القصور الصحراوية الأردنية (تأخذك الى أعماق التاريخ )
قصور اثرية تزيد الصحراء الاردنية رونقا وجمالا («الشرق الأوسط»)
بالرغم من ان عاصمة الخلافة الاموية تنقلت بين دمشق في سورية والرملة في فلسطين الا ان خلفاء وامراء بني امية كانوا حريصين على قضاء فصل الصيف في الصحراء بعيدا عن المدينة وضوضائها بهدف ممارسة الصيد وركوب الخيل لاستعادة ما ألفوه من هوايات في صحراء جزيرة العرب.
وقد شكلت القصور التي اقاموها في الصحراء الممتدة بين الاردن وسورية والعراق معلما مهما في العمارة العربية، حيث انها تحوي المرافق الاساسية للحياة الصيفية الرغيدة بالاضافة الى التحصينات التي تتمتع بها، إذ بنيت على شكل قلاع وحصون منيعة بما يناسب طبيعة الحياة الحربية في تلك الفترة وبما يتناسب مع الحياة في الصحراء، واحيانا كان القصر يتوسط مجموعة من المباني المجتمعة ضمن حصن واحد.
احد هذه القصور رابض على قمة جبل في العاصمة عمان يسمى جبل القلعة وتنتشر القصور الاخرى غير بعيدة عن عمان إذ لا يستغرق الوصول اليها اكثر من ساعتين.
والملاحظ ان امراء بني امية استخدموا في كثير من الاوقات القلاع التي اقامها الرومان وحولوها الى قصور بدليل وجود رسومات وكتابات رومانية في بعضها. ومن الأمثلة البارزة على ذلك قصر عمرة بالأزرق، الذي يحتوي قاعة استقبالات للخليفة وملحقات منها حمامات ثلاثة للماء البارد والمعتدل والحار كالمشابهة لتلك في العمارة الرومانية يثير العديد من التساؤلات وبخاصة لاحتواء الحمامات على بعض الرسوم التي لا توحي بانتمائها للفترة الاسلامية.
ومن الملاحظات المهمة هي ضخامة الجدران الخارجية والبوابة للقصر بشكل غيرعادي مما يعطي الايحاء بأن الغاية هي اعطاء طابع الرهبة بما يتناسب مع الحصن والقلعة.
أما قصر الخرانة في جنوب العاصمة عمان الذي لا تتجاوز أبعاده 35 مترا لضلع مسقطه المربع، فيعود لعام 710 م، وهو فريد بمدخله الوحيد الشاهق، وساحته بالمنتصف ويحتوي طابقين من الردهات والقاعات المختلفة الأحجام والوظائف، ويحتوي بالأعلى فتحات لرمي السهام على الاعداء تماما كالتي سادت في قلاع وحصون العصور الوسطى.
ومن المعتقد ان هذا القصر بالذات لم تكن الغاية من انشائه هي الانتجاع الصيفي كما وجد في قصر عمرة إلى الشمال منه مثلا، إلا ان النظريات السائدة بين علماء الآثار ترجح انه كان يشكل نقطة للالتقاء كمحطة للتفاوض أو الحوار أكثر منه كقصر عادي.
ومن الملاحظ دقة التفاصيل والعناية بالحمام في قصر المشتى وأيضا في قصر عمرة وبخاصة في غرفة الماء الحار مما يفيد بأهمية المكان للاستشفاء وطلب فترة من النقاهة بعيدا عن أمور الحياة الروتينية اليومية والتي كان الأمراء يخلدون اليها ببناء هذه القصور الصحراوية ذات الحمامات على النمط الروماني.
حمامات علاجية داخل القصور: وبالنتيجة يمكن استخلاص ان القصور الصحراوية المترامية التي انشأها السلاطين والأمراء الأمويون لانفسهم قد استمدت نمط عمارتها من الحصون والقلاع وخضعت ردهاتها لبعض الدراسة والتغير الوظيفي لتتماشى مع الوظيفة الرومانية المعروفة للحمامات العلاجية، وشكلت هذه القصور جانبا من جوانب العمارة الأموية في بلاد الشام.
