للهموم وجوه كثيرة أسوأها الوقوف عند حافة اليأس وفقدان الأمل في الآونة الأخيرة زار قلبي ضيف ثقيل لا يكاد يبرح مقامه فقد ابتليت بأمر أرهقني فالغم لازمني والحزن صاحبني والهم أحرق مقلتي والدمع أغرقني... الفرح إن حضر يوما غاب بقية أيامي, القلب بحرارة يشتكي وينادي الذي أهمني ولكن لا حياة لمن ينادي فبقي الألم يواسيني والظلام يحضنني... نظرت للسماء شاكيا همي ألتمس املا لكني وجدتها مليئة بالغمام كأنها محملة بالغموم وكافة أنواع الهموم... و نظرت للأرض باكيا قلبي وجدت الحب فيها سرابا والقلوب مملوءة حقدا و عذابا... فقدت ما أريد وأقام في قلبي كل هم كئيب وفقدت الكنز الثمين وكدت أفقد اليقين إلا أني رفضت الإنكسار ووجهت وجهي للعزيز القدير له الحمد والثناء مقتديا بالأنبياء... فتحت المصحف فسبحان الله وقع بصري على الآية: " وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى" هاج قلبي وضج وأحسست بأن الخطاب موجه لي: "يا أيها المهموم الكسير يا أيها المغموم الحسير... يا أسير الاحزان أبشر ثم أبشر ثم أبشر فما ودعك ربك... إذا غطى ظلمة الحزن بجلبابه نهارك وأطبق الغم بجناحيه عالمك فلسوف يعطيكربك وترضى... إن عصفت بك عواصف الهم وزلزل قلبك الغم وأغرقك أمواج الحزن واجتمعت عليك المصائب ونوائب الدهر وكثر عليك المصاعب فاهتف باسم رب المشارق والمغارب الذى لا ينام ولا يغفل ولا يغلق بابه وستزول كل تلك المتاعب... إن ضاق صدرك بالهموم والغموم فاهتف يا حي يا قيوم وارضى بالمقسوم... وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى يا عبد الله ربك أعلم بك منك وأعلم بمصابك وبلواك ويعلم متقلبك ومثواك ومأواك ويسمع دعائك و نجواك ... سيكفيك ربك العظيم... نعم سيكفيك ربك الكريم وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى إن لم ينفعك الأقارب والأنساب و تقطعت بك الأسباب فما ودعك ربك وما قلاك... إن فقدت عزيز وإن فارقك حبيب فالله منك قريب وأقرب اليك من حبل الوريد... وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى إذا الهم طغى وبغى وكل من صاحب رجوته اتبع هواه فهوى وغوى وودعك وقلى والفرح اختفى وتولى فاذكر شديد القوى محيى الموتى الذي أنشأك النشأة الأولى فهو قادر على أن يعيدك سيرتك الأولى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى إن ابتليت بمصيبة تحل النقم وذنوب تغير النعم وحرمان ورث الندم وإن زللت للحصول على مريدك وذكرت الله فهو يغفر الزلة ويضع عنك وزرك وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى إن كنت في أمرك في حيرة عمياء وأذن الآخرين عن سماعك صماء وأصابتك الضراء فاعلم أن ربك يسمع ويرى ولسوف يعطيك ربك فترضى وليذيقنك نعماء بعد ضراء... إن كنت في زمرة المحزونين ذوي القلوب المنكسرة الخاشعة الصادقة فالله يغيث المنكوبين وينصر المستضعفين والصادقين ويجيب دعوة المضطرين رب إذا سئل لا يرد سائله وإذا رجي لا يخيب رجاءه أهل التقوى وأهل المغفرة... وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى إن أظلمت أمامك الدروب اشتدت الخطوب والكروب فاذكر علام الغيوب بالخضوع و الخشوع ليشع قلبك نورا يمتلئ صدرك سرورا وحبورا فمنك الدعاء و منه الإجابة فهو ربك الأعلى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى فان كان الله لم يعييه كل هذا الكون وكل هذا الخلق ايعييه همك ولكن عليك باغتنام الثلث الأخير في غياهب السحر تحت ظلال الصمت حين ينزل رب العزة نزولا يليق بجلاله لزمت الإستغفار ودعوت العزيز الجبار بسهام الليل مستخدما بريد الإنكسار لتبعث بشكواك من الخلق لا من الخالق إلى محكمة العدل في السماء ورفعت يدك وبسطت إليه أكف الضراعة اللهم أشكوا همي وبثي وحزني إلى قاضي السماء من قاضي الأرض الذي عاملني بجفاء وأنا غارق بدموعي بكل جهد وعناء... قل: " اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك الحنان المنان بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام يا حي يا قيوم يا رب أدعوك دعاء الغريق في بحر همومه الذي لا يجد كشف ما هو فيه إلا أنت فيا رب لا تترك عبدك هالكا... اللهم يا الله برحمتك أستغيث من غيرك أستغيث اللهم أغلقت الأبواب إلا بابك خاب الرجاء إلا في جنابك وإنقطعت الآمال إلا فيك وخشعت الأصوات إلا صوتك, اللهم يا مقلب القلوب اللهم يا علام الغيوب اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي، وهواني على الناس. يا أرحم الراحمين إلى من تكلني؟ إلى عدو يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري؟ إن لم تكن ساخطا علي فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي أعوذ بنور وجهك الكريم الذي أضاءت له السموات والأرض، وأشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن تحل علي غضبك أو تنزل علي سخطك، ولك العتبى حتى ترضى،