اعلام خاصة : الجنس : عدد المساهمات : 31878 تاريخ التسجيل : 19/12/2013 الموقع : بيت المعز المزاج : مع الله والحمد لله
موضوع: ۩ اللهم أجعلنا من أصحاب النفوس المستنيره ۩ السبت 13 أغسطس 2016 - 14:08
"ليس اختلاف نفوسنا هو اختلاف سعادة وشقاء وإنما اختلاف مواقف .. فهناك نفس تعلو على شقائها وتتجاوزه وترى فيه الحكمة والعبرة، وتلك نفوسٌ مستنيرة، ترى العدل والجمال في كل شيء، وتحب الخالق في كل أفعاله .. وهناك نفوس تمضغ شقاءها وتجتره، وتحوله إلى حقد أسود وحسد أكَّال وتلك هي النفوس المُظلمة الكافرة بخالقها المتمردة على أفعاله .. وكل نفسٍ تمهد بموقفها لمصيرها النهائي في العالم الآخر، حيث يكون الشقاء الحقيقي، أو السعادة الحقيقية .. فأهل الرضا إلى النعيم وأهل الحقد إلى الجحيم؛ أما الدنيا فليس فيها نعيم ولا جحيم إلا بحكم الظاهر فقط بينما في الحقيقة تتساوى الكؤوس التي يتجرعها الكل .. والكل في تعب! إنما الدنيا امتحان لإبراز المواقف .. فما اختلفت النفوس إلا بمواقفها وما تفاضلت إلا بمواقفها، وليس بالشقاء والنعيم اختلفت ولا بالحظوظ المتفاوتة تفاضلت ولا بما يبدو على الوجوه من ضحك وبكاء تنوعت. فذلك هو المسرح الظاهر الخادع، وتلك هي لبسة الديكور والثياب التنكرية التي يرتديها الأبطال حيث يبدو أحدنا ملكاً والآخر صعلوكاً وحيث يتفاوت أمامنا المتخم والمحروم. أما وراء الكواليس، أما على مسرح القلوب أما في كوامن الأسرار وعلى مسرح الحق والحقيقة .. فلا يوجد ظالم ولا مظلوم ولا متخم ولا محروم، وإنما عَدلٌ مُطلَق واستحقاق نزيه يَجري على سُنن ثابتة لا تتخلف حيث يمد الله يد السلوى الخفية، يحنو بها على المحروم وينير بها ضمائر العميان ويلاطف أهل المسكنة ويؤنس الأيتام والمتوحدين في الخلوات، ويعوض الصابرين حلاوة في قلوبهم .. ثم يميل بيد القبض والخفض فيطمس على بصائر المترفين ويوهن قلوب المتخمين ويؤرق عيون الظالمين ويرهل أبدان المسرفين .. وتلك هي الرياح الخفية المنذرة التي تهب من الجحيم والنسمات المبشرة التي تأتي من الجنة، والمقدمات التي تسبق اليوم الموعود .. يوم تنكشف الأستار وتهتك الحُجُب وتفترق المصائر إلى شقاءٍ حق أو إلى نعيمٍ حق .. يوم لا تنفع معذرة .. ولا تُجدي تذكِرة! و أهل الحكمة في راحة لأنهم أدركوا هذا بعقولهم، وأهل الله في راحة لأنهم أسلموا إلى الله في ثقة وقبلوا ما يجريه عليهم ورأوا في أفعاله عدلاً مطلقاً دون أن يُتعِبوا عقولهم فأراحو عقولهم أيضاً، فجمعوا لأنفسهم بين الراحتين راحة القلب وراحة العقل، فأثمرت الراحتان راحة ثالثة هي راحة البدن .. بينما شقى أصحاب العقول بمجادلاتهم. أما أهل الغفلة وهم الأغلبية الغالبة فمازالوا يقتل بعضهم بعضاً من أجل اللقمة والمرأة والدرهم وفدان الأرض، ثم لا يجمعون شيئاً إلا مزيداً من الهموم وأحمالاً من الخطايا وظمأً لا يرتوي وجوعاً لا يشبع. فانظر من أي طائفة من هؤلاء أنت، واغلق عليك بابك وابك على خطيئتك" من كتاب: أناشيــد الإثم و البراءة للـدكتور مصطفى محمود (رحمه الله).