُون َ} [الأعراف: 180] و َلِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَدُلَّ عَلَى مَعَانٍ و َأَوْصَافٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُخْبَرَ عَنْهَا بِمَصَادِرِهَا وَ يُوصَفُ بِهَا، لَكِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِمَصَادِرِهَا، وَ أَثْبَتَهَا لِنَفْسِهِ، وَ أَثْبَتَهَا لَهُ رَسُولُهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } [الذاريات: 58] فَعَلِمَ أَنَّ الْقَوِيَّ مِنْ أَسْمَائِهِ، وَ مَعْنَاهُ الْمَوْصُوفُ بِالْقُوَّةِ، و َكَذَلِكَ قَوْلُهُ : { فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا } [فاطر: 10] فَالْعَزِيزُ مَنْ لَهُ الْعِزَّةُ، فَلَوْلَا ثُبُوتُ الْقُوَّةِ وَ الْعِزَّةِ لَهُ لَمْ يُسَمَّ قَوِيًّا و َلَا عَزِيزًا، و َكَذَلِكَ قَوْلُهُ : { أَنْزَلَهُ بِعِلْمِه ِ} [النساء: 166] ، { فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّه ِ} [هود: 14] ، { و َلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِه ِ} [البقرة: 255] .
و َفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّم :َ «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ، و َلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَ يَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ النَّهَارِ، و َعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ، لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِه ِ» فَأُثْبِتَ الْمَصْدَرُ الَّذِي اشْتُقَّ مِنْهُ اسْمُهُ الْبَصِيرُ.
و َفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ ".»
و َفِي الصَّحِيحِ حَدِيثُ الِاسْتِخَارَةِ : «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسَتُخَيِّرُكَ بِعِلْمِكَ، وَ أَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ» فَهُوَ قَادِرٌ بِقُدْرَةٍ.
و َقَالَ تَعَالَى لِمُوسَى ج { إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي و َبِكَلَامِي } [الأعراف: 144] فَهُوَ مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامٍ.
وَ هُوَ الْعَظِيمُ الَّذِي لَهُ الْعَظَمَةٌ كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ : «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: الْعَظَمَةُ إِزَارِي، وَ الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي» وَ هُوَ الْحَكِيمُ الَّذِي لَهُ الْحُكْمُ { فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِير ِ} [غافر: 12] و َأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِحَيَاةِ اللَّهِ، أَوْ سَمْعِهِ، أَوْ بَصَرِهِ، أَوْ قُوَّتِهِ، أَوْ عِزَّتِهِ أَوْ عَظَمَتِهِ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ، وَ كَانَتْ مُكَفِّرَةً، لِأَنَّ هَذِهِ صِفَاتُ كَمَالِهِ الَّتِي اشْتُقَّتْ مِنْهَا أَسْمَاؤُهُ.
و أَيْضًا لَوْ لَمْ تَكُنْ أَسْمَاؤُهُ مُشْتَمِلَةً عَلَى مَعَانٍ و َصِفَاتٍ لَمْ يَسُغْ أَنْ يُخْبِرَ عَنْهُ بِأَفْعَالِهَا، فَلَا يُقَالُ: يَسْمَعُ وَ يَرَى، وَ يَعْلَمُ و َيَقْدِرُ و َيُرِيدُ، فَإِنَّ ثُبُوتَ أَحْكَامِ الصِّفَاتِ فَرْعُ ثُبُوتِهَا، فَإِذَا انْتَفَى أَصْلُ الصِّفَةِ اسْتَحَالَ ثُبُوتُ حُكْمِهَا.
