إن الخوف من الله تعالى هو المخرج الوحيد من العبودية إذ له القدرة على تحرير الإنسان من نفسه ومن غيره بخلاف الخوف من غير الله فإنه يكبّل الإنسان ويجعله عبداً مستعبداً في نفسه وعند غيره أي أسير نفسه وأسيراً في قفص غيره ذلك أن الذي يخاف الله يكون على مقاومة دائمة لشهوات الدنيا وشهوات النفس ولا يخلد إلى الأرض ولا يغتر بزخرفها وزينتها ولا يتأثر ببهرجتها ولا تكون الدنيا كل همه ولا غايته وهدفه بل ينظر لها نظرة ازدراء ولا تزيد عنده عن كونها جسراً معقوداً بينها وبين الآخرة حيث لا يأخذ في طريق عبوره اليها إلا النصيب الذي أشار اليه القرآن العظيم إذ قال الله تعالى ((وَابْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ اللّهُ الدّارَ الاَخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدّنْيَا وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ اللّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ الْمُفْسِدِينَ))القصص\77 وتبعاً لمفهوم هذا التحرر من قيود الدنيا وحبال شهواتها يكون المرء قد تخلص من ثقل التبعيه والاستذلال لغير الله ولا يستسلم في هذا الدنيا لغير الله عز وجل وهذا النوع من الأشخاص يختلف في واقعه عن الصنف الهابط من أولئك الذين استهوتهم الدنيا فأغرتهم بزخرفها وزينتها وبهرجتها فرضخوا لها باستسلام مطلق ظانين أنهم بانشغالهم بها وبحيازة ما يقع تحت أيديهم من خيراتها سيخلدون فيها فترى الواحد منهم منكباً على وجهه ومائلاً كل الميل للشهوات والملذات وبذلك يكون قد حكم على نفسه بالأسر الدائم سواء في ذاته أو عند غيره فيكون عندئذ خاضعاً لإرادتهم ورهين أمرهم وأشارتهم فحينئذ يفقد كل مقومات المروءة والعزة والكرامة ويبقى حبيساً ذليلاً .
وأخيراً فإن الخوف من الله الخالق سبحانه وتعالى وطلب رضوانه يرفع المرء إلى أعلى عليين ويجعله في الدرجات العلى بينما الخوف من المخلوقات وأرضائهم في سخط الله ينزل المرء إلى الدركات الدنيا .
جعلنا الله ممن يتقونه سبحانه وتعالى حق تقاته ولا يخافون في الله لومة لائم فنفوز كما فاز الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه رضوان الله عليهم .