وصف الجنة
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد،
إنّ الجنة هي سلعة الله الغالية التي عَرْضُها السماوات والأرض، وهي التي لا يفوز بها إلا المؤمنون الموحدون، الذين آمنوا بربهم، وعبدوه حق عبادته، ولم يشركوا في عبادته شيئًا، والذين عملوا صالحًا في حياتهم الدنيا، واستعدوا للقاء ربهم في الآخرة.
وقد جاء في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية المطهرة الكثير من النصوص الشرعية التي تَصِف الجنة وتُرَغِّب بها، وتصف النار وتُرَهِّب منها. ولو أردنا حصرها جميعًا لطال الكلام، وضاق المقام، ولذلك نكتفي منها بقول ربنا تبارك وتعالى في محكم تنزيله: { مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ } [محمد: 15].
فالجنة هي دار الخلد والسعادة، والراحة الأبدية، ففيها الأمان الدائم في ظل عرش الرحمن، وفيها الأنهار الجارية، والقطوف الدانية، والسرر المرفوعة، والأكواب الموضوعة، والنمارق المصفوفة.
لقد حدثنا عن الجنة رسولنا صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث، وقد جاء في أحدها، وهو حديث القدسي، أن في الجنة ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
وعلاوةً على الجنة وكل نعيمها المقيم، فإن لأهل الجنة نعيمًا أفضل من كُلِّ النعيم الذي هم فيه، وهو النظر إلى وجه الله الكريم، فلا نعيم أعظم من هذا النعيم، ولو لم يكن في الجنة إلا هذا النعيم لكفى.
وقد جاء وصف الجنة في أحد الأحاديث بأن البناء فيها يتكون من لَبِنَة من ذهب ولَبِنَة من فضة، وأنها مفروشة بالمسك واللؤلؤ والياقوت والزغفران، وأن من يدخلها ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت، ولا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه.
وفي حديث آخر جاء وصفها بأن فيها ثمانية أبواب، وأن أحدها يسمى بـ (باب الريان) لا يدخله إلا الصائمون، فهنيئًا للصائمين.
وجاء أيضًا في حديثٍ آخر بأن للجنة مئة درجة أعدها الله للمجاهدين، وأن بين كل درجة والأخرى كما بين السماء والأرض، وقد أوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بأن نسأل الله الفردوس؛ لأنه وسط الجنة، وأعلى الجنة، ومنه تفجر أنهارها، وفوقه عرش الرحمن.
ولكن مع هذا كله، نجد أن الكثير من الناس في زماننا هم عن هذه الجنة غافلون، وبنعيم الدنيا ولَذَّاتِها فرحون. فهنيئًا لمن عاش في الدنيا غريبًا، وأَعْرَض عن دار الزوال والفناء، وطَمِع بدار الخلد والبقاء.
اللهم أرزقنا الجنة، وارزقنا لذة النظر إلى وجهك الكريم، وأَحِلَّ علينا رضوانك، وأجرنا من النار.