الغزوة
خرج جيش المسلمين وكان عدده اثنا عشر ألف مقاتل، لكن المسلمون اغتروا بكثرتهم فقال بعضهم لبعض لن نهزم اليوم من قله. وأثناء سير النبي بجيش المسلمين على الجبل، نظر النبي فوجد منحدر كبير ثم وادي واسع ومساحه شاسعة من الأشجار في اليمين والشمال ووجد جيش هوازن يقف عن بعد فأيقن النبي أن جيش هوازن يكمن في هذه الأشجار فأمر النبي أحد الصحابة واسمه أنس بن أبي مرثد أن يأتي بحصان ويصعد به إلى رأس الجبل ويقف عليه حتى يراقب المكان وذلك من طلوع الشمس حتى الغروب. كما أوصاه النبي ألا يترك مكانه إلا لقضاء حاجته أو لأداء الصلاة. فامتثل أنس لأمر النبي، ثم عاد النبي فسأله النبي: "هل رأيت شيئاً؟" قال: "لا والله"، فقال النبي: "أبشر فان لك الجنة ما ضرك ما فعلت بعد اليوم." بعدما تأكد النبي بعدم وجود كمائن بين الأشجار بدأ النبي يصف الجيش فكانت أول كتيبة بقيادة خالد بن الوليد، والثانية الزبير والثالثه قيادة على بن أبي طالب. ثم بدأت أول كتيبه بقيادة خالد بن الوليد تنزل إلى هذا المنحدر وعند نزولها بدأت كمائن جيش هوازن تخرج من بين الأشجار؛ فارتبك جيش المسلمين. قال تعالى:
لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ
. يقول راوي القصة أن بعض من كان بجيش المسلمين من كان يجري إلى مكة لا يلتفت إلى الوراء لضراوة المعركة، ولم يبقى مع النبي إلا قله من أصحابه وبدأ النبي ينادي ويقول: "إليّ عباد الله أنا رسول الله فكان أول من أجاب النبي عمه العباس ففرح النبي لأن العباس كان صوته عاليًا. فقال له النبي: "نادي عليهم يا عباس"، فقال: "ماذا أقول"، قال النبي: "قل يا أصحاب بدر"، فبدأ المسلمون يتجمعون حول النبي، وكان عددهم 66 من الأنصار و33 من المهاجرين. ثم بدأ القتال يشتد ويقول العباس من شدة القتال نزل النبي من على فرسه وركب بغلته وتوجه بها في اتجاه جيش هوازن وهو يقول: "أنا النبي لا كذب أنا ابن عبدالمطلب." ثم أخذ الرسول قبضة من التراب بيده وألقاها في اتجاه جيش هوازن، وقال شاهت الوجوه اللهم نصرك الذي وعدت يقول العباس فمارأيت أحداً من هوازن إلا يفرك عينيه أو فمه واشتد القتال ولجأ الصحابة إلى الله عز وجل. قال تعالى
ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ
. فقد أنزل الله سيدنا جبريل ومعه كتائب من الملائكة من السماء يراهم المؤمنين على هيئة نمل أسود صغير على أجساد الكافرين ويراهم الكافرين فرسان بيض. في هذه الأثناء، كان خالد بن الوليد قائد جيش المسلمين ملقى على الأرض وجسده كله طعنات فجاء النبي، وتفل في يده ومسح على جسد خالد بن الوليد حتى برأ . ثم لحقت الهزيمة بهوازن وفر الجيش من ميدان المعركة تاركاً وراءه عشرات الآلاف من الأبقار والأغنام والإبل. وجاء أبو سفيان لالنبي ليأخذ نصيبه من الغنائم فأعطاه النبي مائه أوقيه من الذهب ومثلها من الفضة وطلب لأبناءه فأعطاه النبي. وجاء صفوان بن أميه فأعطاه النبي مائه أوقيه من الذهب ومثلها من الفضة ومائة ناقة. يقول صفوان – وقد كان مازال كافراً – فما زال محمدًا يعطيني حتى أحببته. كان نصيب النبي من الغنائم إبل ما بين جبلين. فنظر أحد الأعراب إلى نصيب النبي فقال له النبي: "أتعجبك؟"، قال: "نعم"، قال: "هي لك." فذهب إليها وهو يلتفت ثم أخذ الإبل يسوقها إلى قومه يقول يا قوم أسلموا لقد جئتكم من عند خير الناس إن محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر أبداً. فكان النبي حريص على أن يجزل العطاء من الغنائم، فقال الأنصار لقد وجد محمداً أهله في مكة فبلغ هذا الكلام سعد بن عباده سيد الأنصار؛ فذهب االنبي وقال له ما قاله الأنصار فقال له النبي: "وما قولك يا سعد:، فقال يا رسول الله: "إنما أنا إمروء من قومي"، قال: "إذًا أجمع الناس"، فجمع النبي الأنصار وقال لهم: "لقد بلغتني عنكم مقالة أنكم وجدتم عليّ أني قد وجدت أهلي."