و أَيْضًا فَلَوْ لَمْ تَكُنْ أَسْمَاؤُهُ ذَوَاتِ مَعَانٍ وَ أَوْصَافٍ لَكَانَتْ جَامِدَةً كَالْأَعْلَامِ الْمَحْضَةِ، الَّتِي لَمْ تُوضَعْ لِمُسَمَّاهَا بِاعْتِبَارِ مَعْنَى قَامَ بِهِ، فَكَانَتْ كُلُّهَا سَوَاءَ، وَ لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ مَدْلُولَاتِهَا، و َهَذَا مُكَابَرَةٌ صَرِيحَةٌ، وَ بُهْتٌ بَيِّنٌ، فَإِنَّ مَنْ جَعَلَ مَعْنَى اسْمِ الْقَدِيرِ هُوَ مَعْنَى اسْمِ السَّمِيعِ الْبَصِيرِ، وَ مَعْنَى اسْمِ التَّوَّابِ هُوَ مَعْنَى اسْمِ الْمُنْتَقِمِ، و َمَعْنَى اسْمِ الْمُعْطِي هُوَ مَعْنَى اسْمِ الْمَانِعِ فَقَدْ كَابَرَ الْعَقْلَ و َاللُّغَةَ وَ الْفِطْرَةَ. فَنَفْيُ مَعَانِي أَسْمَائِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْإِلْحَادِ فِيهَا، و َالْإِلْحَادُ فِيهَا أَنْوَاعٌ هَذَا أَحُدُهَا.
الثَّانِي: تَسْمِيَةُ الْأَوْثَانِ بِهَا، كَمَا يُسَمُّونَهَا آلِهَةً، و َقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَ مُجَاهِدٌ: عَدَلُوا بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ، فَسَمَّوْا بِهَا أَوْثَانَهُمْ، فَزَادُوا و َنَقَصُوا، فَاشْتَقُّوا اللَّاتَ مِنَ اللَّهِ، وَ الْعُزَّى مِنَ الْعَزِيزِ، وَ مَنَاةَ مِنَ الْمَنَّانِ، و َرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف: 180] يَكْذِبُونَ عَلَيْهِ، وَ هَذَا تَفْسِيرٌ بِالْمَعْنَى.
وَ حَقِيقَةُ الْإِلْحَادِ فِيهَا الْعُدُولُ بِهَا عَنِ الصَّوَابِ فِيهَا، وَ إِدْخَالُ مَا لَيْسَ مِنْ مَعَانِيهَا فِيهَا، و َإِخْرَاجُ حَقَائِقِ مَعَانِيهَا عَنْهَا، هَذَا حَقِيقَةُ الْإِلْحَادِ، وَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ، فَفَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْإِلْحَادَ بِالْكَذِبِ، أَوْ هُوَ غَايَةُ الْمُلْحِدِ فِي أَسْمَائِهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ إِذَا أَدْخَلَ فِي مَعَانِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا، و َخَرَجَ بِهَا عَنْ حَقَائِقِهَا، أَوْ بَعْضِهَا، فَقَدْ عَدَلَ بِهَا عَنِ الصَّوَابِ وَ الْحَقِّ، وَ هُوَ حَقِيقَةُ الْإِلْحَادِ.
فَالْإِلْحَادُ إِمَّا بِجَحْدِهَا و َإِنْكَارِهَا، و َإِمَّا بِجَحْدِ مَعَانِيهَا وَ تَعْطِيلِهَا، و َإِمَّا بِتَحْرِيفِهَا عَنِ الصَّوَابِ، و َإِخْرَاجِهَا عَنِ الْحَقِّ بِالتَّأْوِيلَاتِ الْبَاطِلَةِ، و َإِمَّا بِجَعْلِهَا أَسْمَاءً لِهَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ الْمَصْنُوعَاتِ، كَإِلْحَادِ أَهْلِ الِاتِّحَادِ، فَإِنَّهُمْ جَعَلُوهَا أَسْمَاءَ هَذَا الْكَوْنِ، مَحْمُودَهَا وَ مَذْمُومَهَا، حَتَّى قَالَ زَعِيمُهُمْ: و َهُوَ الْمُسَمَّى بِكُلِّ اسْمٍ مَمْدُوحٍ عَقْلًا، و َشَرْعًا وَ عُرْفًا، و َبِكُلِّ اسْمٍ مَذْمُومٍ عَقْلًا و َشَرْعًا و َعُرْفًا، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الْمُلْحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
العابد

