الغزوة
بداية المسير
خرج رسول الله
وأصحابه بروح إيمانية عالية، مخلصين لله موقنين بالنصر، مستبشرين بالغنيمة التي وعدهم الله إياها وهم في طريق عودتهم من الحديبية، في قوله تعالى:
وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا
[13] ولم يسمح النبي
للمنافقين وضعفاء الإيمان الذين تخلفوا في الحديبية بالخروج معه، فلم يخرج معه إلا أصحاب الشجرة، تصديقًا لقوله تعالى:
وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا
لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا
[14] قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية: "يعني مغانم خيبر لأن الله عز وجل وعد أهل الحديبية فتح خيبر وأنها لهم خاصة، من غاب منهم ومن حضر".
[15]وثارت الحمية في قلوب المسلمين لقتال عدوهم، لم يفتّ في عضد المسلمين كثرتهم وقوتهم؛ إذ كانت يهود خيبر لا يظنون أن رسول الله
يغزوهم لمنعتهم وحصونهم وسلاحهم وعددهم، كانوا يخرجون كل يوم عشرة آلاف مقاتل صفوفاً ثم يقولون: محمد يغزونا؟ هيهات، هيهات.
[16] ولم يثن من عزمهم مَنعة حصونهم، بل تحركوا إلى خيبر تملؤهم الثقة بالله، والاطمئنان إلى وعده بالنصر، وتدفعهم عقيدتهم الصافية وإخلاصهم لإعلاء كلمة الله،
[17] فانطلقوا مهللين مكبرين رافعين أصواتهم بذلك، حتى أمرهم رسول الله
أن يرفقوا بأنفسهم، وقال لهم: "إنكم لا تدعون أصمّ ولا غائبًا إنكم تدعون سميعًا قريبًا وهو معكم".
[18][19] وسار الجيش في طريقه إلى خيبر ونزل عامر بن الأكوع رضي الله عنه
[20] يحدو بالقوم يقول:
| اللهـمَّ لولا أنـتَ ما اهتـدَينــا ولا تصــدقنــا ولا صـلَّيْنـــــا فاغفِــرْ فِــداءً لكَ ما أبقينــا وأَلقِيَـــن سكينـــةً عـليْنــــــا وثبـــتِ الأَقْــــدامَ إنْ لاَقَيْنـا إنَّــــا إذا صِيـــحَ بنـا أَبَيْنــا وبالصِّياحِ عَوَّلوُا علَينا |
|
[21][22]ونزل الجيش بقيادة النبي
بواد يُقال له الرجيع،
[23] وكان بين اليهود وبني غطفان، وذلك ليحولوا بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر، وقد سمعوا بخروج النبي
لخيبر، فجمعوا جموعهم، وخرجوا ليظاهروا اليهود، فلما ساروا مسافة، سمعوا خلفهم في أموالهم وأهليهم حسًا، فظنوا أن المسلمين قد خالفوا إليهم، فرجعوا على أعقابهم، وأقاموا في أهليهم وأموالهم، وخلوا بين الرسول
وبين خيبر،
[24][25] وكفى الله المؤمنين مؤونة قتالهم.
ولما أشرف الجيش الإسلامي على خيبر، وقف النبي
يدعو ربه ويستنصره، فقال: "اللهم رب السماوات السبع وما أظلَلْن، ورب الأرَضين السبع وما أقلَلْن، ورب الرياح وما ذرين، ورب الشياطين وما أضللن، نسألك خير هذه القرية وخير أهلها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها".
[26][27][28][29][30]وقدم المسلمون خيبر، وروحهم المعنوية كأفضل ما يكون، سموًا وبذلًا وتضحيةً في سبيل الله وكان قدومهم ليلًا، "وكان النبي
إذا أتى قومًا بليل، لم يُغِر بهم
[31] حتى يصبح، فلما أصبح خرجت اليهود بمساحيهم ومكاتِلِهم،
[32][33] فلما رأوه قالوا: محمد والله، محمد والخميس.
[34] فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "خرِبَت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قومٍ فساء صباح المنذَرين
[32]" .
[35] وقد حقق النبي
بذلك عنصر مفاجأة اليهود، حين رأوا جحافل الجيش الإسلامي مرابطة أمام مدينتهم فأوقع ذلك الاضطراب بينهم، وارتدوا إلى حصونهم هاربين فزعين.
