اعلام خاصة : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ الجنس : عدد المساهمات : 56607 تاريخ التسجيل : 16/10/2011 الموقع : الاسكندرية المزاج : مشغول
موضوع: الصبر في طلب العلم ( سورة الكهف) الثلاثاء 8 مارس 2016 - 11:05
سورة الكهف »وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقباً ء فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا ء فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا, قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ء قال ذلك ما كنا نبغِ فارتدا على آثارهما قصصا ء فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ء قال له موسى: هل أتبعك على أن تعلمني مما عُلّمت رشدا ء قال: إنك لن تستطيع معي صبرا ء وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ء قال ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً ء قال: فإن اتبعتني فلا تسئلني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ء فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمرا ء قال: ألم أقل إنَّك لن تستطيع معي صبرا ء قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا ء فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً فقتله قال: أقتلت نفساً زكية بغير نفس لقد جئت شيئاً نكرا ء قال: ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ء قال: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ء فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبو أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال: لو شئت لتخذت عليه أجرا ء قال: هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ء أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ء وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفرا ء فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة وأقرب رحما ء وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطِع عليه صبرا«(1). شرح المفردات: الحقب: ثمانون سنة مجمع البحرين: ملتقى بحريّ فارس والروم. الحوت: السمك. زكية: طاهرة من الذنوب. رحما: رحمة. سربا: مسلكا. نصبا: عناء. إمرا: عظيما. نكرا: منكرا. يبلغا أشدهما: الحلم وكمال الرأي. الشرح: إن طلب العلم من أشرف الأعمال التي يقوم بها الإنسان أثناء مسيرته الحياتية. ولأهمية العلم في حياة البشر نرى الباري عز وجل قد أولاه إهتماماً خاصاً، وقد ورد فيما نقل عن رسول اللّه(ص)، أن نطلب العلم من المهد إلى اللحد، ولكن هناك آداباً لطلب العلم يفترض مراعاتها بيّنتها الشريعة الغراء وألمح إليها القرآن الكريم. في سياق قصصي رائع. والقصة هي قصة النبي موسى(ع) والعبد الصالح الخضر(ع). حيث إن موسى (ع) وبوحي من الله عز وجل أراد أن يطلب العلم من هذا العبد العارف فقصده مسافراً إليه، واصطحب معه فتاه يوشع بن نون ليستعين به على مواجهة مصاعب الطريق، فركبا البحر يشقّان أمواجه لبلوغ غايتهما وكان معهما حوتاً مقدداً. العزم والإصرار ثم اللقاء: لقد كان لدى موسى (ع) علامات عن المكان الذي يقطنه العبد الصالح.. ومن علامات ذلك المكان أنه تدب فيه الحياة حتى في الجسد الميت، وكان موسى (ع) وفتاه قد كابدا الكثير من المشقات في السفر. ولكن عزم النبي موسى (ع) كان أشد من الصعاب حيث قال: »لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقباً«. لأنَّه مستعد للسعي في طلب العلم ولو استغرق ذلك عشرات السنين.. بل إنه(ع) قد خاض لأجل ذلك لجج البحار.. ونتيجة هذا الإصرار والعزم الذي أكده موسى (ع) بتحّمل أشد المصاعب، فقد فارق أهله وركب البحار وتجشّم عناء السفر والسعي في سبيل التعليم، رغم انه قد بلغ سناً كبيراً وبعد أن أصبح رسولاً وقبلة للمتعلمين.. وفي لحظة التعب والجوع قال موسى(ع) لفتاه: »... آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً«. لكن الفتى وجد أن السمكة الكبيرة التي أعداها لغدائهما قد عادت حيّة ورجعت إلى الماء.. فعاد الفتى مسرعاً إلى سيده ليخبره بذلك.. عندها انفرجت أسارير موسى (ع) ونسي جوعه وتعبه.. إنها العلامة التي كان ينتظرها.. إنه المكان الذي سيلاقي فيه معلمه.. وردّ على فتاه: »ذلك ما كنا نبغِ«. وأخذ موسى وفتاه يجولان في ذلك المكان علّهما يصادفان ذلك العبد الصالح.. وبينما هما كذلك.. إذ بموسى تقع عيناه على رجل ممّدد على الأرض، غارق في صمت طويل.. هل يمكن أن يكون هذا الرجل الذي لا يملك شيئاً من متاع الدنيا إلا غطاءً قصيراً لا يكاد يغطي الرأس والقدمين معاً.. هل يمكن أن يكون هذا الإنسان هو العبد الصالح الخضر.. الرجل