[13] بداية الغزوة
لحقت الهزيمة بالمسلمين في بداية غزوة حنين، وفر معظمهم في ميدان المعركة؛ لأنهم فوجئوا بما لم يتوقعوه.
[14] وقعت الهزيمة في الجولة الأولى لعدة أسباب منها:
[list defaultattr=]
[*]أن شيئًا من العجب تسرب إلى قلوب المسلمين، لما رأوا عددهم، فقد قال رجل منهم: لن نغلب اليوم من قلة، فشق ذلك على النبي فكانت الهزيمة.
[*]خروج شبان ليس لديهم سلاح أو سلاح كافٍ، وإنما عندهم حماس وتسرع.
[*]أن عدد المشركين كان كثيرًا بلغ أكثر من ضعفي عدد المسلمين.
[*]أن مالك بن عوف سبق بجيشه إلى حنين فتهيأ هنالك ووضع الكمائن والرماة في مضايق الوادي وعلى جوانبه، وفاجأوا المسلمين، برميهم بالنبال وبالهجوم المباغت.
[*]كان العدو مهيأ ومنظمًا ومستعدًا للقتال حال مواجهته لجيش المسلمين، فقد جاء المشركون بأحسن صفوف رُئيت: صف الخيل ثم المقاتلة ثم النساء من وراء ذلك ثم الغنم ثم النعم.
[*]وجود ضعاف الإيمان الذين أسلموا حديثًا في مكة، ففروا فانقلبت أولاهم على أخراهم، فكان ذلك سببا لوقوع الخلل وهزيمة غيرهم.
[15][16][/list]
لمّا وصل رسول الله إلى وادي حُنين، وإذا بالعدو قد سبقهم إليه، فأحاطوا ب النبي وجيشه وحملوا عليهم حملة رجل واحد، فانهزم الناس خوفاً منهم، أخذ ينادي "صلى الله عليه وآله": «أيّها الناس هلمّوا إليّ، أنا رسول الله محمّد بن عبد الله»، فلا يأتيه أحد! ولمّا رأى النبي هزيمة القوم عنه قال للعباس ـ وكان صيّتاً جهوري الصوت: «ناد القوم وذكّرهم العهد»، فنادى بأعلى صوته: يا أهل بيعة الشجرة، يا أصحاب سورة البقرة! إلى أين تفرّون؟ اذكروا العهد الذي عاهدتم عليه رسول الله.
ثبات
إنّ الذين ثبتوا مع رسول الله يوم حُنين بعد هزيمة الناس هم: علي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطّلب، والفضل بن العباس بن عبد المطّلب، وربيعة بن الحارث بن عبد المطّلب، ونوفل بن الحارث بن عبد المطّلب، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطّلب، وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب، وأيمن بن عبيد، وهو ابن أُمّ أيمن مولاة رسول الله وحاضنته، وقد قُتل يوم حُنين. وقال العباس بن عبد المطّلب في ذلك:
| نصرنا رسول الله في الحرب تسعة ** وقد فرّ مَن قد فرّ منهم واقشعوا وقولي إذا ما الفضل شدّ بسيفه ** على القوم أُخرى يا بُني ليرجعوا وعاشرنا لاقى الحمام بسيفه ** بما مسّه في الله لا يتوجّع |
|
يعني أيمن بن عبيد. وقال الشيخ المفيد: «لم يبق مع النبي إلّا عشرة نفر، تسعة من بني هاشم خاصّة، والعاشر أيمن ابن أُمّ أيمن».