العابد


اعلام خاصة : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 56600
تاريخ التسجيل : 16/10/2011
الموقع الموقع : الاسكندرية
المزاج : مشغول

مع إبن القيم  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: مع إبن القيم    مع إبن القيم  - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء 25 أكتوبر 2016 - 11:23




[فصل اسم الله يدل على الصفة بمفردها ويدل على الذات المجردة]
فصل
الأصل الثاني: أن الاسم من أسمائه تبارك وتعالى كما يدل على الذات والصفة التي اشتق منها بالمطابقة، فإنه يدل عليه دلالتين أخريين بالتضمن واللزوم، فيدل على الصفة بمفردها بالتضمن، وكذلك على الذات المجردة عن الصفة، ويدل على الصفة الأخرى باللزوم، فإن اسم السميع يدل على ذات الرب وسمعه بالمطابقة، وعلى الذات وحدها، وعلى السمع وحده بالتضمن، ويدل على اسم الحي وصفة الحياة بالالتزام، وكذلك سائر أسمائه وصفاته، ولكن يتفاوت الناس في معرفة اللزوم وعدمه، ومن هاهنا
يقع اختلافهم في كثير من الأسماء والصفات والأحكام، فإن من علم أن الفعل الاختياري لازم للحياة، وأن السمع والبصر لازم للحياة الكاملة، وأن سائر الكمال من لوازم الحياة الكاملة أثبت من أسماء الرب وصفاته وأفعاله ما ينكره من لم يعرف لزوم ذلك، ولا عرف حقيقة الحياة ولوازمها، وكذلك سائر صفاته.
فإن اسم العظيم له لوازم ينكرها من لم يعرف عظمة الله ولوازمها.
وكذلك اسم العلي، واسم الحكيم وسائر أسمائه، فإن من لوازم اسم العلي العلو المطلق بكل اعتبار، فله العلو المطلق من جميع الوجوه: علو القدر، وعلو القهر، وعلو الذات، فمن جحد علو الذات فقد جحد لوازم اسمه العلي.
وكذلك اسمه الظاهر من لوازمه: أن لا يكون فوقه شيء، كما في الصحيح عن النبي مع إبن القيم  - صفحة 2 Slah " «وأنت الظاهر فليس فوقك شيء» بل هو سبحانه فوق كل شيء، فمن جحد فوقيته سبحانه فقد جحد لوازم اسمه الظاهر، ولا يصح أن يكون الظاهر هو من له فوقية القدر فقط، كما يقال: الذهب فوق الفضة، والجوهر فوق الزجاج; لأن هذه الفوقية تتعلق بالظهور، بل قد يكون المفوق أظهر من الفائق فيها، ولا يصح أن يكون ظهور القهر والغلبة فقط، وإن كان سبحانه ظاهرا بالقهر والغلبة، لمقابلة الاسم ب " الباطن " وهو الذي ليس دونه شيء، كما قابل الأول الذي ليس قبله شيء، ب " الآخر " الذي ليس بعده شيء.
وكذلك اسم " الحكيم " من لوازمه ثبوت الغايات المحمودة المقصودة له بأفعاله، ووضعه الأشياء في موضعها، وإيقاعها على أحسن الوجوه، فإنكار ذلك إنكار لهذا الاسم ولوازمه، وكذلك سائر أسمائه الحسنى.





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
العابد

العابد


اعلام خاصة : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 56600
تاريخ التسجيل : 16/10/2011
الموقع الموقع : الاسكندرية
المزاج : مشغول

مع إبن القيم  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: مع إبن القيم    مع إبن القيم  - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء 25 أكتوبر 2016 - 11:24

