إن المسلم لا تقبل منه العبادة إلا إذا تحقق فيها شرطان أساسيان : الأول : إخلاص النية لله تعالى، وهو أن يكون مراد العبد بأقواله وأعماله الظاهرة والباطنة ابتغاء وجه الله تعالى دون غيره . الثاني : موافقة الشرع الذي أمر الله تعالى أن لا يعبد إلا به ،وذلك يكون بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ، وترك مخالفته ، وعدم إحداث عبادة جديدة أو هيئة جديدة في العبادة لم تثبت عنه عليه الصلاة والسلام . والدليل على هذين الشرطين قوله تعالى : ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) الكهف/110 . قال ابن كثير رحمه الله : " ( فمن كان يرجوا لقاء ربه ) أي : ثوابه وجزاءه الصالح . ( فليعمل عملا صالحا ) أي : ما كان موافقا لشرع الله . ( ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ) وهو الذي يراد به وجه الله وحده لا شريك له ، وهذان ركنا العمل المتقبَّل ، لابد أن يكون خالصاً لله ، صواباً على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى . " تفسير ابن كثير " ( 4 / 108 ) . ولهذا قال الله تعالى في أعظم سورة في القرآن ( إياك نعبد وإياك نستعين ) للدلالة على أن التوحيد والإخلاص شرط في صحة العمل ، والشرط الثاني بعده مباشرة : ( اهدنا الصراط المستقيم ) ، فلا تصح العبادة إلا على النهج السليم ، والصراط المستقيم ، الذي شرعه الله تعالى بمتابعة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) رواه مسلم ( 1718 ) أي : فعمله مردود عليه ، ولا يقبل منه ، فإذا تخلف أحد هذين الشرطين عن العمل (الإخلاص لله ، والمتابعة لشرعه) لم يستفد صاحبه منه ، فمن أراد الخير والأجر ورضى الرب سبحانه فليعبده وليتقرب إليه بما شرع ، قال سبحانه : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) آل عمران/31 . فلا تكفي النية الصالحة ، ولا تشفع لصاحبها إذا خالف الشرع ، وعبد الله تعالى بشيء من البدع ، وكثير من أهل البدع – بسبب جهلهم – اخترعوا هذه البدع ليتقربوا بها إلى الله ولهذا لما أنكر ابن مسعود رضي الله عنه على المجتمعين على ذكر الله ، لما أنكر عليهم اجتماعهم ، واعتذروا بحسن نيتهم وأنهم لم يريدوا إلا الخير ، قال لهم : ( وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ ) رواه الدارمي (204) ، فلا يكفي حسن النية بمفرده حتى يصيب الإنسان الخير ، وينال الثواب والقرب من الله ، بل لا بد مع ذلك من موافقة الشرع ، واجتناب البدع . وربما تشفع النية الصالحة لصاحبها في مسألتين : الأولى : في تحويل العادات إلى عبادات . فالنية الصالحة تجعل العادة عبادة ، يثاب عليها صاحبها ، فينوي بالطعام والشراب التقوي على طاعة الله تعالى ، وينوي بالزواج إعفاف نفسه وزوجته ، وهكذا . والثانية : في كسب الأجر دون عمل إذا كانت النية جازمة . فقد ينوي المسلم نية جازمة على القيام بأعمال شرعية فيحول بينه وبين العمل موانع للقيام به : فيؤجر عليه ، وفي ذلك أحاديث ، ومنها : 1. عن جابر رضي الله عنه قال : كنَّا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فقال : ( إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم المرض ) وفي رواية : (إلا شركوكم في الأجر ) رواه مسلم ( 1911 ) . 2. عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من أتى إلى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبته عيناه حتى أصبح : كتب له ما نوى ، وكان نومه صدقة عليه من ربه عز وجل ) رواه النسائي ( 1787 ) وابن ماجه ( 1344 ) ، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب " ( 601 ) . 3. عن سهل بن حنيف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه ) رواه مسلم ( 1909 ) وغير ذلك كثير ، وكله يدل على أن من نوى نية صادقة جازمة على فعل خير أو طاعة فحال بينه وبين الفعل حائل كتب الله له الأجر . فهنا : النية الصادقة شفعت لصاحبها حتى أُجر عليها