لا تليق الكلمات، بنعى الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى، بل تتوقف غير قادرة على رثاء أمير حقيقى للشعر، إلا أن حال الدنيا أن يغادرنا العظماء واحدا تلو الآخر. تشبثنا كلنا بكلماته «أنه ولد شديد بيعافر، لن يرحل بسهولة»، وتفاءلنا بأن حالته الصحية تحسنت، إلا أننا فوجئنا بأن رحيله كان سريعا، رغم توقعه.كما لا تليق الكلمات بنعيه، لا تليق الموضوعات الصحفية بإعطائه حقه كاملا، غير أننا هنا نحاول، قدر المستطاع، تقديم ــ للقارئ ــ بعض لمحات من حياته الواسعة المفتوحة على كل مجالات الفنون والأدب. نتناول آخر مشاريعه التى لم تكتمل مع محمد منير وماجدة الرومى، ونستعرض كيف جعل الأغنية الشعبية موضة نافست الرومانسية، وحكايات عن آخر لقاءاته مع أصدقائه بمنزله فى الإسماعيلية، وكذلك نكشف لكم الحوار التليفزيونى الأخير له، مع تقديم كيف أثرت والدته فاطمة قنديل عليه، باعتبارها حافظة التراث والحكايات الشعبية، وكيف كانت محور حياته..
•
مشاريع لم تكتمل: أوبريت القناة مع منير.. و«احلف بسماها» مع ماجدة الروميكان الراحل الكبير عبدالرحمن الابنودى مهتما جدا بكل القضايا الوطنية التى كانت تمر بها مصر، لذلك كان أكثر الشعراء تفاعلا مع الاحداث وغزارة فى الانتاج، وبالتالى لم تكن هناك مناسبة أو حدث الا ويشارك فيها، وخلال هذه الفترة كان مشغولا بمشروعين وكان يوليهما اهتماما كبيرا ويتمنى انجازهما، الاول الذى كان قد بدأ بالفعل جلسات عمل بشأنه مع المطرب محمد منير والملحن محمد رحيم وهو خاص باوبريت أسطورى لافتتاح قناة السويس الجديدة وكان من المنتظر أن يشارك فى الأوبريت عدد من الفرق المعروفة على الساحة الفنية.. المزيد
•
حوَّل الأغنية الشعبية إلى «موضة» نافست الرومانسيةلم يكن الراحل الكبير عبدالرحمن الابنودى مجرد شاعر كباقى الشعراء الذين ظهروا على الساحة الغنائية العربية، حيث اخذت الاغنية عنده منعطفا آخر، ويكفى ان اشعاره جعلت فنانا بحجم الراحل الكبير عبدالحليم حافظ ياخذ منهجا مختلفا عن الشكل الرومانسى الذى اشتهر به، ويتجه إلى الغناء الشعبى، وهذه النقلة صاحبها خناقة كبيرة اشتهرت فى الوسط الفنى وكان بطلها المطرب الشعبى الكبير محمد رشدى الذى اتهم عبدالحليم وقتها بتقليده وخطف الابنودى وبليغ حمدى منه، وكان الثلاثى وقتها قد قدموا مجموعة اغان شعبية حققت نجاحا كبيرا، وساهم فى ذلك ان حليم فعلا كان قد طلب من الابنودى كتابة اغان ذات صبغة شعبية. وهنا كانت النقلة فى حياة حليم اسمها الابنودى حيث غنى من اشعاره «انا كل ما اقول التوبة» ألحان بليغ حمدى.. الموسيقار الكبير حلمى بكر قال: بالفعل كان الأبنودى نقطة تحول وانطلاق جديدة لعبدالحليم حافظ فالابنودى كان صاحب مدرسة جديدة فى الاغنية تعتمد على اللهجة الاقليمية، وصاحب ذلك ظهور مصطلحات جديدة فى الغناء مثل الاخضرانى وغيرها.. المزيد
•
فى آخر حواراته التليفزيونية: «نفسى أعيش لغاية ما اشوف البلد دى حالها يتعدل»«نفسى يا واد الموت يتأخر شوية.. مش خوف من الموت.. بس نفسى اعيش لغاية ما اشوف البلد دى حالها يتعدل.. والفقرا فيها يعيشوا عيشة مرتاحة» ــ كلمات قالها الخال عبدالرحمن الابنودى ردا على سؤال الاعلامى محمد صادق فى آخر حوار تليفزيونى اجراه الشاعر الكبير قبل رحيله.. المزيد
•
شعراء قنا وأصدقاء «الصبا» يبكون الخال: عاش ومات ولم يغير جلده«مش كل خال يتقال له يا خال.. ولا كل شاعر أبنودى.. عزف الوطن غنوة وموال.. على الربابة وعلى العودى»،.. هكذا عبر شاعر العامية بمحافظة قنا، عبدالناصر علام، أحد تلامذة الشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودى، عن رحيله، فى وقت خيم الحزن على قرية أبنود، مسقط رأسه، وباقى قرى المحافظة.. المزيد
•
عبدالرحيم كمال: كنت محظوظا بكتابة الأبنودى لتتر أول مسلسلاتى «الرحايا»«آخر حوار دار بينى وبينه عقب شم النسيم الماضى فى ذكرى عيد ميلاده، وقلت له إنى كتبت عنه مقالا وأنه لابد ان يقرأه، فرد على قائلا (اللى يعيش يا عبدالرحيم) وكأنه شعر باقتراب الأجل».. بهذه الكلمات عبر المؤلف والسيناريست عبدالرحيم كمال عن بالغ حزنه من رحيل الشاعر عبدالرحمن الأبنودى، والذى كتب له الكثير من تترات المسلسلات التى ألفها وأبرزها «الرحايا حجر القلوب» و«شيخ العرب همام» وغيرها.. المزيد
•
الأبنودى والسويس.. حكاية عشق لا تنتهى«السويس والأبنودى حكاية عشق لا تنتهى».. هذه كلمات عبر بها أهل السويس عن حزنهم الشديد على رحيل الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى، أمس الأول، لأن رحيله لا يمحى اغنيته الشهيرة التى ستظل جزءا من تاريخ أبناء القناة «يا بيوت السويس يا بيوت مدينتى.. استشهد تحتك وتعيشى أنت»، التى غناها الفنان محمد حمام.. المزيد
«الضبعية».. نهاية الرحلةزوجته وبنتاه يرافقنه من المستشفى إلى القرية بالإسماعيلية.. مساعده محمود يقوم بتغسيله بحسب وصيته.. على الحجار يرافق الجثمان داخل المقبرة.. محمد منير يبكى حزنًا.. ومحافظ قنا: إنشاء متحف السيرة الهلالية فى مسقط رأسه أبنود.
الضبعية».. نهاية رحلة الأبنودي
زوجته وبنتاه يرافقنه من المستشفى إلى القرية بالإسماعيلية.. مساعده محمود يقوم بتغسيله بحسب وصيته.. على الحجار يرافق الجثمان داخل المقبرة.. محمد منير يبكى حزنًا.. ومحافظ قنا: إنشاء متحف السيرة الهلالية فى مسقط رأسه أبنودخيمت مظاهر الحداد على قرية الضبعية بمحافظة الإسماعيلية، عشية وفاة الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى، وهى القرية التى احتضنته واحتضنها لمدة عقدين من الزمان، وكانت شاهدة على أجمل فترات حياته وأصعب فترات مرضه.وكأن الشجر اكتسى باللون الأسود حزنا على رحيل الخال، الذى لم يفقد قوته وحضوره، ولم يرتخ عوده يوما، وكان يعشقه الأبناء والصغار داخل الضبعية والقرى المجاورة، ومن جانبها رصدت «الشروق» عدة مشاهد منذ وصول جثمان الشاعر الكبير من القاهرة إلى قريته فى الإسماعيلية.
المشهد الأول: خرج الأبنودى من مستشفى الجلاء العسكرى داخل سيارة الإسعاف وبصحبتها 4 سيارات يستقلها زوجته نهال كمال وبنتاه وبعض أقاربه ومحبوه، متجهين إلى قرية الضبعية، وعند وصولهم إلى المنزل أدخلوه الجثمان وأغلقوا الأبواب، وقام محمود مساعد الأبنودى بتغسيله داخل المنزل بحسب وصيته ورواية أحد أقاربه.
المشهد الثانى: اجتمع الأقارب ومحبوه وأهالى القرية أمام منزله عندما علموا بوصوله، وجاءوا ليودعوه قبل مثواه الأخير، واصطحبوا الفنان على الحجار وأجلسوه على مقاعد خارج المنزل حتى ينتهوا من عملية التغسيل.
المشهد الثالث: خرج جثمان الأبنودى من المنزل فى سيارة الاسعاف ووراءه أهالى القرية حتى وصلوا إلى مسجد التعاون القريب من منزله لأداء صلاة الجنازة، وكان فى الصفوف الأولى على الحجار ورددوا الأدعية داخل المسجد، وكان الفنان محمد منير منهارا فى البكاء خارج المسجد أثناء الصلاة.
المشهد الرابع: خرج الجميع من المسجد فى سيارة الإسعاف متجهين إلى المقابر التى تبعد عن منزله 10 دقائق لدفنه، حيث تجمع الآلاف من أهالى قريته واقاربه وعدد من قيادات الدولة وحضور مكثف من قوات الجيش والشرطة لتأمين المقبرة، وقام امام مسجد قريته بترديد الأدعية قبل دفنه.
المشهد الخامس: دخل جثمان الأبنودى المقبرة بصحبة زوجته وبنتيه والفنان على الحجار ومساعده الخاص محمود، الذى قام بدفنه، وظلوا داخل المقبرة قرابة الساعة والنصف، وحضر محافظا الإسماعيلية وقنا وبعض القيادات وقاموا بتعزية زوجته داخل المقبرة.
المشهد السادس والأخير: رحل الجميع من المقابر عقب انتهاء عملية الدفن بنصف ساعة، ظلت زوجته وبنتاه والفنان على الحجار وبعض اقاربه داخل المقبرة المكونة من حجرة تعلوها قبة بيضاء، ثم خرجوا واتجهوا إلى منزلهم، ورفض على الحجار الإدلاء بأى تصريحات واكتفى بكلمة «البقاء لله».
ومن جانبه، قال محافظ قنا فى تصريحات لـ«الشروق» إنه كان بصدد تجهيز متحف السيرة الهلالية بمحافظة قنا فى قرية أبنود مكان مولد الشاعر الراحل، وكشف انه اجرى اتصالا بوزير الثقافة منذ أيام لتجهيز وافتتاح المتحف فى موعده.
ومن ناحيتها، قالت أمل زوجة مساعد الأبنودى محمود محمد، إنه كان بمثابة الأب للجميع، وعشرة عمر منذ استقراره فى الإسماعيلية، وأكدت شعورها بالحزن الشديد لوفاة الأبنودى، الذى غابت الضحكة من المنزل بغيابه، فقد كان عفويا مرحا طيب القلب ومحبا للجميع، حتى الأطفال أحبوه وكانوا يلهون دائما بجوار فيللته وكان يرحب بهم ويوزع عليهم الحلوى.