وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) هكذا انتقل الرجاء إلى التنفيذ، وكأن الله تعالى استجاب للرجل المؤمن ولم يكذب توقعه * وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ *[الكهف: 42]* أحيط: كأنْ جعل حول الثمر سوراً يحيط به، فلا يكون له منفذ، كما قال في آية أخرى:* وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ *[يونس: 22]* وتلاحظ أنه سبحانه قال: * وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ *[الكهف: 42]* ولم يقُلْ مثلاً: أحيط بزرعه أو بنخله؛ لأن الإحاطة قد تكون بالشيء، ثم يثمر بعد ذلك، لكن الإحاطة هنا جاءت على الثمر ذاته، وهو قريب الجنْي قريب التناول، وبذلك تكون الفاجعة فيه أشدَّ، والثمر هو الغاية والمحصّلة النهائية للزرع. ثم يُصوِّر الحق سبحانه ندم صاحب الجنة وأَسَفه عليها: * فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا *[الكهف: 42]* أي: يضرب كَفّاً بكفٍّ، كما يفعل الإنسان حينما يفاجئه أمر لا يتوقعه، فيقف مبهوتاً لا يدري ما يقول، فيضرب كفّاً بكفٍّ لا يتكلم إلا بعد أن يُفيق من هَوْل هذه المفاجأة ودَهْشتها. ويُقلِّب كفَّيْه على أيِّ شيء؟ يُقلِّب كفيه ندماً على ما أنفق فيها * وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىا عُرُوشِهَا *[الكهف: 42]* خاوية: أي خَربة جَرْداء جَدْباء، كما قال سبحانه في آية أخرى:* أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىا قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىا عُرُوشِهَا *[البقرة: 259]* ومعلوم أن العروش تكون فوق، فلما نزلت عليها الصاعقة من السماء دكَّتْ عروشها، وجعلت عاليها سافلها، فوقع العرش أولاً، ثم تهدَّمتْ عليه الجدران. وقوله تعالى: * وَيَقُولُ يالَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً *[الكهف: 42]* بعد أن ألجمتْه الدهشة عن الكلام، فراحَ يضرب كفَّاً بكفٍّ، أفاق من دهشته، ونزع هذا النزوع القوليّ الفوري: * يالَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً *[الكهف: 42]* يتمنى أنه لم يشرك بالله أحداً؛ لأن الشركاء الذين اتخذهم من دون الله لم ينفعوه، لذلك قال بعدها: * وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ... *. وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43) أي: ليس لديه أعوان ونُصراء يدفعون عنه هذا الذي حَلّ به، ويمنعون عنه الخراب الذي حاقَ بجنته * وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً *[الكهف: 43]* أي: ما كان ينبغي له أن ينتصر، ولا يجوز له الانتصار، لماذا؟ ثم يقول الحق سبحانه: * هُنَالِكَ الْوَلاَيَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ... *.