في عام 1895، اشترى هنري فريك لوحة بوغورو المسمّاة فتاة شقيّة مقابل خمسة آلاف دولار. كان وجه الفتاة في اللوحة يذكّر الرجل بملامح ابنته المتوفّاة. وقد احتفظ باللوحة طوال حياته. ولا بدّ وأنه كان يرى فيها شيئا أعمق بكثير من الوجه الملائكي الذي تصوّره. كان الأمر اكبر من مجرّد عاطفة جيّاشة يكنّها أب حنون لذكرى ابنته الراحلة. وبعض الناس يحرّك مشاعرهم رؤية مثل هذه اللوحات لأطفال، بصرف النظر عن الأحلام والخيال أو الواقع. أفول نجم بوغورو وغيره من أتباع الفنّ الكلاسيكي والأكاديمي ظاهرة لافتة. وهي كانت وما تزال مبعث حيرة بالنسبة للكثيرين. وقد راج في بعض الأوساط حديث عن "مؤامرة ما" قيل إنها حيكت على امتداد المائة عام الماضية واستهدفت تشويه وتحطيم رموز الفنّ الأكاديمي والكلاسيكي الذي كان سائدا حتى نهايات القرن التاسع عشر. وحسب هذه المؤامرة المتخيّلة، فقد أسهمت في هذا الجهد الصحافة والقوى المتحكّمة بالفنّ والثقافة التي أصبحت تفرض قبضتها الحديدية على المؤسّسة الفنّية العالمية. وكان هناك تنسيق محكم وناجح لإزاحة كل ما له صلة بالطرق والأساليب اللازمة لتدريب فنّانين مهرة وبارعين. ونتيجة لذلك، ألقي بتراث خمسة قرون من المعلومات الفنّية والنقدية في سلّة المهملات. كما يستغرب القائلون بنظرية المؤامرة كيف أن مدرسة الحداثة التي تدعمها شبكات مصالح واسعة ومعقّدة أصبحت تسيطر اليوم بشكل كامل ومطلق على آلاف المتاحف والجامعات والمؤسّسات الفنّية حول العالم وعلى حركة النقد في الصحافة ووسائل الإعلام المختلفة. بنظر منتقديه، كان وليام بوغورو مجرّد رسّام فيكتوري كان يرسم الفتيات الصغيرات اللاتي تزيّن شعورهنّ الأزهار وتكتسي ملامحهنّ بالطيبة والبراءة. لكن هذا لا ينفي حقيقة انه كان رسّاما خاصّا ومتميّزا. أسلوبه الفنّي كان انعكاسا لأذواق الناس في زمانه. وهو كان يرسم بتلك الطريقة لأنه كان يريد أن يعيش ويكسب رزقه. صحيح أن أعماله، وبقدر ما، لم تعد تجاري الذوق السائد الآن. لكن بعض اشدّ منتقديه يشهدون له بأنه كان أفضل من أيّ فنّان جاء قبله من حيث معرفته بأسرار الألوان وطرق مزجها وتوظيفها في الرسم.