أصبح الإجهاد كارثة تؤرق مضجع العديد من الناس، مهما اختلفت أعمارهم وأعمالهم. فهو مشكلة يعاني منها الطفل الذي يدرس، والمراهق كما يعاني منها العامل والأجير والآباء والأمهات. ودائما ما يشتكي الناس من الإجهاد، فيصفونه بصفات قدحية، إلا أنه من الممكن في بعض الحالات أن تكون له آثار إيجابية. كيف إذن يمكن التمييز بين الإجهاد السلبي، والإجهاد الإيجابي؟ وكيف نعمل على تجنب التبعات السلبية لهذا العبء الذي صار يلاحقنا كل يوم؟ هذا ما سنجيبك عنه في هذا المقال.
يعتبر الإجهاد (أو الإرهاق) حالة من التوتر والتعب الفكري، أو الجسدي أو العاطفي تحد من قدرات الإنسان وتجعله يعاني من الاضطراب والإرهاق. وتشير الإحصائيات إلى أن الإرهاق يصيب عاملين من بين 3 عمال. ورغم الجهود التي تقوم بها مديريات الموارد البشرية لاستباق الإرهاق والحد من تأثيره
السلبي، إلا أنها تظل بعيدة وعاجزة عن تحقيق نتائج ملموسة. فمعظم العمال يفقدون طاقتهم وانتاجيتهم، حيث لا يمكنهم العمل بشكل مركز سوى لمدة لا تجاوز نصف مدة عملهم يوميا، وذلك بسبب الإرهاق المتزايد الذي يصيبهم. وإذا استمر الحال على ما هو عليه، فإن هذه الإحصائيات والأرقام مرشحة للارتفاع، مما يثير قلق العمال والمشغلين على حد سواء.
ما هي أسباب الإجهاد؟
قبل الحديث عن التمييز بين الإجهاد الإيجابي والسلبي، وعن مضار الإجهاد، ينبغي أولا تحديد مصدر الإرهاق وأسبابه. هذا يتطلب منك أن تنفردي بنفسك حتى تتمكني من التركيز، ثم أن تسألي نفسك عن الأشياء التي تسبب لك إرهاقا نفسيا أو جسديا، هل هي تعود لحياتك الشخصية، أم أنها تتعلق بطبيعة عملك، أو أن هناك أسباب أخرى وراءها.
فإذا نجحت في تحديد السبب، سهل عليك فيما بعد أن تجدي حلولا تحد من تأثير الإجهاد عليك. في معظم الأحيان، يعتبر العمل هو السبب الرئيسي وراء الإرهاق، حيث أن كثرة الأشغال مع ضيق الوقت تجعل الإنسان يلهث ويجري للعمل على تحقيق أهدافه، إلا أن هذا العمل المجهد له تأثيرات سلبية على المدى البعيد لأن الجسم يفقد قدراته مع مرور الوقت ويصبح غير قادر على مسايرة كمية الأعمال المرتفعة. وإذا استمر الإنسان في إلزام نفسه بمجهود كبير رغم تقدمه في السن، فإن هذا قد يسبب له أمراضا على مستوى العضلات أو القلب والشرايين، أو آلاما مزمنة في الظهر، كما أنها قد تسبب اكتئابات حادة نتيجة عدم القدرة على مسايرة وتيرة العمل المرتفعة.
كيف يمكن إدارة الإجهاد والتعامل معه؟
لا يمكن القول بأن هناك حلا جذريا لاجتثاث الإرهاق من حياة الإنسان وطيه في صفحات النسيان. لكن، هناك بعض الأساليب والأدوات التي تعين على التخفيف من حدته ووطأته. كما أنه لا توجد حلول عامة ناجعة، فلكل حالة أساليب تناسبها بحسب خصوصياتها. النصيحة الأولى التي نقدمها لك هي الحفاظ ما أمكن على صحتك، عبر تناولتغذية متوازنة، وأخذ القسط الكافي من الراحة بالنوم لساعات كافية،
والابتعاد عن الإكثار من شرب المنبهات. كما يمكنك نفض غبار الإجهاد عبر ممارسة نشاط رياضي، لأن الرياضة تفرز هرمونات الإندورفينالتي تشعر بالراحة والسعادة. كما أن بعض المختصين ينصحون الذين يعانون من الإرهاق بالتفكير في الأشياء التي تعجبهم، لتتحرك الطاقة الإيجابية داخلهم فتساعدهم على تجاوز مرحلة الإرهاق التي يعانون منها. وفي هذا الإطار، ينصح بالقيام بحصص من اليوغاوالاسترخاء لمساعدة الجسم والنفس على التخلص من رواسب القلق.
الإجهاد ينظر له دائما بعين السخط، لكنه يمكن أن يكون إيجابيا في بعض الأحيان:
قد يكون للإجهاد تأثيرات إيجابية، تزيد من تحفيزك وتشجيعك، فتساعدك على تقديم أفضل ما عندك. ويمكن وصف هذا النوع منالإجهاد بكونه يبعث في النفس والجسم مقدارا معتدلا من التوتر يدفعك للعمل ويعطيك دفعة قوية للتحكم بقدراتك ومهاراتك بشكل جيد، وبهذا فهو يمكنك من ولوج "منطقة الأداء المثالي".
وهكذا، يكون تركيز فكرك في هذه الحالة مرتفعا، ويصب المجهود المبذول كليا في تحقيق ما تصبين إليه. فلا يكون هناك أي هدر للطاقة والمجهود. ولا يدوم الإجهاد الإيجابي سوى فترات محدودة، لأنه يستنزف طاقة الجسم والفكر، ويتطلب فترة لاسترجاع الطاقة المبذولة. وهذا النوع من الإجهاد أقل ورودا من الإجهاد السلبي، وغالبا ما يواكب مراحل مهمة في الحياة كالتخرج من الدراسة، أو مسابقة مهمة، أو عند انتظار مولود جديد.