تخيير الزوجات : أقبل أبو بكر رضى الله عنه يستأذن على رسول الله والناس ببابه جلوس ، والنبى جالس فلم يؤذن له . ثم أقبل عمر رضى الله عنه فاستأذن فلم يؤذن له .. ثم أذن لأبى بكر وعمر فدخلا والنبى صلى الله عليه وسلم جالس وحوله نساؤه وهو صلى الله عليه وسلم ساكت ..فقال عمر : لأكلمن النبى صلى الله عليه وسلم لعله يضحك وعمر يتحرى إدخال السرور على النبى ليخرجه من هذا الجو الحزين والناس يجلسون خارج البيت ينتظرونه إنكشاف هذه الغمة مما يدل على مدى حبهم جميعاً وتعلقهم بالرسول صلى الله عليه وسلم . فقال عمر : يا رسول الله .. لو رأيت ابنة زيد ..إمرأة عمر .. سألتنى النفقة آنفاً فدققت عنقها .. فضحك النبى صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال :-" هن حولى يسلننى النفقة "
فقام أبو بكر إلى عائشة ليضربها ، وقام عمر إلى حفصة كلاهما يقولان: أتسألان النبى صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده ؟فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن : والله لا نسأل رسول الله بعد هذا المجلس ما ليس عنده ..وأنزل لله عز وجل الخيار .. فبدأ الرسول بعائشة فقال : " إنى اذكر لك أمراً ما أحب أن تعجلى فيه حتى تستأمرى أبويك " قالت : - وما هو ؟ فتلا عليها :-" يا أيها النبى قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً "
الأحزاب 28،29
قالت عائشة : أفيك استأمر أبوىَّ ؟ بل اختار الله تعالى ورسوله ، وأسألك ألا تذكر لامرأة من نسائك ما اخترت . فقال صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى لم يبعثنى معنفاً ، ولكن بعثنى معلماً ميسراً لا تسألنى امرأة منهن عما اخترت إلا أخبرتها "
ثم خير نساءه كلهن ، فقلن مثل ما قالت عائشة أخرجه البخارى ومسلم
وانتهت هذه المحنة .. اختزن الرسول ولم يعتبرها عليهن شيئاً أى لم يعتبرها طلاقا ومراجعة ..وقال عروة : -ما رأيت أحداً أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة ولو لم يكن لعائشة من الفضائل إلا قصة الإفك لكفى بها فضلاً وعلو مجد ، فإنها نزل فيها من القرآن ما يتلى إلى يوم القيامة .. فما هى قصة الإفك ؟ والإفك معناه الكذب والإفتراء وقلب الحقائق وهذا ما حدث لأم المؤمنين الطاهرة المطهرة بنت الصديق وزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الدنيا والآخرة . كما أخبره جبريل عليه السلام حينما جاء بصورتها للنبى صلى الله عليه وسلم.كان رسول الله إذا أراد أن يخرج سفراً أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه .قالت عائشة :فأقرع بيننا فى غزاة ([1]) غزاها فخرج فيها سهمى ، فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب.فأنا أُحملَ فى هودجى وأنزل فيه مدة سيرنا . حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوه وقفل راجعا ودنونا من المدينة أُذِنَ ليلة بالرحيل فقمت حين آذنونا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش ، فلما قضيت شأنى أقبلت إلى الرحل فلمست صدرى فإذا عقد من جزع ([2]) ظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدى فحبسنى ابتغاؤه (البحث عنه)وأقيل الرهط (الرجال) الذين كانوا يرحلون بهودجى فحملوا هودجى فرحلوه على بعيرى الذى كنت أركب وهم يحسبون أنى فيه. قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلن باللحم ، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه فرفعوه. وكنت جارية حديثة السن. فساروا بجمل لست فيه ، ووجدت عقدى بعد ما استمر الجيش فجئت مكان نزول الجيش وليس به أحد.. لا داع ولامجيب فتيممت منزلى الذى كنت فيه وظننت أن القوم سيفقدونى فيرجعون إلىَّ .فبينما أنا جالسة فى منزلى غلبتنى عينى فنمت .. وجاء صفوان بن المعطل وكان قد تأخر عن الجيش فرأى سواد إنسان نائم فأتى فعرفنى حين رآنى وقد كان يرانى قبل أن يضرب الحجاب فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون فاستيقظت وخمرت وجهى بجلبابى .. والله ما كلمنى كلمة ولا سمعت منه كلمة غير قوله: إنا لله وإنا إليه راجعون ..فأناخ راحلته فركبتها فانطلق يقود بى الراحلة حتى أتينا الجيش بعد أن نزلوا موغرين فى نحر الظهيرة .. فهلك من هلك فى شأنى وكان الذى تولى كبره عبد الله بن أُبىُ بن سلول ..