[فصل اسم الله يدل على الأسماء الحسنى]
فصل
إذا تقرر هذان الأصلان، فاسم الله دال على جميع الأسماء الحسنى، والصفات
العليا بالدلالات الثلاث، فإنه دال على إلهيته المتضمنة لثبوت صفات الإلهية له مع نفي أضدادها عنه.
وصفات الإلهية: هي صفات الكمال، المنزهة عن التشبيه والمثال، وعن العيوب والنقائص، ولهذا يضيف الله تعالى سائر الأسماء الحسنى إلى هذا الاسم العظيم، كقوله تعالى {ولله الأسماء الحسنى} [الأعراف: 180] ويقال: الرحمن والرحيم، والقدوس، والسلام، والعزيز، والحكيم من أسماء الله، ولا يقال: الله من أسماء الرحمن، ولا من أسماء العزيز، ونحو ذلك.
فعلم أن اسمه الله مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى، دال عليها بالإجمال، والأسماء الحسنى تفصيل وتبيين لصفات الإلهية التي اشتق منها اسم الله، واسم الله دال على كونه مألوها معبودا، تؤلهه الخلائق محبة وتعظيما وخضوعا، وفزعا إليه في الحوائج والنوائب، وذلك مستلزم لكمال ربوبيته ورحمته، المتضمنين لكمال الملك والحمد، وإلهيته وربوبيته ورحمانيته وملكه مستلزم لجميع صفات كماله، إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحي، ولا سميع، ولا بصير، ولا قادر، ولا متكلم، ولا فعال لما يريد، ولا حكيم في أفعاله.
وصفات الجلال والجمال: أخص باسم الله.
وصفات الفعل والقدرة، والتفرد بالضر والنفع، والعطاء والمنع، ونفوذ المشيئة وكمال القوة، وتدبير أمر الخليقة أخص باسم الرب.
وصفات الإحسان، والجود والبر، والحنان والمنة، والرأفة واللطف أخص باسم الرحمن، وكرر إيذانا بثبوت الوصف، وحصول أثره، وتعلقه بمتعلقاته.
فالرحمن الذي الرحمة وصفه، والرحيم الراحم لعباده، ولهذا يقول تعالى {وكان بالمؤمنين رحيما} [الأحزاب: 43] ، {إنه بهم رءوف رحيم} [التوبة: 117] ولم يجئ: رحمن بعباده، ولا رحمن بالمؤمنين، مع ما في اسم الرحمن الذي هو على وزن فعلان من سعة هذا الوصف، وثبوت جميع معناه الموصوف به.
ألا ترى أنهم يقولون: غضبان، للممتلئ غضبا، وندمان وحيران وسكران ولهفان
لمن ملئ بذلك، فبناء فعلان للسعة والشمول، ولهذا يقرن استواءه على العرش بهذا الاسم كثيرا، كقوله تعالى {الرحمن على العرش استوى} [طه: 5] ، {ثم استوى على العرش الرحمن} [الفرقان: 59] فاستوى على عرشه باسم الرحمن، لأن العرش محيط بالمخلوقات قد وسعها، والرحمة محيطة بالخلق واسعة لهم، كما قال تعالى {ورحمتي وسعت كل شيء} [الأعراف: 156] فاستوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات، فلذلك وسعت رحمته كل شيء، وفي الصحيح من حديث أبي هريرة مع إبن القيم  - صفحة 2 Anho قال: قال رسول الله مع إبن القيم  - صفحة 2 Slah «لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده موضوع على العرش إن رحمتي تغلب غضبي» وفي لفظ «فهو عنده على العرش» .
فتأمل اختصاص هذا الكتاب بذكر الرحمة، ووضعه عنده على العرش، وطابق بين ذلك وبين قوله {الرحمن على العرش استوى} [طه: 5] وقوله {ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا} [الفرقان: 59] ينفتح لك باب عظيم من معرفة الرب تبارك وتعالى إن لم يغلقه عنك التعطيل والتجهم.
وصفات العدل، والقبض والبسط، والخفض والرفع، والعطاء والمنع، والإعزاز والإذلال، والقهر والحكم، ونحوها أخص باسم الملك وخصه بيوم الدين، وهو الجزاء بالعدل، لتفرده بالحكم فيه وحده، ولأنه اليوم الحق، وما قبله كساعة، ولأنه الغاية، وأيام الدنيا مراحل إليه.





\
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
العابد

العابد


اعلام خاصة : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 56600
تاريخ التسجيل : 16/10/2011
الموقع الموقع : الاسكندرية
المزاج : مشغول

مع إبن القيم  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: مع إبن القيم    مع إبن القيم  - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء 25 أكتوبر 2016 - 11:25




[فصل ارتباط الخلق بأسماء الله]
فصل
وتأمل ارتباط الخلق والأمر بهذه الأسماء الثلاثة، وهي الله، والرب، والرحمن كيف نشأ عنها الخلق، والأمر، والثواب، والعقاب؟ وكيف جمعت الخلق وفرقتهم؟ فلها الجمع، ولها الفرق.
فاسم الرب له الجمع الجامع لجميع المخلوقات، فهو رب كل شيء وخالقه، والقادر عليه، لا يخرج شيء عن ربوبيته، وكل من في السماوات والأرض عبد له في قبضته، وتحت قهره، فاجتمعوا بصفة الربوبية، وافترقوا بصفة الإلهية، فألهه وحده السعداء، وأقروا له طوعا بأنه الله الذي لا إله إلا هو، الذي لا تنبغي العبادة والتوكل، والرجاء والخوف، والحب والإنابة والإخبات والخشية، والتذلل والخضوع إلا له.
وهنا افترق الناس، وصاروا فريقين: فريقا مشركين في السعير، وفريقا موحدين في الجنة.
فالإلهية هي التي فرقتهم، كما أن الربوبية هي التي جمعتهم.
فالدين والشرع، والأمر والنهي مظهره، وقيامه من صفة الإلهية، والخلق والإيجاد والتدبير والفعل من صفة الربوبية، والجزاء بالثواب والعقاب والجنة والنار من صفة الملك، وهو ملك يوم الدين، فأمرهم بإلهيته، وأعانهم ووفقهم وهداهم وأضلهم بربوبيته، وأثابهم وعاقبهم بملكه وعدله، وكل واحدة من هذه الأمور لا تنفك عن الأخرى.
وأما الرحمة فهي التعلق، والسبب الذي بين الله وبين عباده، فالتأليه منهم له، والربوبية منه لهم، والرحمة سبب واصل بينه وبين عباده، بها أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وبها هداهم، وبها أسكنهم دار ثوابه، وبها رزقهم وعافاهم وأنعم عليهم، فبينهم وبينه سبب العبودية، وبينه وبينهم سبب الرحمة.
واقتران ربوبيته برحمته كاقتران استوائه على عرشه برحمته، ف {الرحمن على العرش استوى} [طه: 5] مطابق لقوله {رب العالمين - الرحمن الرحيم} [الفاتحة: 2 - 3] فإن شمول الربوبية وسعتها بحيث لا يخرج شيء عنها أقصى شمول الرحمة وسعتها، فوسع كل شيء برحمته وربوبيته، مع أن في كونه ربا للعالمين ما يدل على علوه على خلقه، وكونه فوق كل شيء، كما يأتي بيانه إن شاء الله.









الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
العابد

العابد


اعلام خاصة : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 56600
تاريخ التسجيل : 16/10/2011
الموقع الموقع : الاسكندرية
المزاج : مشغول

مع إبن القيم  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: مع إبن القيم    مع إبن القيم  - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء 25 أكتوبر 2016 - 11:27





[فصل ذكر أسماء الله بعد الحمد]
فصل
في ذكر هذه الأسماء بعد الحمد، وإيقاع الحمد على مضمونها ومقتضاها ما يدل على أنه محمود في إلهيته، محمود في ربوبيته، محمود في رحمانيته، محمود في ملكه، وأنه إله محمود، ورب محمود، ورحمن محمود، وملك محمود، فله بذلك جميع أقسام الكمال: كمال من هذا الاسم بمفرده، وكمال من الآخر بمفرده، وكمال من اقتران أحدهما بالآخر.
مثال ذلك: قوله تعالى {والله غني حميد} [التغابن: 6] ، {والله عليم حكيم} [النساء: 26] ، {والله قدير} [الممتحنة: 7] ، {والله غفور رحيم} [البقرة: 218] فالغنى صفة كمال، والحمد صفة كمال، واقتران غناه بحمده كمال أيضا، وعلمه كمال، وحكمته كمال، واقتران العلم بالحكمة كمال أيضا، وقدرته كمال ومغفرته كمال، واقتران القدرة بالمغفرة كمال، وكذلك العفو بعد القدرة {إن الله كان عفوا غفورا} [النساء: 43] واقتران العلم بالحلم {والله عليم حليم} [النساء: 12] .
وحملة العرش أربعة: اثنان يقولان سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على حلمك بعد علمك، واثنان يقولان: سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على عفوك بعد قدرتك، فما كل من قدر عفا، ولا كل من عفا يعفو عن قدرة، ولا كل من علم يكون حليما، ولا كل حليم عالم، فما قرن شيء إلى شيء أزين من حلم إلى علم، ومن عفو إلى قدرة، ومن ملك إلى حمد، ومن عزة إلى رحمة {وإن ربك لهو العزيز الرحيم} [الشعراء: 9] ومن هاهنا كان قول المسيح عليه السلام {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} [المائدة: 118] أحسن من أن يقول: وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم، أي إن غفرت لهم كان مصدر مغفرتك عن عزة، وهي كمال القدرة، وعن حكمة، وهي كمال العلم، فمن غفر عن عجز وجهل بجرم الجاني، فأنت لا تغفر إلا عن قدرة تامة، وعلم تام، وحكمة تضع بها الأشياء مواضعها، فهذا أحسن من ذكر الغفور الرحيم في هذا الموضع، الدال ذكره على التعريض بطلب المغفرة في غير حينها، وقد فاتت، فإنه لو قال: وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم، كان في هذا من الاستعطاف والتعريض بطلب المغفرة لمن لا يستحقها ما ينزه عنه منصب المسيح عليه السلام، لا سيما والموقف موقف عظمة وجلال، وموقف انتقام ممن جعل لله ولدا، واتخذه إلها من دونه، فذكر العزة والحكمة فيه أليق من ذكر الرحمة والمغفرة، وهذا بخلاف قول الخليل عليه السلام {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم} [إبراهيم: 35]
ولم يقل: فإنك عزيز حكيم، لأن المقام مقام استعطاف وتعريض بالدعاء، أي إن تغفر لهم وترحمهم، بأن توفقهم للرجوع من الشرك إلى التوحيد، ومن المعصية إلى الطاعة، كما في الحديث «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» .
وفي هذا أظهر الدلالة على أن أسماء الرب تعالى مشتقة من أوصاف ومعان قامت به، وأن كل اسم يناسب ما ذكر معه، واقترن به، من فعله وأمره، والله الموفق للصواب.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
العابد

