تفسير قوله تعالى:( قـــل هـــل ننبئكــــم بـــــالأخسرين أعمـــــالاً )
كاتب الموضوع
رسالة
ذات
اعلام خاصة : الجنس : عدد المساهمات : 29546 تاريخ التسجيل : 12/02/2010 الموقع : رشيد - مصر
موضوع: تفسير قوله تعالى:( قـــل هـــل ننبئكــــم بـــــالأخسرين أعمـــــالاً ) الإثنين 17 أكتوبر 2016 - 13:29
قال تعـــالى : ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُـــمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ) – الكهف : 103 قوله تعالى : ( قُلْ )أي يا محمــــــــــــــــــد للأمة كلها : (هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً) الجواب : نعــــــــــــــــــــــــم . نريد أن نُخبَر عن الأخسرين أعمالاً حتى نتجنب عمل هؤلاء و نكون من الرابحين ، و قد بيَّن الله تعالى في سورة العصر أنَّ كل إنسان خاسر إِلاَّ من اتصف بأربع صفات : 1- اللــــــــذين آمنوا . 2 – و عملوا الصالحات . 3 – و تواصــــوا بالحق . 4 – و تواصــــوا بالصبر . و هنا يقــــــــــــــــول : ( الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُــــــــمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُـــــــــــمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) – الكهف : 104 قوله تعالى : ( الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُــــــــــمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )يعني ضاع سعيهــــــــــــم و بَطل في الحياة الدنيا لكنهم : {يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } فَغُطي عليهم الحق – و العياذ بالله – و ظنوا وهم على باطل أن الباطل هو الحق ، و هذا كثير ، فاليهود مثـــــــــــلاً يظنون أنهم على حق ، و النصارى يظنون أنهم على حق ، و الشيوعيون يظنون أنهم على حق ، كل واحد منهــــــــــــم يظن أنه على حق ، و لذلك مكثوا على ما هم عليـــــــــــه ، و منهم من يعلم أنه ليس على حق لكنــــــــــــه – و العياذ بالله – لاستكباره و استعلائه أصرَّ على ما هو عليــــــــــه . (أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِــــــــــمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَـــــــةِ وَزْناً) – الكهف : 105 قوله تعالى: { بِآياتِ رَبِّهِــــــــــمْ } الكونية أم الشرعية؟ الظاهر كلتاهما ، لكن الذين كذبوا الرسول صلى الله عليه و سلم كذبوا بالآيات الشرعية و لم يكذبوا بالآيات الكونية ، و الدليل أن الله تعالى أخبر أنهم إذا سُئلوا : من خلق السموات و الأرض؟ يقولون : الله ، و لا أحد منهم يدَّعي أن هنالك خالقاً آخر مع الله ، لكنهم كذبوا بالآيات الشرعية ، كذبوا الرسول صلى الله عليه و سلم ؛ كذبوا بما جاء به ، فهم داخلون في الآيــــــــــــــــــة . ( وَلِقَائِــــــــــهِ ) أي : كذبوا بلقاء الله ، و متى يكـــــــــــون لقاء الله ؟ الجواب : يكون يوم القيامة ، فهؤلاء كذبوا بيوم القيامة و جادلوا ، و أُروا الآيات و لكنهـــــــــــــــــــم أصرُّوا ، قال الله تعالى : ( أَوَ لَمْ يَرَ الإنسان أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) و َضَرَبَ لَنَا مَثَلاً ) - يّـس : 78 يكذبنا فيه فقال : { مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } - يس: 78 ؛ تَحَدٍّ! من يحييها؟ رميـــــــــــــم لا فيها حياة و لا شيء؟ ( قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ) - يّـس : 79 و من الذي أنشأها أوّل مرة ؟ الجواب : هو الله ، و الإعادة أهون من الابتداء كما قال الله عز و جل : ( وَ هُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيـــــــــــدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ) – الروم : الآية 27 هذا دليل ، إذاً الدليل على إمكان البعث ، و إحياء العظام و هي رميم : 1 - أن الله تعالى ابتدأها ، و لما قال زكريا حين بُشِّر بالولد و كان قد بلغ في الكِبَر عتيا، إن امرأته عاقر ، قال الله تعالى : ( قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْــــــــــــلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً ) – مريم : 9 ، فالذي خلقــــــــــــك من قبل و أنت لم تكن شيئاً قادر على أن يجعـــــــــــــــل لك ولداً. 2 – ( وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيــــــــــمٌ ) - يّـس : الآية 79 ، و إذا كان الله بكل خلق عليماً، فإنـــــــــه لن يتعذر عليه أن يخلق ما يشاء ، من الذي يمنعـــــــــــــــه إذا كان عليماً بكل خلق ؟ الجواب : لا أحد يمنعــــــــــــــــه . 3 – ( الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ) - يّـس : 80 ،شجر أخضر يخرج منه نار ، فالشجر الأخضر يضرب بالزند ثم ينقدح ناراً ، و كان العرب يعرفون هذا ، فالذي يخرج هذه النار ، و هي حارة يابسة من غصن رطب بارد ، يعني متضادان غاية التضاد ، قادر على أن يخلق الإنسان ، أو أن يعيد خلق العظام و هي رميـــــــــــــــم ، ثم حقق هذه النار بقوله : ( فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ) 4 – ( أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ) - يّـس : 81 الجواب : بلى ، قال الله تعالى : ( لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ) – غافر : 57 ، فالذي خلق السموات و الأرض بِكِبَرِهَا ، و عظمها قادر على أن يعيد جزءاً من لا شيء بالنسبة للأرض ، من أنت يا ابن آدم بالنسبة للأرض؟ لا شيء ، أنت خلقت منها ، أنت بعض يسير منها ، فالذي قدر على خلق السموات و الأرض قادر على أن يخلق مثلهـــــــــــــم ، قال الله تعالى مجيباً نفسه : ( بَلَى )- يّـس : الآية 81 5 – ( وَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ) - يّـس : 81 ، الخلَّاق صيغة مبالغة ، و إن شئت فاجعلها نسبة ، يعني أنه موصوف بالخلق أزلاً و أبداً ، و هو تأكيـــــــــد لقوله قبل : ( و هو بكل خلق عليم ) - يس : 79 6 – ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) - يّـس :82 لا يحتاج إلى عمَّال و لا بنَّائين و لا أحد ( كن فيكون ) ؛ و لهذا قال : ( إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَــــــــــةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُــــــمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ) - يّـس : 53 ، كلمة واحــــــــــــــــدة . 7 – ( فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ )- يّـس : 83 كل شيء فبيده ملكوته عز و جل يتصرف كما يشاء ، فنسأله عز وجل أن يهدينا صراطه المستقيم . 8 – ( وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) – يس : 83 ، فهذا هو الدليل الثامن ، و إنما كان دليلاً لأنـــــــــه لولا رجوعنا إلى الله عز و جل لكان وجودنا عبثاً ، و هذا ينافي الحكمـــة . فتأمل سياق هذه الأدلة الثمانيــــــــــــة في هذا القول الموجز ، و مع ذلك ينكرون لقاء الله . في قوله : ( بِآياتِ رَبِّهِمْ ) إلزامٌ لهـــــــــــــم بالإيمان؛ لأنه كونه ربهم عز و جل يجب أن يطيعوه و أن يؤمنوا به ، لكن من حقت عليه كلمة العذاب فإنـــــــــــــه لا يؤمن . ( فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ) يعني بَطَلَت و لم ينتفعوا بها ، حتى لو أن الكافر أحسن وأصلح الطرق و بنى الرُّبط ، و تصدق على الفقراء فإن ذلك لا ينفعه ، إن أراد الله أن يثيبه عجل الله له الثواب في الدنيا ، أما في الآخرة فلا نصيب له - نعوذ بالله ، نسأل الله الحماية و العافية -
تفسير قوله تعالى:( قـــل هـــل ننبئكــــم بـــــالأخسرين أعمـــــالاً )