الذي كابد لأجله كل هذه المشاق.. نعم انه هو. عرض.. ورد: فاقترب النبي موسى (ع) من الخضر (ع) قائلاً بتواضع: »هل اتبعك على أن تعلمني مما عُلِّمت رشداً«. عبارة أفرغ فيها موسى كل أدبه وسموّ خلقه طالباً من الخضر (ع) مستخدماً صيغة السؤال (هل اتبعك) حيث عبر بحكمة عن أهم أغراضه وهي أن يتخذ الخضر (ع) مربياً وقدوة مقدّماً لهذا الهدف على التعلم.. ثم طلب إليه: »على أن تعلمِّني مما عُلِّمت رشداً«. خاطبه مخاطبة التلميذ المُقر بفضل وسمو مقام أستاذه وأحقِّيته بموقع المعلم والمربي واصفاً ما يحمل أستاذه من العلم بما يستأهله »بالرشد«.. ولكن هل يكفي ليصبح موسى (ع) أهلاً لأن يكون تلميذاً في مدرسة الخضر(ع) أن يتحمل مشاق الغربة والسفر والجوع والنصب والتواضع والإحترام للمعلم والمربي.. وهل تكفي معرفة الهدف من التعلّم. فالمقام الذي يسعى إليه موسى (ع) والعلم الذي يطلبه ليس عادياً بل إنه مقام رفيع مؤونته صبر تنوء به الجبال ومقام لا يناله إلا ذو حظ عظيم.. ولذا جاء جواب الخضر (ع): »انك لن تستطيع معي صبراً. وكيف تصبر على ما لم تُحطِ به خبرا«. ولكن شغف موسى بالعلم.. وتوقه إلى هذا المقام الذي حمله على تحملّ المعاناة دفع إلى ان يعاهده قائلاً: »ستجدني إن شاء الله صابراً، ولا أعصي لك أمراً«. وجاءت الموافقة وقال العبد الصالح مشترطاً: »فإنْ اتبعتني فلا تسئلني عن شيءٍ حتى أُحِدث لك منه ذكراً«. وفي هذه العبارات كان الدرس الأول وهو أن على موسى أن يتروى في تحصيل العلم وأنّ له أن لا يتعجَّل فالأمور مرهونة بأوقاتها والمربي المعلم أعلم بذلك. الإمتحان الأول: وانطلق موسى يتبّع الخضر (ع) ليتعلّم من سيرته، فبلغا ساحل البحر، فوجدا سفينةً تريد أن تعبر فحمل أصحابها معهم موسى (ع) وفتاه والعبد الصالح متفائلين بسيماء الصلاح في وجوههم.. وبيّنما السفينة في رحلتها منطلقة في عرض البحر.. حدث حادث أذهل موسى.. ها هو الخضر (ع) يقوم بخرق جانب السفينة، ثم يحشوها بالخرق والطين! ولكن هل من المعقول أن يقابل إحسان هؤلاء الناس أصحاب السفينة بإحداث عيب في سفينتهم.. فاستشاط موسى غضباً عندما رأى ذلك فقام وخاطب الخضر(ع): »أخرقتها لِتُغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً«. ولكن الخضر (ع) ذكّر موسى (ع) بعهده له: »ألم أقل لك أنك لن تستطيع معي صبرا«. فالتفت موسى وواخذ نفسه معتذراً إلى معلمه بالقول: »لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً«. الإمتحان الثاني: وبعد ان تركوا السفينة أخذ الثلاثة في السير.. حتى وصلوا إلى مكان فيه غلام يلعب، فقام الخضر إلى الغلام فقتله.. فتملك الغضب من موسى وهو يرى هذا المشهد فقال: »أقتلت نفساً زكيّة بغير نفس لقد جئت شيئاً نكراً«. ولكن الخضر (ع) أعاد ما قاله لموسى (ع) أولاً: »ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا«. وهنا انتبه موسى (ع) فقدم إليه إعتذاره الثاني والأخير: »إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذراً«. الإمتحان الأخير: وانطلقا حتى وصلا إلى قرية وكانا جائعين فطلبا طعاماً من أهل القرية فلم يضيفوهما.. وفي هذا الجو نظر الخضر (ع) فإذا بحائط قد مال وهو يوشك على السقوط فقام الخضر(ع)إليه فأقامه وأصلحه فقال له موسى: »لو شئت لتخذت عليه أجراً«. فجاءه الجواب: »هذا فراق بيني وبينك«. أجوبة على التساؤلات: ولكن الخضر (ع) وهو المعلم لا يمكن أن يترك تلميذه حائراً دون أن يبين له حقائق الأمور فقال: ».. سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً، أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً، وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفرا، فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة وأقرب رحما، وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا«. عبر من القصة 1 إن طلب العلم يصنع في الإنسان الإخلاص والعزم وعدم السقوط أمام الصعوبات. 2 الصبر على تعلم العلم أهم وسائل تحصيله. 3 من أهم آداب طلب العلم عدم الاستعجال في تحصيله وانتظار المعلم حتى يبين له الشائك منه وعدم اللجاجة والعجلة بالسؤال. 4 إن الكثير من الأمور قد تكون في ظواهرها سيئة وقاسية إلا أن بواطن الأمور فيها الكثير من اللطف الإلهي بالعباد ولذا فإن على العبد أن لا يقف على ظواهر الأمور ثم يسيىء الظن بأحكام الله وتصرفات آوليائه. 5 إن واجب المعلم أخيراً أن لا يترك أي تساؤل في ذهن الطالب نعم له ان يوقت الكشف عن الحقائق بما يلائم مهمة التعليم وفائدته. حكمة للحفظ عن أمير الحكمة والبيان علي بن أبي طالب (ع): »من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل ابداً«.