وتنقسم القصور الصحراوية الى نوعين، فمنها ما كان يستخدم للإقامة والمنامة للمشاركين في رحلات الصيد التي كان يقوم بها الخلفاء الأمويون، ومنها ما كان يستخدم كمقر لخدمة قوافل التجارة وحمايتها أثناء استراحتها على الطريق الطويل. والزائر الذي يسلك طريق الازرق بطول 100 كيلومتر يصل الى قصر الخرانة الذي يقع على بعد 65 كيلومترا، فهو من أهم الآثار الأموية المصانة حتى الآن، ويتكون من 61 غرفة في طابقين من البناء الذي يتميز بهندسـته المعمارية التي تجعله شبيها بالقلعة، ويقوم في كل زاوية من زواياه برج دائري، وآخر نصف دائري يقع بين كل زاويتين وعلى بعد 10 كيلومترات يصل الزائر الى قصر عمرة الأموي الذي يعتبر من أهم القصور الصحراوية وتحفة فنية معمارية إسلامية نادرة في قلب الصحراء، ويشتهر بقبتة الرائعة وزخارفة الجميلة، والرسوم المشغولة بطريقة الفريسكو التي تمثل مشاهد من رحلات الصيد والحيوانات التي وجدت في المنطقة في تلك الحقبة، ومنها الأسود والنمور والغزلان والنعام.
وعلى جدران هذا القصر أيضا رسوم لملوك الأرض، ويبدو سقف قبة القصر التي تغطي حمام الماء الساخن وكأنه قطعة من السماء تظهر فيها الأبراج السماوية المرسومة بمهارة فائقة.
وعندما يصل الزائر الى بلدة الازرق التي هي واحة وسط البادية وممر رئيس الى العراق، يستطيع الزائر زيارة قلعة الأزرق التي تقع في المنطقة الشمالية للبلدة، تعود الى العهد الروماني، وهي مبنية بالكامل من الحجر البازلتي الأسود، وتطل أسوارها على واحة الأزرق التي كانت فيما مضى محطة رئيسة للقوافل.
وتمتاز المنطقة المحيطة بالقلعة بعيون الماء وجمال الطبيعة كما تنتشر فيها الواحات التي تجتذب مئات الزوار سنويا. والعائد من الأزرق الى عمان عن طريق الزرقاء يعرج على قصر الحلابات الذي يبعد 25 كيلومترا من مدينة الزرقاء، وتدل الشواهد الأثرية على أن أصل بنائه كان نبطياً، أما آثاره الظاهرة فتعود إلى العصر الروماني، حيث بنيت مع قلاع أخرى لضمان حماية الطرق الشرقية.
وفي مدينة الزرقاء يقع وسطها قصر شبيب، حيث يقول ذيب الشيشاني، وهو باحث في تاريخ الزرقاء وسكانها، إن هذا القصر «بقي صامدا أمام عوامل الزمن» واحتضن عددا من الشيشان لدى قدومهم الى الاردن في بدايات القرن الماضي.
واذا سلك الزائر طريق الجنوب فإن قصر المشتى القريب من مطار الملكة علياء الدولي في عمان يكون بانتظاره، فهو قصر فسيح يتميز بالعقود والقناطر. ويعتقد أن هذا القصر هو واحد من قصور الصيد العديدة التي انشأها الأمويون، وتحمل حنينا للصحراء التي آتوا منها. واهم ما اكتشفه الاثريون في هذا القصر هو واجهته القبلية، وارتفاع هذه الواجهة المبنية من الحجر الجيري، يزيد عن ستة أمتار، وتعتبر من بدائع الفن الإسلامي. ورغم جمال هذه الواجهة، إلا ان أي زائر يذهب لقصر المشتى الآن، لن يجدها مع تماثيل أخرى وجدت فيه، والسبب، أنها نقلت إلى خارج البلاد، فأحد علماء الآثار الذين فتنوا بهذه الواجهة، لفت نظر القيصر الألماني غليوم إلى أهميتها وجمالها، فاهتم غليوم بذلك، واستطاع أن ينالها كهدية في عام 1903، مثلما حدث لآلاف القطع الأثرية التي نقلت إلى متاحف العالم الغربي. واستقرت الواجهة، والآثار الأخرى التي أخذت من القصور الأموية، في القسم الإسلامي من المتحف الألماني في برلين وكان ذلك عام 1932. اشهر القصور في الأردن: قصر الخرانة: يقع هذا القصر على الطريق المؤدية من عمان إلى الأزرق، حيث يبعد عن عمان إلى الشرق حوالي 55 كم ويعتبر هذا القصر الأموي والذي بني سنة 92 هـ (710م) أي خلافة الوليد بن عبد الملك من المباني التي لا تزال محتفظة بكامل بنائها إلى حد ما بغض النظر عن بعض الانهيار القليل في جزءه الشمالي الغربي من جراء العوامل الطبيعية. وبني هذا القصر بمحاذاة وادي الحرانة وهو مربع الشكل يبلغ طوله 35 م ويتكون من طابقين وبني على طراز البوتات الشامية.