الناس تتحدث وهى لا تدرى :قالت : قدمت المدينة فاشتكيت ومرضت شهرا والناس يفيضون فى قول أهل إلافك ولا أشعر بشئ من ذلك افتقادها ملاطفة الرسول:قالت : كان يريبنى فى مرضى أنى لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذى كنت أرى منه حين أشتكى كيف تيكم !كان يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقول :كيف تيكم ؟!كلمة لم أتعودها منه فكان ذلك يحيرنى ولا أشعر بالشر تعس مسطح!فلما نقهت وبرئت من مرضى خرجت وخرجت معى أم مسطح لقضاء حاجتنا ، وكنا لا نخرج إلا ليلاً إلى ليل ، وذلك قبل أن نتخذ الكنف (المرحيض) قريباً من بيوتنا ، وأمرنا أمر العرب الأول فى التنزه . وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا .. فانطلقت أنا وأم مسطح - وهى بنت أبى رهم بن المطلب بن عبد مناف - وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبى بكر الصديق رضى الله عنها - وأبنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب ..وبعد أن قضينا حاجتنا وفى طريق عودتنا عثرت أم مسطح فقالت : تعس مسطح !قلت لها : بئس ما قلت ، تسبين رجلا قد شهد بدرا ؟قالت : أو لم تسمعى ما قال ؟قلت : وما ذاك ؟فأخبرتنى بقول أهل الإفك . فازددت مرضا إلى مرضى فلما رجعت إلى بيتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال :كيف تيكم ؟ قلت : أتأذن لى أن آتى أبوى ؟وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما فأذن لى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أبوى فقلت لأمى : يا أمتاه عن ماذا يتحدث الناس ؟فقالت : أى بنية هونى عليك ، فوالله لقلما كانت امرأة قط حظية عند زوجها ، ولها ضرائر إلا أكثرن عليها القول.قلت : أى سبحان الله .. أوقد تحدث الناس بهذا ؟فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا ترقأ لى دمعة ولا أكتحل بنوم ، ثم أصبحت أبكى ــــــــــــــ
استشارة على وأسامة :دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحى (تأخر) يستشيرها فى فراق أهله فاما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذى يعلم من براءة أهله ، وبالذى يعلم فى نفسه لهم من الود .فقال : يارسول الله هم أهلك ولا أعلم إلا خيراوأما على بن أبى طالب رضى الله عنه فقال :لن يضيق الله عليك والنساء سواها كثير ، وإن تسأل الجارية تصدقكفدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الجارية بريرة فقال : أى بريرة ، هل رأيت من شئ يريبك من عائشة ؟قالت له بريرة : لا والذى بعثك بالحق نبياما رأيت عليها أمرا قط أغمضه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فيأتى الداجن فيأكله ..الرسول يشكو من ابن أبى : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر من عبد الله بن أُبىُ بن سلول فقال وهو على المنبر :يا معشر المسلمين . من يعذرنى من رجل قد بلغنى أذاه فى أهل بيتى ؟ فوالله ما علمت على أهلى إلا خيرا.ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيرا .. يقصد صفوان بن المعطل وما كان يدخل على أهلى إلا معى فقام سعد بن معاذ الأنصارى فقال :أنا أعذرك منه يا رسول الله ، إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا فقبلنا أمرك فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية فقال لسعد بن معاذ : لعمرك لا تقتله ولاتقدر على قتلهفقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ :فقال : كذبت ، والله لنقتلنه ، فإنك منافق تجادل عن المنافقينفثار الحيان : الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا و رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر .فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت قالت عائشة -رضى الله عنها- : وبكيت يومى ذلك لاترقأ لى دمعة ولا أكتحل بنوم، وأبواى يظنان أن البكاء فالق كبدى ثم بكيت ليلتى المقبلة لا ترفأ لى دمعة ولا أكتحل بنوم فبينما والداى جالسان عندى وأنا أبكى استأذنت علىَّ امرأة من الأنصار ، فأذنت لها فجلست تبكى معى
([1]) غزاة : هى غزوة بنى المصطلق([2]) الجزع : الخرز مظفار : مدينة باليمن ينسب لها الخرز