العابد


اعلام خاصة : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 56600
تاريخ التسجيل : 16/10/2011
الموقع الموقع : الاسكندرية
المزاج : مشغول

مع إبن القيم  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: مع إبن القيم    مع إبن القيم  - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء 25 أكتوبر 2016 - 11:28



[فصل مراتب الهداية الخاصة والعامة]
[المرتبة الأولى تكليم الله]
فصل: في مراتب الهداية الخاصة والعامة، وهي عشر مراتب:
في مراتب الهداية الخاصة والعامة، وهي عشر مراتب:
المرتبة الأولى: مرتبة تكليم الله عز وجل لعبده يقظة بلا واسطة، بل منه إليه، وهذه أعلى مراتبها، كما كلم موسى بن عمران، صلوات الله وسلامه على نبينا وعليه، قال الله تعالى {وكلم الله موسى تكليما} [النساء: 164] فذكر في أول الآية وحيه إلى نوح والنبيين من بعده، ثم خص موسى من بينهم بالإخبار بأنه كلمه، وهذا يدل على أن التكليم الذي حصل له أخص من مطلق الوحي الذي ذكر في أول الآية، ثم أكده بالمصدر الحقيقي الذي هو مصدر كلم وهو التكليم رفعا لما يتوهمه المعطلة والجهمية والمعتزلة وغيرهم
من أنه إلهام، أو إشارة، أو تعريف للمعنى النفسي بشيء غير التكليم، فأكده بالمصدر المفيد تحقيق النسبة ورفع توهم المجاز، قال الفراء: العرب تسمي ما يوصل إلى الإنسان كلاما بأي طريق وصل، ولكن لا تحققه بالمصدر، فإذا حققته بالمصدر لم يكن إلا حقيقة الكلام، كالإرادة، يقال: فلان أراد إرادة، يريدون حقيقة الإرادة، ويقال: أراد الجدار، ولا يقال: إرادة، لأنه مجاز غير حقيقة، هذا كلامه، وقال تعالى {ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك} [الأعراف: 143] وهذا التكليم غير التكليم الأول الذي أرسله به إلى فرعون، وفي هذا التكليم الثاني سأل النظر لا في الأول، وفيه أعطي الألواح، وكان عن مواعدة من الله له، والتكليم الأول لم يكن عن مواعدة، وفيه قال الله له {ياموسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي} [الأعراف: 144] أي بتكليمي لك بإجماع السلف.
وقد أخبر سبحانه في كتابه أنه ناداه وناجاه، فالنداء من بعد، والنجاء من قرب، تقول العرب: إذا كبرت الحلقة فهو نداء، أو نجاء، وقال له أبوه آدم في محاجته: «أنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه، وخط لك التوراة بيده؟» ، وكذلك يقول له أهل
الموقف إذا طلبوا منه الشفاعة إلى ربه، وكذلك في حديث الإسراء في رؤية موسى في السماء السادسة أو السابعة على اختلاف الرواية، قال: وذلك بتفضيله بكلام الله، ولو كان التكليم الذي حصل له من جنس ما حصل لغيره من الأنبياء لم يكن لهذا التخصيص له في هذه الأحاديث معنى، ولا كان يسمى كليم الرحمن وقال تعالى {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء} [الشورى: 51] ففرق بين تكليم الوحي، والتكليم بإرسال الرسول، والتكليم من وراء حجاب.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
العابد

العابد


اعلام خاصة : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 56600
تاريخ التسجيل : 16/10/2011
الموقع الموقع : الاسكندرية
المزاج : مشغول

مع إبن القيم  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: مع إبن القيم    مع إبن القيم  - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء 25 أكتوبر 2016 - 11:28



