الذكرى 38 لرحيل عندليب الغناء العربى\عبد الحليم حافظ(العندليب الأسمر)
ولد عبدالحليم شبانه ، فى الحلوات محافظه الشرقيه ، حاصل على بكالريوس المعهد العالى للموسيقى العربيه ، قسم التلحين عام 1948 ، عمل اربع سنوات ، مدرسا للموسيقى فى طنطا ، ثم الزقازيق ، وأخيرا فى القاهرة ، وقدم إستقالته من التدريس عام 1959 ، إلتحق بفرقه الإذاعه الموسيقى عازافا لأاله الأبوة عام 1950 ، أول اغنيه غناها للإذاعه كانت لقاء ، أول فيلم قام بتمثيله لحن الوفاء ، كان بطل اول فيلم مصرى سكوب ألوان دليله ، وقام بالإنتاج السينمائى ، حيث كون مع الموسيقار محمد عبدالوهاب ووحيد فريد مدير التصوير ، بشركه صوت الفن ، قدم أغنيات فى كل البلاد العربيه ، وبعض دول اوربا غنى لجميع الملحنين ، حوالى 300 أغنيه ، ونشيد وطنى وقصيدة ، لم يتزوج ، وإن قيل أن هناك إقترانا عرفيا مع سعاد حسنى ، أتسم أدائه بالبساطه والعفويه ، وكان ممثلا مقبولا ، وهناك بعض المشاهد المهمه له ، كممثل فى معبودة الجماهير ، أيضا فى مشهد المواجهه أبى فوق الشجرة ،
أن صوته لا يزال يشع في فضاء «الثورات العربية»، ولا تزال تردد الجماهير وراءه «يا بركان الغضب يا موحد العرب». فلم يكن العندليب عبد الحليم حافظ مجرد فنان مر «صدفة»، بل كان رائدا من رواد الطرب، صنع مدرسة فنية بإحساسه وصوته العذب، شعارها «يا مركبي سيري».
«في يوم» 30، «في شهر» مارس (آذار) «في سنة» 1977، رحل ذلك الفتى اليتيم «مداح القمر»، الذي كان «في يوم من الأيام» بالمجد «موعود»، فرغم المرض وجسده النحيل المثير للتعاطف رفع شعار «أي دمعة حزن لا»، ليبدأ صوته الرائق المملوء بالحزن وإحساسه المفرط بالشجن يتسلل تحت «ضي القناديل» إلى جمهوره، وهم يستقبلونه بترحاب «نعم يا حبيبي نعم».
ورغم مرور 36 عاما على رحيل العندليب، إلا أنه لا يزال يعيش داخل قلوب جمهور «الوطن الأكبر» من المحيط للخليج، لسان حالهم «عاش اللي قال» فلا يشعر أحد بغيابه، فأعماله الفنية مادة ثرية للفضائيات والإذاعات، ولا تخلو منها ذاكرة أجهزة الجوال والحاسبات الشخصية. ولا تزال طقوس الاحتفال بذكرى رحيله قائمة عاما وراء عام، يفتح فيها باب منزله بحي الزمالك بالقاهرة لجمهوره، مع تسابق وسائل الإعلام على بث أعماله في هذا اليوم.
اهتم حليم بتطوير الأغنية الوطنية والشعبية، حيث تمتع بفكر سبق عصره، غنى كل الألوان الرومانسية والاجتماعية، والوطنية والقومية، كما غنى الابتهالات الدينية.
قدم عبد الحليم 16 عملا سينمائيا كانت في الصدارة في ذلك الوقت، فقدم أول أفلامه «لحن الوفاء» مع الفنانة شادية ليضع قدمه على أول سلم عالم التمثيل، ثم تعددت نجاحاته بعد ذلك في أعمال سينمائية كبرى مثل «بنات اليوم» و«أيامنا الحلوة» و«الخطايا» و«دليلة» و«البنات والصيف» و«معبودة الجماهير»، إلى أن وصل إلى محطته الأخيرة في فيلم «أبي فوق الشجرة». كما قام عبد الحليم ببطولة المسلسل الإذاعي «أرجوك لا تفهمني بسرعة»، وهو المسلسل الوحيد الذي شارك فيه عبد الحليم بطلا للحلقات، بمشاركة نجلاء فتحي وعادل إمام.
و«على قد الشوق» للعودة إلى زمن العندليب في ذكرى رحيله، يسأل كثير من جمهوره «قارئة الفنجان».. لماذا لم يمت صوت عبد الحليم رغم مرور كل هذه السنوات؟!.
السؤال حملته «الشرق الأوسط» إلى الموسيقار «محمد سلطان»، الذي عاصر زمن العندليب، فأجاب: «الفن المخلص الحقيقي وليس المزيف يظل ساكنا داخل قلوب الجمهور، وعبد الحليم كان عنوانا للإخلاص في عمله، ولديه الوفاء الكافي لعمله ويقدم كل شيء بإتقان دون اللجوء إلى الابتذال أو الاستسهال كما يحدث الآن، ولذلك ستظل أعماله خالدة وشامخة للأبد ولن تموت، فهي أعمال ذات قيمه حقيقة، وهذا هو حال القمم الفنية لا تموت وتظل مهما مر من وقت، لذا يستحق منا عبد الحليم كل الحب والتقدير».
وإذا كان جمهور العندليب يعيش حاليا زمن الربيع العربي، فإن صوت عبد الحليم حافظ كان مرتبطا بالتاريخ الانتقالي للأمة العربية. هذا ما يراه سلطان، متابعا: «كان صوته لسان حال الثورات، بدءا من ثورة يوليو (تموز) في مصر ومرورا بثورة الجزائر واليمن، فالأغنية الوطنية هنا لعبت دورا رياديا في قيادة الشعوب وأسهمت في إثراء الوعي الثقافي والسياسي».