الزحف نحو خيبر
أحد حصون اليهود بخيبر
حاصر المسلمون حصون خيبر
[36] متأهبين لقتال اليهود، وقد أخذوا أسلحتهم وأعدُّوا عدتهم لذلك، وأراد رسول الله
أن يستثير همم أصحابه لمواجهة أعدائهم، وأن يحفز في نفوسهم البذل وحب الله ورسوله، فقال: "لأعطين هذه الراية غدًا رجلًا يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله".
[37] وعند ابن اسحاق رحمه الله: "يحب الله ورسوله، يفتح الله على يديه، ليس بفرار".
[38] فبيّن النبي
لصحابته شرطين رئيسين للحصول على النصر بإذن الله وهما: حب الله تعالى ورسوله، والثبات في المعركة وعدم التولي في الزحف. وتطلع الصحابة رضوان الله عليهم إلى نيل هذا الشرف، وتمناه كل واحد منهم، فقد روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: "فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله
كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: "أين علي بن أبي طالب؟" فقيل: هو يا رسول الله يشتكي عينيه. قال: "فأرسلوا إليه". فأُتي به فبصق رسول الله
في عينيه ودعا له فبرأ". ثم سلَّمه الراية، وأوصاه بدعوة اليهود إلى الإسلام قبل مداهمتهم وقتالهم، فالدعوة إلى الله ليست في حال السلم فقط، بل قد تكون والمسلم في قلب المعركة، فالمسلم داع إلى الله تعالى قبل أن يكون مقاتلًا، والدعوة إلى الله هي الأصل، والهداية خير من القتل
[39] فقال له صلى الله عليه وسلم: "انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، واخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من أن يكون لك حُمْر النعم
[40]".
[41][42] والتقى الجمعان وأبدى المسلمون من ضروب الشجاعة والتضحية في سبيل الله ما أذهل اليهود، وجعلهم يستميتون في الدفاع عن أنفسهم وعن حصونهم. وفتح الله على رسوله أول الحصون حصن ناعم، ثم فتح بعده حصن القَموص، ثم جعل النبي
يفتح حصون خيبر واحدًا تلو الآخر، وكلما فتح حصنًا يهرب شراذم اليهود إلى الحصن الذي يليه، حتى انتهى إلى آخر حصونهم: الوَطِيح والسُلاَلم، فحاصرهم حصارًا شديدًا، حتى إذا أيقنوا بالهلكة ورأوا أن الدائرة عليهم، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحقن دماءهم وأن يسيِّرهم ففعل. ثم سألوه أن يبقيهم على زراعة أرض خيبر مقابل نصف ما يخرج من ثمارها فأعطاهم ذلك،
[43] على أن يخرجهم متى شاء،
[44] وكان النبي قد حاز الأموال كلها: الشِّق ونَطَاة والكَتِيَبة وجميع حصونهم.
[45] وقد جرت أثناء القتال مبارزات عديدة،
[46] أظهر فيها المسلمون شجاعةً وإقدامًا عظيمين، وكان النصر فيها حليف المسلمين، ورأى اليهود منهم ما زلزلهم وقذف الوهن في قلوبهم.
قبل المعركة
وصل الصحابة -رضوان الله عليهم- إلى خيبر، وبدأ الرسول يدرس الموقف، فمن أيِّ الحصون يدخل خيبر؟ فخيبر عبارة عن منطقة ذات حصون كثيرة، وفيها الحصون الكبيرة والحصون الصغيرة، والحصون الكبيرة ثمانية حصون رئيسية؛ فخمسة من هذه الحصون في منطقة، وثلاثة في منطقة أخرى، والخمسة حصون الأولى هي خط الدفاع الاستراتيجي الأول لليهود، وتنقسم إلى: ثلاثة في منطقة تسمى النَّطَاة، واثنين في منطقة تسمى الشَّق، أما حصون النطاة فكانوا بالترتيب الآتي: ناعم، ثم الصعب بن معاذ، ثم قلعة الزبير. وكان حصن ناعم من الحصون القوية في خيبر، واقترب الرسول
من هذا الحصن، وأرسل علي بن أبي طالب ليدعوهم إلى الإسلام.