[فصل مراتب الهداية الخاصة والعامة]
[المرتبة الأولى تكليم الله]
فصل: في مراتب الهداية الخاصة والعامة، وهي عشر مراتب:
في مراتب الهداية الخاصة والعامة، وهي عشر مراتب:
المرتبة الأولى: مرتبة تكليم الله عز وجل لعبده يقظة بلا واسطة، بل منه إليه، وهذه أعلى مراتبها، كما كلم موسى بن عمران، صلوات الله وسلامه على نبينا وعليه، قال الله تعالى {وكلم الله موسى تكليما} [النساء: 164] فذكر في أول الآية وحيه إلى نوح والنبيين من بعده، ثم خص موسى من بينهم بالإخبار بأنه كلمه، وهذا يدل على أن التكليم الذي حصل له أخص من مطلق الوحي الذي ذكر في أول الآية، ثم أكده بالمصدر الحقيقي الذي هو مصدر كلم وهو التكليم رفعا لما يتوهمه المعطلة والجهمية والمعتزلة وغيرهم
من أنه إلهام، أو إشارة، أو تعريف للمعنى النفسي بشيء غير التكليم، فأكده بالمصدر المفيد تحقيق النسبة ورفع توهم المجاز، قال الفراء: العرب تسمي ما يوصل إلى الإنسان كلاما بأي طريق وصل، ولكن لا تحققه بالمصدر، فإذا حققته بالمصدر لم يكن إلا حقيقة الكلام، كالإرادة، يقال: فلان أراد إرادة، يريدون حقيقة الإرادة، ويقال: أراد الجدار، ولا يقال: إرادة، لأنه مجاز غير حقيقة، هذا كلامه، وقال تعالى {ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك} [الأعراف: 143] وهذا التكليم غير التكليم الأول الذي أرسله به إلى فرعون، وفي هذا التكليم الثاني سأل النظر لا في الأول، وفيه أعطي الألواح، وكان عن مواعدة من الله له، والتكليم الأول لم يكن عن مواعدة، وفيه قال الله له {ياموسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي} [الأعراف: 144] أي بتكليمي لك بإجماع السلف.
وقد أخبر سبحانه في كتابه أنه ناداه وناجاه، فالنداء من بعد، والنجاء من قرب، تقول العرب: إذا كبرت الحلقة فهو نداء، أو نجاء، وقال له أبوه آدم في محاجته: «أنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه، وخط لك التوراة بيده؟» ، وكذلك يقول له أهل
الموقف إذا طلبوا منه الشفاعة إلى ربه، وكذلك في حديث الإسراء في رؤية موسى في السماء السادسة أو السابعة على اختلاف الرواية، قال: وذلك بتفضيله بكلام الله، ولو كان التكليم الذي حصل له من جنس ما حصل لغيره من الأنبياء لم يكن لهذا التخصيص له في هذه الأحاديث معنى، ولا كان يسمى كليم الرحمن وقال تعالى {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء} [الشورى: 51] ففرق بين تكليم الوحي، والتكليم بإرسال الرسول، والتكليم من وراء حجاب.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
العابد

العابد


اعلام خاصة : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 56600
تاريخ التسجيل : 16/10/2011
الموقع الموقع : الاسكندرية
المزاج : مشغول

مع إبن القيم  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: مع إبن القيم    مع إبن القيم  - صفحة 2 I_icon_minitimeالثلاثاء 25 أكتوبر 2016 - 11:30