قصر الطوبة: يعتبر هذا القصر من القصور الأموية الخالدة التي حافظت على جزء كبير من بنائها رغم تعرضه للكثير من عوامل التعرية وأيدي العابثين التي حاولت النيل من هذا القصر، حيث يقع على إحدى الطرق التجارية والتي كانت تربط البلقاء مع شمال الجزيرة العربية ولبعد هذا القصر ولموقعة النائي حيث يبعد حوالي 140كم جنوب شرق عمان مما أدى أن تكون زيارته ليست بالآمر السهل للزائر المحلي أو الأجنبي بالرغم من أن الباحث عن روعة بناء القصور الأموية يتحدى هذه الصعاب ليصل إليه وبالنسبة لتاريخ هذا القصر فيرجعه بعض الباحثين إلى عهد الخليفة الأموي الوليد بن يزيد. (743-744 م) قلعة الأزرق: ان الناظر إلى واحة الأزرق وما تحتويه من مياه عذبة وأشجار مختلفة والتي انتشرت بها الحيوانات المختلفة الأنواع بالإضافة إلى وقوع هذه الواحة عند بوابة وادي السرحان يفترض جدلا انه لا بد من وجود حاميات أو قلاع أو قصور فيها ووجود قلعة الأزرق ذات الحجارة البازلتية يدل على أهمية هذه الواحة.
هذه القلعة ببنائها الجميل والمتماسك لهذه الفترة يعطي انطباعا عن متانة وقوة البناء. إن وجود هذه القلعة ذات الأصول الرومانية يدل على ان قيام بعض القصور الإسلامية على آثار سابقة لها ويدل على ذلك ما وجد من حجارة ميلية رومانية التاريخ والتي ترجع إلى القرن الثاني الميلادي إلا أن القلعة في بنائها الحالي لا شك بأنها إسلامية ويدل على ذلك ما كتب فوق البوابة الرئيسية لها، حيث يعود إلى سنة 1237 خلال حكم القائد الأيوبي عز الدين ايبك الذي أعاد بناءها. تتخذ القلعة شكلا مستطيلا، حيث يبلغ أبعادها 80 م طولا و72م عرضا وتتكون في الأصل من ثلاثة طوابق.
قصر عين السل: يعتبر قصر عين السل من القصور الأموية ذات المساحة الصغيرة، حيث يبلغ طول ضلعه 17 مترا في شكل مربع، بني من حجارة البازلت السوداء ويحتوي هذا القصر الذي يوجد في وسط مزرعة تابعة له في جهته الغربية على حمام يتألف من ثلاث أو أربع غرف ومن هنا تبرز أهمية هذا القصر لاحتوائه على حمام مما يدل على انتشار بناء الحمامات في الفترة الأموية. يبعد هذا القصر باتجاه الشمال الشرقي عن قلعة الأزرق حوالي 1750 مترا.
قصر الاصيخم: يقع هذا القصر إلى الشمال الشرقي بمسافة 15 كم من قلعة الأزرق بالصفاوي بالانعطاف إلى الشرق وبمسافة تقارب 8 كم وقد بني هذا القصر من حجارة البازلت السوداء كحامية دفاعية لحماية وادي السرحان ويعود تاريخه إلى الفترة الرومانية المبكرة والمتأخرة وكان بناؤه بشكل مربع طول ضلعه 23.5 متر ويؤكد Dr Tom Parker أن هذه التلة والتي يقف عليها القصر استخدمت من قبل الأنباط في القرن الأول الميلادي.
قصر عويند: يعتبر هذا القصر أحد القلاع الرومانية التي بنيت كقلعة دفاعية لحماية بوابة وادي السرحان وتعود في بنائها إلى القرن الثالث والرابع الميلادي. يقع هذا القصر جنوب غربي الأزرق بحوالي 15 كم.
قصر برقع: أحد القصور الأثرية الإسلامية يقع بما يقارب 25 كم إلى شمال غربي منطقة الرويشد (H4) وهي إحدى القرى الأردنية والتي تقع إلى الشمال الشرقي من الأردن، حيث تتمركز على الطريق المؤدي إلى بغداد، حيث بني من حجارة البازلت السوداء المتوفرة في تلك المنطقة كونها من مناطق الحرة ويعود تاريخه إلى سنة700م في فترة حكم الوليد بن عبد الملك ويتمركز هذا القصر على الضفة الشرقية لسد برقع.
قصر الأزرق: ويقع في البادية الأردنية ويعود تاريخه الى العصر الروماني ، وقد اعيد بناء هذا القصر في العهد الأيوبي ، كما يفيد النقش الأثري الذي يعلو بوابة القصر، الذي يشير الى أن عز الدين أيبك أمر بعمارة هذا القصر سنة 634 هجرية ، ويوجد في داخل القصر مسجد أثري يعود الى العصر نفسه. قصر عمرة أو قصيّر عمرة هو قصر صحراوي أموي يقع في الصحراء الأردنية. يقع القصر في شمال الصحراء الأردنية في منطقة الأزرق حوالي 75كم شرق العاصمة عمان بناؤه صغير نسبياً لذلك يُسمّيه البعض بالقصير.
تاريخه: شيد القصر في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك سادس الخلفاء الأمويين 705 – 715م. ويعتقد أن القصر كان يستخدم لرحلات الصيد التي يقوم بها الخلفاء وأمراء بني أمية.
يتكون القصر من قاعة استقبال مستطيلة الشكل ذات عقدين يقسمانها إلى ثلاثة أروقة لكل رواق قبو نصف دائري ويتصل الرواق الأوسط في الجهة الجنوبية بحنية كبيرة على جانبيها غرفتان صغيرتان تطلاّن على حديقتين كانتا تستخدمان للقيلولة. تزدان أرضية الغرف والقاعة بالفسيفساء التي تمثّل زخارف نباتية. أما الغُرَف الأخرى فمكسوة بالرخام.
للقصر حمام مجاور لقاعة الاستقبال يتكون من ثلاث قاعات، اثنتان مسقوفتان بأقبية نصف دائرية والثالثة مسقوفة بقبة صغيرة. يتكون الحمام، الذي لا يزال بحالة جيدة، من ثلاث قاعات: باردة وفاترة وساخنة، الأخيرة مزودة بأنابيب للبخار. ملحق بالحمام غرفة كبيرة لخلع الملابس مزودة بمقصورتين.
زود القصر أيضا بشبكة مائية تمر من تحته، ففي ساحة القصر هناك بئر ماء عمقها 40 متراً وبقطر 1.8 متر تتسع البئر لـ 100 متر مكعب من الماء الذي كان يملأ من وادي البطم عندما يهطل المطر وتنساب المياه في ذلك الوادي وكان يتم رفع الماء منها بواسطة ساقية قديمة ثم يوضع في خزان ماء بجانب البئر وكان الماء ينساب في خطين احدهما يتجه إلى الساحة الداخلية ليغذي النافورة الموجودة على يسار المدخل وخط ليزود الحمام وغرفة الحمام في انابيب فخارية.
رسومات للوليد وكسرى وقيصر: على جدران القصر رسوم ونقوشات عديدة، مواضيعها تتعدد من مشاهد من رحلات الصيد والحيوانات التي وجدت في المنطقة في تلك الحقبة، ومنها الأسود والنمور والغزلان والنعام، هناك أيضا مشاهد الرقص والعزف والاستحمام إلى جانب الزّخارف الهندسية والنباتية. وفي قاعة الاستقبال صورتان من أهم الصور أولهما رسم الخليفة الوليد بن عبد الملك مستويا على عرشه وقد أحاط به الخدم وتكسبه لحيته الهيبة والوقار وترتفع فوقه مظلة والى يمينه تقوم امرأة رافعة ذراعها اليمنى والى يساره رجل يحمل عصا، وقد أشار كل منهما إلى الخليفة، وحول قاعدة العرش تتلاطم أمواج البحر وقد بدت فيها الأسماك وقارب الصيد. وهناك رسمات تبين كيفية بنائه ومراحل البناء مثل قطع الحجر ونقله على الجمال وتشديب الحجارة وعملية البناء. وتوجد تحت هذه الصورة الجذابة التي تمثل الوليد كتابة بالخط الكوفي نقشت بمداد أبيض على حجارة زرقاء تضمنت معانيها دعاء للخليفة.
والصورة الثانية قوامها ستة أشخاص مرسومين في صفين يلبسون ملابس فاخرة وفوق رؤوس أربعة منهم كتابة بالعربية واليونانية. وهؤلاء الأشخاص هم: كسرى ملك الفرس وقيصر ملك الروم والنجاشي ملك الحبشة ولذريق آخر ملوك القوط في اسبانيا، وقد قتله العرب سنة 92 هـ (711م).
اما قبة الحمام تظهر فيها الأبراج السماوية المرسومة يتميز الحمام بهندسته ويشبه الحمامات الرومانية بشكلها ومكوناتها.
وقصور بني أمية في المشرق لم يبق منها سوى الأطلال فما شهده الشرق من أحداث دامية وغزوات متكررة كان من نتيجته القضاء على معالم ضارية مهمة ولو بقيت تلك القصور قائمة لأعطت صورة واضحة للعالم عن خصائص الفن المعماري في عصر بني أمية ومع ذلك فإن ما تبقى من تلك القصور يعكس ملامح عظمة دولة كان لها امبراطورية تمتد إلى الهند والصين شرقاً وإلى أواسط أوروبا غرباً.
وتقوم وزارة السياحة والآثار الأردنية بعملية ترميم وصيانة دورية لهذه القصور والتي تجذب السائح الاوروبي اكثر من السائح العربي.