لم يستجب اليهود لدعوة المسلمين لهم بالدخول في الإسلام، وأصروا على القتال، بل أخرجوا أحد قادتهم الكبار ليحارب المسلمين، وكانت عادة الحروب القديمة أن يبدأ القتال بمبارزة بين فارسين من كلا الجيشين، والمنتصر في هذه المبارزة يُعطي دفعة معنوية كبيرة لفريقه إن انتصر في هذه اللحظات الأولى من القتال؛ أخرج اليهود أحد أبطالهم، وكان من أشد الفرسان في تاريخ العرب بصفة عامَّة، وهذا الرجل كان اسمه مَرْحَبًا، وكان رجلاً عملاقًا ضخم الجثة، وخرج للقتال وطلب المبارزة، فخرج له عامر بن الأكوع، وسَرْعان ما دارت المبارزة بين الاثنين، وضرب عامر بن الأكوع مَرْحبًا اليهوديّ ضربة كبيرة، ولكن الضربة طاشت ولم تصل إلى مَرْحَب، وأكملت الطريق إلى رُكبة عامر فَقُتل بسيفه، فاستشهد ، فقال الصحابة: قد قتل نفسه. وتأثر الصحابة بهذا الموقف، بل وصل الأمر إلى أن بعض الصحابة قالوا: حبط عمله. وكأنه قتل نفسه بإرادته. ولكن الرسول
علق بعد ذلك على هذه الحادثة، وأثنى على عامر بن الأكوع، وقال : "إِنَّ لَهُ لَأَجْرَيْنِ"، وجمع بين إصبعيه ، ثم قال: "إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ، قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا مِثْلُهُ"؛ يعني نادرًا من العرب الذي مشى في أرض المعركة مثل عامر بن الأكوع.
[47][48]ولكن ما حدث كان في الحقيقة أزمة، وحدث نوع من الهزَّة عند المسلمين، وارتفعت الروح المعنوية عند اليهود، ووقف مَرْحَب القائد اليهودي يطلب القتال من جديد بعد أن ارتفعت معنوياته في هذه اللحظات الأولى من القتال، فخرج له البطل الإسلامي علي بن أبي طالب حاملًا راية المسلمين في غزوة خيبر، ودار بينهما قتال شديد عنيف، ثم مَنَّ الله على علي بن أبي طالب بالنصر، كما تنبأ بذلك الرسول
، وقتل علي بن أبي طالب مَرْحبًا، وكان قتله إشارة كبيرة إلى أن النصر سيكون للمسلمين إن شاء الله؛ لأن هذا الرجل كان أقوى رجلٍ في اليهود، وكان اليهود لا يتخيلون أبدًا أن يقتله أحدٌ من المسلمين. وخرج أخو مرحب -وكان اسمه ياسرًا وكان يريد الثأر لأخيه، وكان من عمالقة اليهود أيضًا- يطلب القتال، فخرج له الزبير بن العوام، واستطاع الزبير بن العوام أن يقتل ياسرًا أخا مَرْحب، وكان ذلك بداية الانتصار للمسلمين.
احتدام القتال
احتدم اللقاء بين الصحابة وبين اليهود، فهذا اللقاء لم يكن ساعة أو ساعتين، ولكنه استمر عِدَّةَ أيام متصلة، وهذا غريب في عُرْف القتال؛ فكما رأينا قبل ذلك في بدر وفي أُحد وفي غيرها كان اللقاء يومًا واحدًا، ولكن في هذا اللقاء الشديد دارت المعركة أكثر من يوم حتى تسلل اليهود من حصن ناعم وتركوه فارغًا للمسلمين، وكان هذا التسلل ليلاً، وانتقلوا إلى الحصن الذي وراءه، وتحصنوا في حصن الصعب بن معاذ، واحتل المسلمون حصن ناعم، وكان هذا إضافةً كبيرة للجيش الإسلامي في غزوة خيبر. وتوجه الرسول إلى حصن الصعب، وحاصر الحصن حصارًا شديدًا، وكان حصن الصعب بن معاذ أشد خطورةً وصعوبة من حصن ناعم، وأحكم المسلمون الحصار على حصن الصعب بن معاذ.
ومع أن الحصار كان شديدًا، ومع أن فتنة الحرب كانت كبيرة، إلا أن الله أراد أن يبتلي المؤمنين، فأوقعهم في أمر صعب إلى جوار صعوبة الحرب، وهو أمر الجوع؛ إذْ دخل المسلمون في جوع شديد جدًّا لدرجة أن الصحابة قالوا: لقد جهدنا وما بأيدينا من شيء؛ فأصبح الموقف حرجًا للغاية.
وعندما ازداد الجوع على المسلمين، قام بعض رجال الجيش الإسلامي بذبح بعض الحمير للأكل. والحقيقة أن العرب كانت تأكل الحمير في ظروف معينة، ولم يكن الأمر محرمًا على المسلمين في ذلك الوقت، ونصبوا القدور، ولم يكن هذا بعلم الرسول
، ولما رأى الرسول
النيران مشتعلة قال: "عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ؟".
