اعلام خاصة : الجنس : عدد المساهمات : 35540 تاريخ التسجيل : 25/02/2010
موضوع: يسألونك عن الأهلة الخميس 9 يونيو 2016 - 19:50
الأهلة قال تعالى في سورة البقرة : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)) سبب النّزول روي أنّ معاذ بن جبل قال: يا رسول اللّه إنّ اليهود يكثرون مسألتنا عن الأهلّة فأنزل اللّه هذه الآية. و قيل: إنّ اليهود سألوا رسول اللّه: لم خلقت هذه الأهلّة؟ فنزلت هذه الآية، لتقول إنّ للأهلّة فوائد ماديّة و معنوية في نظام الحياة الإنسانية. اتضح من سبب نزول هذه الآية الشريفة ؛ أنّ جماعة سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم عن الهلال و ما يحصل عليه من تغييرات متدرّجة و عن أسبابها و نتائجها، فيجيب القرآن الكريم على سؤالهم بقوله ؛ (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ). (أهلّة) جمع «هلال» و يعني القمر في اللّيلة الاولى و الثانية من الشهر و قال بعضهم أنّ التسمية تطلق عليه لثلاث ليالي من أوّل الشّهر و بعد ذلك يسمّى (قمر)، و ذهب بعضهم إلى أكثر من هذا المقدار. و يرى المرحوم (الطبرسي) في مجمع البيان و آخرون من المفسّرين أنّ مفردة «الهلال» هي في الأصل من (استهلال الصبي) و يعني بكاء الطفل من بداية تولّده، ثمّ استعمل للقمر في بداية الشهر، و كذلك استعمل أيضا في قول الحجّاج في بداية مناسكهم: «لبيّك لبيّك» بصوت عال، فيقال (أهلّ القوم بالحج) و لكن يستفاد من كلمات الرّاغب في المفردات عكس هذا المطلب و أنّ أصل هذه المفردة هو الهلال في بداية الشهر و قد استفيد منه (استهلال الصبي) أي بكائه عند ولادته. و على كلّ حال يستفاد من جملة (يسألونك) الّتي هي فعل مضارع يدل على التكرار أنّ هذا السؤال قد تكرّر مرّات عديدة على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم. ثمّ تقول الآية : (قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ). فما يحصل عليها من تغييرات منتظمة تدريجيّة، يجعل منها تقويما طبيعيا يساعد الناس على تنظيم أمورهم الحياتية القائمة على التوقيت و تحديد الزمن، و كذلك على تنظيم امور عباداتهم المحدّدة بزمان معيّن كالحجّ و الصوم، و الهلال هو المرجع في تعيين هذا الزمان، و بالاستهلال ينظّم الناس امور عبادتهم و شؤون دنياهم. هذا التقويم الطبيعي ميسور لجميع البشر متعلّمهم و أمّيّهم، في جميع بقاع الأرض، و بموجبه يمكن تعيين أوّل الشهر و وسطه و آخره، بل كلّ يوم من أيّامه بدقّة. و واضح أنّ نظام الحياة الاجتماعية يحتاج إلى تقويم، أي إلى وسيلة تعيّن التاريخ الدقيق، و من هنا وضع اللّه سبحانه هذا التقويم الطبيعي للناس في كلّ زمان و مكان. من امتيازات قوانين الإسلام أنّ أحكامه قائمة عادة على المقاييس الطبيعية لأنّ هذه المقاييس متوفّرة لدى جميع الناس، و لا يؤثّر عليها مرور الزمان شيئا. أمّا المقاييس غير الطبيعية فليست في متناول يد الجميع و لم يستطع جميع البشر حتّى في زماننا هذا أن يستفيدوا من مقاييس عالمية موحّدة. لذلك نرى أنّ المقياس في الأحكام الإسلامية يقوم في الأطوال على أساس الشبر و الخطوة و الذراع و القامة، و في الزمان على غروب الشمس و طلوع الفجر و زوال الشمس و روبة الهلال. و هنا يتّضح امتياز الأشهر القمريّة عن الشمسيّة، فالبرغم من أنّ كلا منهما يترتّب على حركات الكواكب السماويّة، و لكنّ الأشهر القمريّة قابلة للمشاهدة من الجميع، في حين أنّ الأشهر الشمسيّة لا يمكن تشخيصها إلّا بواسطة المنجميّن و بالوسائل الخاصّة لديهم، فيعرفون مثلا أنّ الشمس في هذا الشهر سوف تقع في مقابل أيّ صورة فلكيّة و أيّ برج سماوي. و هنا يطرح هذا السؤال: هل أنّ الأشخاص الّذين سألوا عن الاهلّة كان هدفهم هو الاستفسار عن فائدة هذه التغيّرات او السؤال عن كيفيّة ظهور ا لهلال و تكامله إلى مرحلة البدر الكامل؟ ذهب بعض المفسّرين إلى الاحتمال الأوّل، و البعض الآخر ذهب إلى الثاني و أضاف: بما أنّ السؤال عن الأسباب و علل التغييرات ليست ذات فائدة لهم و لعلّ فهم الجواب أيضا سيكون عسيرا على أذهانهم، فلهذا بيّن القرآن النتائج المترتبّة على تغييرات الهلال لكي يتعلّم الناس أن يتوجّهوا دوما صوب النتائج. ثمّ إنّ القرآن أشار في ذيل هذه الآية و بمناسبة الحديث عن الحجّ و تعيين موسمه بواسطة الهلال الّذي ورد في أوّل الآية إلى إحدى عادات الجاهليّين الخرافيّة في مورد الحجّ و نهت الآية الناس عن ذلك، حيث تقول: (وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). ذهب كثير من المفسّرين إلى أن الناس في زمن الجاهليّة كانوا يمتنعون لدى لبسهم ثياب الإحرام من الدخول في بيوتهم من أبوابها و يعتقدون بحرمة هذا العمل، و لهذا السبب فإنّهم كانوا يفتحون كوّه و ثقب خلف البيوت لكي يدخلوا بيوتهم منها عند إحرامهم، و كانوا يعتقدون أنّ هذا العمل صحيح و جيّد، لأنّه بمعنى ترك العادة و الإحرام يعني مجموعة من تروك العادات فيكتمل كذلك بترك هذه العادة. و يرى بعضهم أنّ هذا العمل كان بسبب أنّهم لا يستظلّون بسقف في حال الإحرام، و لذلك فإنّ المرور من خلال ثقب الحائط بالقياس مع دخول الدار من الباب يكون أفضل، و لكنّ القرآن يصرّح لهم أنّ الخير و البر في التقوى لا في العادات و الرّسوم الخرافيّة، و يأمر بعد ذلك فورا بأن يدخلوا بيوتهم من أبوابها.