[فصل المرتبة الثالثة إرسال الرسول الملكي إلى الرسول البشري]
فيوحى إليه عن الله ما أمره أن يوصله إليه.
فهذه المراتب الثلاث خاصة بالأنبياء لا تكون لغيرهم.
ثم هذا الرسول الملكي قد يتمثل للرسول البشري رجلا، يراه عيانا ويخاطبه، وقد يراه على صورته التي خلق عليها، وقد يدخل فيه الملك، ويوحي إليه ما يوحيه، ثم يفصم عنه، أي يقلع، والثلاثة حصلت لنبينا مع إبن القيم  - صفحة 2 Slah.
[فصل المرتبة الرابعة مرتبة التحديث]
وهذه دون مرتبة الوحي الخاص، وتكون دون مرتبة الصديقين، كما كانت ل عمر بن الخطاب مع إبن القيم  - صفحة 2 Anho، كما قال النبي مع إبن القيم  - صفحة 2 Slah «إنه كان في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في هذه الأمة فعمر بن الخطاب» .
وسمعت شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية رحمه الله يقول: جزم بأنهم كائنون في الأمم قبلنا، وعلق وجودهم في هذه الأمة ب " إن " الشرطية، مع أنها أفضل الأمم، لاحتياج الأمم قبلنا إليهم، واستغناء هذه الأمة عنهم بكمال نبيها ورسالته، فلم يحوج الله الأمة بعده إلى محدث ولا ملهم، ولا صاحب كشف ولا منام، فهذا التعليق لكمال الأمة واستغنائها لا لنقصها.
والمحدث: هو الذي يحدث في سره وقلبه بالشيء، فيكون كما يحدث به.
قال شيخنا: والصديق أكمل من المحدث، لأنه استغنى بكمال صديقيته ومتابعته عن التحديث والإلهام والكشف، فإنه قد سلم قلبه كله وسره وظاهره وباطنه للرسول، فاستغنى به عما منه.
قال: وكان هذا المحدث يعرض ما يحدث به على ما جاء به الرسول، فإن وافقه قبله، وإلا رده، فعلم أن مرتبة الصديقية فوق مرتبة التحديث.
قال: وأما ما يقوله كثير من أصحاب الخيالات والجهالات: حدثني قلبي عن ربي، فصحيح أن قلبه حدثه، ولكن عمن؟ عن شيطانه، أو عن ربه؟ فإذا قال: حدثني قلبي عن ربي، كان مسندا الحديث إلى من لم يعلم أنه حدثه به، وذلك كذب، قال: ومحدث الأمة لم يكن يقول ذلك، ولا تفوه به يوما من الدهر، وقد أعاذه الله من أن يقول ذلك، بل كتب كاتبه يوما: هذا ما أرى الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فقال: لا، امحه واكتب: هذا ما رأى عمر بن الخطاب، فإن كان صوابا فمن الله، وإن كان خطأ فمن عمر والله ورسوله منه بريء، وقال في الكلالة: أقول فيها برأيي، فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، فهذا قول المحدث بشهادة الرسول مع إبن القيم  - صفحة 2 Slah، وأنت ترى الاتحادي والحلولي والإباحي الشطاح، والسماعي مجاهرا بالقحة والفرية، يقول: " حدثني قلبي عن ربي ".
فانظر إلى ما بين القائلين والمرتبتين والقولين والحالين، وأعط كل ذي حق حقه، ولا تجعل الزغل والخالص شيئا واحدا.
[فصل المرتبة الخامسة مرتبة الإفهام]
قال الله تعالى {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما} [الأنبياء: 78] فذكر هذين النبيين الكريمين، وأثنى عليهما بالعلم والحكم، وخص سليمان بالفهم في هذه الواقعة المعينة، وقال علي بن أبي طالب وقد سئل " هل خصكم رسول الله مع إبن القيم  - صفحة 2 Slah بشيء دون الناس؟ " فقال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إلا فهما يؤتيه الله عبدا في كتابه، وما في هذه
الصحيفة، وكان فيها العقل، وهو الديات، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر "، وفي كتاب عمر بن الخطاب ل أبي موسى الأشعري مع إبن القيم  - صفحة 2 Anhoما: والفهم الفهم فيما أدلي إليك، فالفهم نعمة من الله على عبده، ونور يقذفه الله في قلبه، يعرف به، ويدرك ما لا يدركه غيره ولا يعرفه، فيفهم من النص ما لا يفهمه غيره، مع استوائهما في حفظه، وفهم أصل معناه.
فالفهم عن الله ورسوله عنوان الصديقية، ومنشور الولاية النبوية، وفيه تفاوتت مراتب العلماء، حتى عد ألف بواحد، فانظر إلى فهم ابن عباس وقد سأله عمر، ومن حضر من أهل بدر وغيرهم عن سورة {إذا جاء نصر الله والفتح} [النصر: 1] وما خص به ابن عباس من فهمه منها أنها نعي الله سبحانه نبيه إلى نفسه وإعلامه بحضور أجله، وموافقة عمر له على ذلك، وخفائه عن غيرهما من الصحابة وابن عباس إذ ذاك أحدثهم سنا، وأين تجد في هذه السورة الإعلام بأجله، لولا الفهم الخاص؟ ويدق هذا حتى يصل إلى مراتب تتقاصر عنها أفهام أكثر الناس، فيحتاج مع النص إلى غيره، ولا يقع الاستغناء بالنصوص في حقه، وأما في حق صاحب الفهم فلا يحتاج مع النصوص إلى غيرها.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مع إبن القيم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 2 من اصل 3انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» قال ابن القيم
» قال ابن القيم :
»  من اقول ابن القيم
» من اقوال ابن القيم
» يقول ابن القيم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المصـــــــــــراوية :: المنتديات الدينية :: المنتدى الاسلامي العام-
انتقل الى: