اعلام خاصة : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ الجنس : عدد المساهمات : 56607 تاريخ التسجيل : 16/10/2011 الموقع : الاسكندرية المزاج : مشغول
موضوع: السابقون من رجب الأربعاء 22 أبريل 2015 - 14:27
شهر رجب ها قد بدأ عهد العُدَّة والاستعداد لشهر الغنيمة رمضان، والله -جل وعلا- يقول: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: 46]. هل لا تهفو نفسك إلى العتق من النيران في هذا الزمان؟ هل لا تهفو نفسك إلى المغفرة والرحمة والعفو من قِبَل ربك الرحيم الرحمن؟ كلنا يدَّعِي ذلك، والأمر ليس بالأماني.. إنما نحتاج إلى نية حقيقية لبلوغ هذه المنازل العالية، فلو لم تعدّ عدتك فلا تخدعَنَّ نفسك.. فخبرني بالله عليك ممن ستكون؟ هل ستكون من السابقين للخيرات؟ أم ستكون من المبعدين المخلفين عن صراط الله المستقيم؟ إذا أردت أن تعرف هل أنت من السابقين الذين سيعدون العُدَّة أم أنك من المخلَّفين، فانظر إلى حالك وصفتك وقارنها بصفات أولئك: الصفة الأولى: خشية الله: قال تعالى: {الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} [المؤمنون: 57]. والخشية مصدرها العلم: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]. فهم عرفوا ابتداءً من هو ربهم بصفات جلاله؛ ولذلك أشفقوا وخافوا وعظّموا، ويعلمون أن الله مطلعٌ عليهم في الخلوات، وقد قال أهل العلم: "أعظم سائق إلى الله الخوف والخشية منه"؛ فخوفهم هو الباعث لهم على سلوك صراط ربهم المستقيم.. فهل أنت كذلك؟ خائف؟ وجِل؟ مشفِق؟... أم أنك لاهٍ؟ عابث؟ تدخل على الفتن بجرأة؟ الصفة الثانية: يتدبرون ويؤمنون بآيات ربهم: قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 58]. وآيات الله على قسمين: آياته المتلوة، وآياته المشاهدة في الكون. هؤلاء يوقنون، يؤمنون، يصدقون بقلوبهم وتظهر علامات التصديق في أعمالهم، هؤلاء إذا مرت عليهم آية من آيات الله، تدبروها وتأملوها وعلموا مُراد الله منها. وأنت -يا عبد الله- ألا تمُر عليك النُّذر بعد النذر؟ ألم يمُت لك قريب أو صديق؟ ألم تمر عليك بعض البلايا، التي أرسلها الله لك حتى ترجع إليه وحتى تتوب إليه؟ الصفة الثالثة: التوحيد وعدم الشرك: {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ} [المؤمنون: 59]، ورغم أن التوحيد هو المقصد الأول، إلا إن ترتيبه في الآيات جاء بعد ذكر صفتي الخشية والتصديق القلبي؛ لأنهما الباعث على كمال التوحيد.. فلا يُشرك بربه أحد؛ يحبه من كل قلبه ولا يُحب أحدًا سواه، فكل محبوبٍ عنده محبوب في الله، ولا يذل ولا ينكسر ولا يخضع لأحدٍ سواه، ولا يسأل الناس شيئًا، بل يتوكل على الله ويفوِّض أمره له وحده لا شريك له. فهل الله هو أعظم محبوبٍ عندنا؟ أم الدنيا وشهوات النفس؟! الصفة الرابعة: قلوبهم وجلة: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون: 60]، حين يتقربون بالطاعات، يخافون ألا تُقبل منهم.. عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سألت رسول الله عن هذه الآية: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) قالت عائشة: هم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟، قال: "لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا تقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات، وهم لها سابقون"[1]. هذه كانت صفات المُتقين من سورة المؤمنون، الذين قال عنهم الله جل وعلا: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 61]. وقد وصفهم الله في سورة آل عمران بالصفات التالية: الصفة الأولى: ينفقون ويبذلون الغالي والنفيس: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ} [آل عمران: 134]. عليك بصدقة يوميَّة ولو بأقل القليل، تستدفع بها غضب الرب. الصفة الثانية: كظم الغيظ والعفو عن الناس: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134]. عليك أن تجاهد نفسك وتكظم غضبك وغيظك لله حتى يرضيك الله، وعليك أن تعُدَّ من الآن عُدَّة لزمان ليلة القدر، حتى تنال دعوتها: "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني". (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)؛ فأحسِن في عملك، وراقب ربك، واعبده كأنك تراه أمامك. الصفة الثالثة: دوام الاستغفار والتوبة: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135]. قال رسول الله : "ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة، أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه حتى يفارق الدنيا، إن المؤمن خلق مفتنًا توابًا نسيًّا إذا ذُكِّر ذكر"[2]. وهذا واجبنا العملي في هذا الزمان: 1- أكثِر من الاستغفار والتوبة، وإياك أن تكون مدمنًا لمعصية. 2- اعلُ بهمتك: وليكن شعارك (لن يسبقني إلى الله أحد). فنحن في زمان الفتنة، والحي لا تؤمن عليه الفتنة؛ خشية أن ينتكس بنا الطريق وأن يُقلب القلب، وتكون الخاتمة كذلك والعياذ بالله. 3- افتح في أبواب الخير: سارع في الخيرات من الآن، عليك بالصيام والقيام، اجعل بينك وبين كتاب الله علاقة وثيقة، وضاعف من وِردك، اجمع صدقات ووزِّع الأطعمة. 4- مشارطة النفس: ضع أمامك أهداف إيمانيَّة حتى تُذكر نفسك بها الفينة بعد الفينة، أما أن يكون قصارى جهدنا ومبلغ علمنا همومنا الدنيوية، فلن تفلح في الطريق. 5- إياك واجتراح السيئات: تذكر دائمًا أبدًا أننا في شهر من الأشهر الحرم، التي قال الله تعالى فيها: {فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36]. فإياك وجراحات السيئات، إياك أن تظلم نفسك بارتكاب المنكرات في هذا الزمان الذي تعظُم فيه هذه المخالفة. قد بينت لك صفتك إن كنت مُريدًا للسباق، وبينتُ لك كيف تسير إلى ربك؛ فتأمل هذه الآيات في هذه الأيام الخاليات، لتكون نُصب عينيك فيكون منها العُدَّة الإيمانية في زمان العُدّة.