العسل يشفي الجسد والقرآن يشفي النفوس:
كيف أن العسل كما قال الله عز وجل:
﴿ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ (69) ﴾
( سورة النحل )
كذلك القرآن فيه شفاء للنفوس، العسل يشفي الجسد، والقرآن يشفي النفوس، كيف يشفي النفوس ؟ سافرت إلى بلد غربي، بلد جميل جداً، أمطاره بآلاف المليمترات، وغابات عملاقة، كنت في بلد في أمريكا الشمالية حول المدينة يوجد مليون بحيرة وكل بحيرة على مد النظر أكبر تجمع مائي في العالم، زرت مرة جنوب أمريكا في البرازيل شلال كثافته بالثانية مليون وأربعمئة ألف متر مكعب، شلالات عملاقة، تركب الطائرة سبع ساعات غابات، بلاد جميلة، خيرات وفيرة، حريات عجيبة، كل شيء بأعلى درجة لا يصلون، ويكفرون، ويرتكبون الفواحش والآثام، وفي الظاهر مرتاحون، هذا البلد يعمل لك أزمة نفسية، تقرأ القرآن:
﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً ﴾
( سورة الأنعام الآية: 44 )
هذه الآية شفاء للصدور، تجد بلداً عليه ضغط شديد تقرأ القرآن:
﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) ﴾
( سورة القصص )
ترتاح تقرأ قوله تعالى:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
( سورة النحل الآية: 97 )
تقرأ قوله تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وابشروا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾
( سورة فصلت )
فيها شفاء للصدور.
**
الإسلام نعمة كبيرة منّها الله على الإنسان:
تقرأ قوله تعالى:
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) ﴾
( سورة السجدة)
والله نعمة إذا كنت مؤمناً، تقرأ قوله تعالى:
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ﴾
( سورة القلم )
والله أنت في نعمة كبيرة ما دام أنت مسلم، تقرأ قوله تعالى:
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾
( سورة الجاثية )
تتألق، تقرأ القرآن يطمئنك:
﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة الروم )
﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾
( سورة الطور الآية: 48 )
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ (4) ﴾
( سورة الحديد)
﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة الأنفال )
مع المتقين، مع الصادقين، مع التوابين، مع المتطهرين، هذا شفاء للصدور.
***
إذاً أخطر أنواع الهجر ألا تتلوه، وألا تسمعه، وألا تصغي إليه، وألا تؤمن به، الهجر الأقل، أن تهجر العمل به، والوقوف عند حلاله وحرامه، الهجر الثالث أن تهجر أن تحتكم إليه، الهجر الرابع أن تهجر تدبره، أن تعرض نفسك على كل آية أين أنت منها ؟ الهجر الخامس أن ترفض أن تستشفي بالقرآن الكريم، مثلاً تجد أمة قوية تخطط لبناء مجدها على أنقاض الشعوب، بناء عزها على إذلال الشعوب، حريتها على قهر الشعوب، حياتها على موت الشعوب، غناها على فقر الشعوب تتألم، تقرأ القرآن:
﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ﴾
( سورة يونس الآية: 49 )
تقرأ القرآن:
﴿ لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ(196)مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ(197) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَواْ رَبَّهُمْ ﴾
(سورة آل عمر
تقرأ القرآن ترتاح:
﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) ﴾
( سورة إبراهيم )
شيء جميل، تقرأ القرآن:
﴿ َقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾
( سورة إبراهيم )
ثم تقرأ قوله تعالى:
﴿ وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ﴾
( سورة آل عمران الآية: 120 )
شيء جميل جداً، أيها الأخوة، هذا أحد أنواع الهجر أن تهجر الاستشفاء به، استشفاء النفس بالقرآن، أن تهجر تدبره، تفهمه، أن تهجر تحكيمه في أمورك، أن تهجر العمل به، أن ترفض تلاوته، وسماعه، والإصغاء إليه، والعمل به.