فهو يعلم أنه ليس مع الجيش لحم يطبخ، ولا شيء يوقد عليه نار، فقالوا: يا رسول الله، نوقد هذه النيران على لحم. فقال: "أَيُّ لَحْمٍ؟" فقالوا: لحوم الحُمُر. يعني لحوم الحمر التي تُستخدم في النقل، وهذه الحمير لم تكن محرَّمة على المسلمين حتى هذه اللحظة، ولكن الرسول في هذا الموقف الصعب قام ونَهَى عن أكل لحوم الحُمُر الأهليَّة، وقال: "لاَ تَأْكُلُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئًا وَأَهْرِقُوهَا".
[49] وإنه لموقف صعب حقًّا، فالصحابة في ضائقةٍ وجوع شديد، وبدأت اللحوم تنضج ورائحة اللحوم بدأت تظهر، والصحابة متشوِّقون للأكل، ثم أتى النهي من عند رسول الله. وهذا النهي لا ينصاع له إلا مؤمن كامل الإيمان، وبفضل الله فإن جميع الجيش -بلا استثناء- قد نجح في هذا الاختبار، ولم يأكل أحد من هذه اللحوم، بل إن الرسول
لم يكتفِ بتحريم الأكل من لحوم الحُمُر الإنسيَّة، وإنما قال: "أَهْرِيقُوهَا واكْسِرُوهَا"؛ ليختفي كل أثر لهذه اللحوم، فسأل بعض الصحابة: أَوْ نُهَرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا؟ يعني بدل الكسر نغسل القدور، فقال : "أَوْ ذَاكَ".
[50][51]في ظل هذه الأزمة الكبيرة وبعد استجابة الصحابة رضوان الله عليهم لأمر الرسول
، لجأ المسلمون لجوءًا كاملاً إلى الله، وهذا من أبلغ الفوائد في الأزمات، لجوء المسلمين الصادقين إلى الله؛ ليفتح لهم أبواب الرحمة. ووقف المسلمون يدعون مع الرسول
، هو يدعو وهم يؤمِّنون، فقال: "اللَّهُمَّ إِنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ حَالَهُمْ وَأَنْ لَيْسَتْ بِهِمْ قُوَّةٌ، وَأَنْ لَيْسَ بِيَدِي شَيْءٌ أُعْطِيهِمْ إِيَّاهُ، فَافْتَحْ عَلَيْهِمْ أَعْظَمَ حُصُونِهَا عَنْهُمْ غَنَاءً، وَأَكْثَرَهَا طَعَامًا وَوَدَكًا".
[52]سقوط حصن الصعب وقلعة الزبير[عدل]
وبفضل لجوء المسلمين إلى الله ، جاء النصر من السماء؛ ففي اليوم التالي فتح الله عليهم حصن الصعب بن معاذ، وهذا من أغنى حصون خيبر بالطعام والشراب، وما لذَّ من ألوان الطعام المختلفة، ووجدوا فيه الطعام والوَدَك كما دعا رسول الله، وأكل الناس وشبعوا واستكملوا الحرب، ثم انتقلوا بعد ذلك إلى حصن قلعة الزبير، وهو الحصن الثالث في المنطقة؛ وحصن قلعة الزبير من أمنع الحصون أيضًا في هذه المنطقة، وكما يقول الرواة: لا تقدر عليه الخيل والرجال؛ لأنه فوق قمة جبل ومن الصعب الوصول إليه.
وفرض الرسول
عليه الحصار، وظل الحصار ثلاثة أيام، ثم ألقى الله الرعب في قلب رجل من اليهود فأتى وتسلل من الحصن، وجاء إلى الرسول وطلب الأمان، وقال له: يا أبا القاسم، إنك لو أقمت شهرًا تحاصرهم ما بالوا بك، إن لهم شرابًا وعيونًا تحت الأرض، يخرجون بالليل ويشربون منها، ثم يرجعون إلى قلعتهم دون أن يشعر المسلمون بهم. وقال اليهودي: فإن قطعت مشربهم عليهم خرجوا لك؛ لأنهم لا يستطيعون أن يعيشوا من غير ماء. فوصل الرسول إلى هذه المياه وقطعها عن اليهود، فخرجوا إليه وقاتلوا قتالاً شديدًا، واستمر القتال حتى انتصر المسلمون وافتتحت قلعة الزبير، وكان القتال في منتهى الضراوة