اعلام خاصة : الجنس : عدد المساهمات : 35540 تاريخ التسجيل : 25/02/2010
موضوع: ليست كل الأنا ..أنانية الإثنين 12 أكتوبر 2015 - 21:25
ليست كل الأنا أنانية، ولسنا جميعًا نؤمن بـ: "الأنا ومن بعدها الطوفان"، فالأنا عندك قد تكون فخرًا واعتزازًا، وقد لا تكون، والأنا عندي قد تكون تكبُّرًا أوتعاظمًا، وقد لا تكون. عجيبةٌ هي الأنا، ومتنوعة بتنوُّع طبائع البشر وسجاياهم. والأنا قد تتضح بعضُ معالمها فتكشف الكثير عنها؛ كالذي نراه يعدِّد الكثيرَ من أجداده تفاخرًا وتكبرًا على غيره، فهي "أنا" العظمة والفخر بالحسَب والنَّسب؛ كما حدث في عهد نبي الله موسى: أن أحدًا قام بالتفاخر بأسلافِه التسعة، وعدَّهم عدًّا، فأوحى الله إلى نبيِّه موسى: "يا موسى، قل للذي يتباهى بأجداده التسعة، هم في النار، وهو عاشرُهم"، فتلك الأنا عاقبتُها وخيمةٌ ومدمرة تمامًا، مثل "أنا" إبليس لَمَّا قال:﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [الأعراف: 12]، وعلى النقيض نجد الأنا المتواضعة؛ حيث يتمتع صاحبُها بقدر عالٍ من التواضع والرِّفق ولِين الجانب، وتراه خافضًا جَناحه للجميع، وهذه "الأنا" مرغوب فيها، محبَّبة إلى النفس، نتمناها في كل المجتمعات، فالأنا المتكبرة ونقيضتُها المتواضعة نموذجان من الأنا الصارخة التي تتضح بعضُ معالمها، ونتأثر بها نحن بني الإنسان. وقد تستتر الأنا، وتحيا في خفاء، كطبيعة صاحبها الذي يفضل أن يكونَ مستترًا في نفسه، فتصبح "أنا" غامضةً، وقد يكون غموضها حميدًا أو خبيثًا، فإن كان خبيثًا فهو الحقد والضغينة والكراهية والسَّواد في القلب والنفس والضمير، والعواقب المدمرة، وإن كان غموضُ الأنا حميدًا فهو الخجل والتقوقع داخل النفس، وهذا قد لا يضرُّ المحيطين بقدر ضرره لصاحبه؛ حيث يمنع نفسَه من الاختلاط بالآخرين، فيعيش في عزلة عن مجتمعه، وهذا أسوأ له. وفي المعنى ذاته نتذكر قولاً للرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- يقول فيه: ((الذي يخالط الناسَ ويصبر على أذاهم، أفضلُ ممن لا يخالط الناسَ))، فلا ينكر عاقلٌ ما في الاختلاط ومعاشرةِ الناس من فوائدَ جمةٍ للفرد وللجماعة لا توجد في العزلة والتقوقع. ومن الأنا المطلوبة "أنا" الثقة والاعتداد بالنفس، من غير كِبْرٍ ولا فخر ولا خيلاء. فما أجملَ أن أقول: أنا أقصد بها ثقتي بنفسي وبقدراتي، وبنعمة ربي وفضله على عبده الضعيف الفقير إليه!هي رائعةٌ نجد فيها قدرًا كبيرًا من الثقة والاعتراف بفضل الله عليه، وتلك الأنا تذكِّرنا بقول الذي عنده علم من الكتاب: ﴿ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ﴾ [النمل: 40]، وكقول يوسف - عليه السلام -: ﴿ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 55]، وتلك الأنا نحتاجها لبناء أنفسٍ ورجال قادرين على حمل أمانة البناء والتقدم لبلادنا، والرَّخاء والرفاهية لشعوبنا. ومن أروع صنوف الأنا: أنا الضعف والخضوع والمَذَلَّة والعبودية لله رب العالمين، وخير مثال على ذلك خضوعُ العبدِ لربه، معترفًا مُقرًّا له - سبحانه - بالربوبية والتوحيد: "اللهم أنت ربي وأنا عبدك"، فـ" أنا عبدك" هي أروعُ وأجمل أنا في الوجود. وقد تكون فلسفة الأنا تعبيريةً كأن يعبر صاحبُها عن سعادته بقوله: "أنا سعيد"، أو عن حزنه فيقول: "أنا حزين، أو أنا مهموم، أو أنا كئيب...". وتعبِّر "الأنا" عن كل أحاسيس البشر، فمن يحبُّ يقولُها، ومن يَعجَبُ يقولها، ومن يسأم يقولها، كلنا في كل أحوالنا باختلاف أحاسيسنا نقول: "الأنا". والحديث عن الأنا يتشعب ويطول، لكن من الواضح أنا حُلْوة ومُرَّة، هيِّنة وصعبة، قريبة وبعيدة، واضحة وغامضة، أجملها أنا الخضوع لله، وأقبحها أنا البعد عنه سبحانه، فلنكن جميعًا: أنا القرب لا البعد، أنا الحب لا الكراهية، أنا الإيثار لا الأثرة، أنا الوحدة والأُلفة لا التشرذم والخلاف والفُرْقة، أنا أحبُّكم جميعًا في الله.