***
حق تلاوة القرآن الكريم أن يتلوه الإنسان وفق قواعد اللغة العربية ووفق قواعد التجويد:
أيها الأخوة، حينما يقول الله عز وجل:
﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ﴾
( سورة البقرة الآية: 121 )
ما حق تلاوته ؟ بالمقابل، حق تلاوته أن تتلوه وفق قواعد اللغة العربية، لذلك قال سيدنا عمر: " تعلموا العربية فإنها من الدين "، هناك آيات كثيرة حركة واحدة فيها يصبح المعنى خطيراً جداً:
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ (28) ﴾
( سورة فاطر الآية: 28)
مفعول به مقدم، فاعل مؤخر، لو إنسان قال: إنما يخشى اللهُ، المعنى فاسد:
﴿ وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى ﴾
( سورة التوبة الآية: 40 )
الآن لو قلت: وكلمة الله، أي الله عز وجل جعل كلمته عليا بعد أن كانت والعياذ بالله، المعنى فاسد:
﴿ وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى ﴾
، وقف،
﴿ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ﴾
دائماً، جملة استئنافية مبتدأ وخبر،
﴿ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ﴾
إذاً أنت حينما تقرأ القرآن وفق قواعد اللغة، أحياناً الإنسان بحركة واحدة ينتقل من الجنة إلى النار، قال أحد الصحابة قبل أن يقتل:
ولست أبالي حينما أُقتل مسلماً على أي جنب ألقى في الله مصرعي
* * *
أما إذا قُرئ هذا البيت:
ولست أبالي حينما أَقتل مسلماً على أي جنب ألقى في الله مصرعي
* * *
إلى جهنم وبئس المصير، حركة واحدة تنقل الإنسان من الجنة إلى النار، فأن تتلوه حق تلاوته، حق تلاوته أن تقرأه وفق قواعد اللغة، ثم أن تتلوه وفق قواعد التجويد إن أمكن، وحق التلاوة أن تفهمه، وحق التلاوة أن تتدبره، أية آية تقرأها تعرض نفسك عليها، هل أنت مطبق لها ؟ وحق التلاوة أن تطبقه.
***
صار تلاوته وفق قواعد اللغة العربية، تعلموا العربية فإنها من الدين، ثم تلاوته وفق قواعد علم التجويد، ثم تلاوته مع فهمه، ثم تدبره، ثم العمل به، هذا معنى قوله تعالى:
﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ﴾
( سورة البقرة الآية: 121 )
ودائماً وأبداً أنت حينما تقرأ " يا أيها الذين آمنوا" يجب أن تشعر أنك معني بالخطاب:
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ (2) ﴾
( سورة الأنفال)
هل أنت كذلك ؟ هل تشعر بالوجل والقلق والخوف حينما تتلو قوله تعالى هذا ؟ التلاوة حق التلاوة أن تتدبره، أن تقول أين أنا منه ؟ لذلك لا يوجد مانع أن تتلو القرآن تلاوة تعبد، كل يوم جزء، و لا يوجد مانع أبداً أن تتلوه مرة ثانية تلاوة تدبر ولو أمضيت بآية ساعة، الكمية ليس لها قيمة هنا القيمة للفهم والتحقق.
***
اكتشاف قوانين القرآن الكريم عند قراءته يؤدي إلى تدبره:
أما أفضل شيء أن تكتشف قوانين القرآن الكريم حينما تقرأه:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
( سورة النحل الآية: 97 )
هذا قانون:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾
( سورة فصلت الآية: 20 )
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾
( سورة طه )
إذا اكتشفت القوانين تكون قد قمت بتدبره بأعلى مستوى، أيها الأخوة الكرام، القرآن الكريم يهجر في خمسة مستويات، ويتلى حق التلاوة في خمسة مستويات، لذلك نحن في شهر القرآن اجعل قراءة تعبدية ثم ضمّ إليها قراءة تدبرية.
والحمد لله رب العالمين