[18] ومن المواقف المشرفة في هذه المعركة موقف الصحابية أم سُليم رضي الله عنها، وكانت مع زوجها أبي طلحة رضي الله عنه. وقد روت كتب الحديث والسِّيَر بسند صحيح وقائع خبرها، فعن أنس رضي الله عنه، أن أم سليم رضي الله عنها اتخذت يوم حنين خنجرًا، فكان معها فرآها أبو طلحة، فقال: يا رسول الله ! هذه أم سليم، معها خنجر، فقال لها رسول الله: ما هذا الخنجر؟ قالت: اتخذته، إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه، فجعل رسول الله يضحك، قالت: يا رسول الله اقتل من بعدنا من الطلقاء، انهزموا بك، فقال رسول الله: "يا أم سليم! إن الله قد كفى وأحسن."
هزيمة ونصر
تمكّن رسول الله من بثّ روح الجهاد في نفوس المسلمين من جديد، و قد كان أصابهم الخوف و الذعر و أوشكوا على الفرار الكامل و تسجيل الهزيمة النكراء، فاجتمع المسلمون ثانية و هجموا هجمة واحدة على المشركين، ومضى علي بن أبي طالب -عليه السَّلام- إلى صاحب راية هوازن فقتله، و بعد مقتله كانت الهزيمة للمشركين. و هكذا كتب الله النصر لرسوله الكريم و نصرهم بجنود من الملائكة، و إلى هذا النصر يشير القرآن الكريم:
ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ
[20] قال الشيخ المفيد: «وأقبل رجل من هوازن على جمل له أحمر بيده راية سوداء في رأس رمح طويل أمام القوم، إذا أدرك ظفراً من المسلمين اكبّ عليهم، وإذا فاته الناس رفعه لمن وراءه من المشركين فاتّبعوه، وهو يرتجز ويقول:
| أنا أبو جرول لا براح ** حتّى نبيح القوم أو نباح |
|
فصمد له علي فضرب عجز بعيره فصرعه، ثمّ ضربه فقطره، ثمّ قال:
| قد علم القوم لدى الصباح ** إنّي في الهيجاء ذو نطاح |
|
فكانت هزيمة المشركين بقتل أبي جرول، ثمّ التأم الناس وصُفّوا للعدو، فقال رسول الله: «اللّهمّ إنّك أذقت أوّل قريش نكالاً، فأذق آخرها نوالاً»، وتجالد المسلمون والمشركون، فلمّا رآهم النبي قام في ركابي سرجه حتّى أشرف على جماعتهم، وقال: «الآن حمي الوطيس»
| أنا النبي لا كذب ** أنا ابن عبد المطّلب |
|
فما كان بأسرع من أن ولّى القوم أدبارهم، وجيء بالأسرى إلى رسول الله مكتّفين.
[21] قال سلمة بن الأكوع: «ونزل رسول الله عن البغلة، ثمّ قبض قبضة من تراب، ثمّ استقبل به وجوههم وقال: "شاهت الوجوه"، فما خلق الله منهم إنساناً إلّا ملأ عينيه تراباً بتلك القبضة، فولّوا مدبرين، واتبعهم المسلمون فقتلوهم، وغنّمهم الله نساءهم وذراريهم وشاءهم وأموالهم».
[22] ولما انهزم العدو صارت طائفة منهم إلى الطائف، وطائفة إلى نَخْلَة، وطائفة إلى أوْطاس، فأرسل النبي إلى أوطاس طائفة من المطاردين يقودهم أبو عامر الأشعري، فَتَنَاوَشَ الفريقان القتال قليلاً، ثم انهزم جيش المشركين، وفي هذه المناوشة قتل القائد أبو عامر الأشعري. وطاردت طائفة أخرى من فرسان المسلمين فلول المشركين الذين سلكوا نخلة، فأدركت دُرَيْدَ بن الصِّمَّة فقتله ربيعة بن رُفَيْع، وأما معظم فلول المشركين الذين لجؤوا إلى الطائف، فتوجه إليهم رسول الله بنفسه بعد أن جمع الغنائم.