وعن ذكرياته مع العندليب، يقول: «أتذكر أنه جاء لي في بيتي في الساعة الرابعة صباحا قبل رحلته الأخيرة إلى لندن وهو في عز مرضه، ليطلب مني تلحين أغنية بعنوان (أحلى طريق)، وأعطاني كلمات الأغنية على شريط مسجل وطلب مني تلحينها لكي يغنيها في عيد الربيع، ولكن القدر كان أسرع مني ومنه فمات قبل أن يغنيها، وقامت بغنائها زوجتي الفنانة فايزة أحمد».
وأوضح أنه تعاون مع حليم في أغنية واحدة، حيث طلب منه العندليب أن يلحن أغنية للملك محمد السادس ملك المغرب أثناء وجودهم في عيد ميلاده وكانت بعنوان «محمد مبروك ألف مبروك». ويتحدث سلطان عن حليم الإنسان قائلا: «كان إنسانا كله حب وعشق للحياة رغم علمه بمرضه، وكان كريما بلا نهاية، ودليل إنسانيته أنه وقت مرضه كان يظل طوال الليل لا ينام خوفا من حدوث نزيف له، وكان يرفض أن يجلس أحد بجواره وهو نائم خوفا عليهم».
عبد الحليم حافظ
وسط مد الحنين لعندليب الغناء العربي عبد الحليم حافظ الذي تحل اليوم الإثنين، الذكرى 38 لرحيله عن الحياة الدنيا ، تتردد اسئلة عن أسباب عدم ظهور أصوات مثل صوت العندليب الأسمر ، فضلا عن غياب ملحوظ لأغان تعبر عن ثورة يناير - يونيو مثلما عبرت أغاني عبد الحليم عن ثورة 23 يوليو ، فيما يتساءل البعض عما اذا كنا نعاني من ازمة في المواهب الجديدةعلى وجه العموم ؟!.
وقد لاتكون مثل هذه الاسئلة لها صلة بالحنين الذي يسكن بين الضلوع ويطل من فسحات العيون لأجيال عاصرت عندليب الغناء العربي ، ولعلها ايضا متصلة بأسئلة مثل :"ماذا في هذا "الفتى اليتيم الموعود بالمجد والعذاب"..لماذا يتربع في قلوب الملايين وهو الذي رحل عن الحياة الدنيا يوم الثلاثين من مارس عام 1977 ؟!.
أتكون ملامحه المصرية الخالصة والمفعمة بالرومانسية وجسده النحيل الذي فعل فيه المرض افاعيله ، أم صوته الصافي بمسحة حزن وحساسية فائقة ، أم أنه هو ذاته كان "أيقونة الحنين"؟!.. أم أن السبب أن أحدا من المطربين لم يكن بمقدوره ان يضارع عبد الحليم حافظ منذ ان رحل عن الحياة الدنيا؟!.
وإذا كان عبد الحليم حافظ يوصف بأنه "مطرب ثورة 23 يوليو 1952 وابن هذه الثورة وصوتها" فمنذ ثورة 25 يناير 2011 وموجتها الثانية في 30 يونيو 2013 لم يظهر صوت مصري يعبر غنائيا عن قوة ما أحدثته هذه الثورة من تغيرات في المجتمع المصري وهي ملاحظة تمتد ايضا لمجالات ابداعية اخرى كالشعر والسينما والمسرح وحتى اللوحات التشكيلية.
ومن هنا يذهب البعض الى أن ثورة يناير - يونيو لم تبدع بعد اغنيتها ونشيدها وقصيدتها وفيلمها السينمائي ومسرحها ، وأن جماليات الثورة لم تتحقق بعد فنيا ، فيما يلفت البعض الأخر من الكتاب والنقاد الى أن الثورات الكبرى تمثل حضانة ابداعية للفن كما انها تتأثر بالابداعات الفنية.
وفي وقت يتحدث فيه بعض الكتاب عن غياب الابداع او على الأقل عدم ظهور مواهب بحجم ام كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ في فن الغناء ، فان هناك اتفاقا على أهمية توفير البيئة الابداعية المواتية لظهور مواهب جديدة في عصر اضحت فيه الموارد البشرية اكثر اهمية من الموارد الطبيعية وغدا الاستثمار في الانسان هو الأكثر فائدة وربحا.
وكما يقول الكاتب والمحلل الدكتور وحيد عبد المجيد فان الابداع اذا لم يجد الظروف اللازمة لنموه يموت ، فلا تبقى في الأمم التي تفقده قدرة على الحياة ، مضيفا في زاويته بجريدة الأهرام :" وفي مصر الآن عدد كبير لانعرفه من الشباب الذين يحتاجون الى من يفتح الأبواب المغلقة امامهم ويوفر لهم الامكانات اللازمة لتطوير قدراتهم الابداعية".
وفيما تألقت المطربة المصرية الصاعدة ياسمينا علواني في الموسم الأخير لبرنامج اكتشاف المواهب المعروف "بآراب جوت تالنت" فان صوتها اثار جدلا بين مطربين وموسيقيين عرب بقدر ما اثار اعجاب العديد من المتابعين فضلا عن جدل في بعض الصحف ووسائل الاعلام.
وياسمينا التي ظهرت مؤخرا من جديد لتشدو في الحفل الختامي للدورة الثانية والعشرين للمهرجان الدولي لسينما وفنون الطفل تبدو بالفعل من اقوى واعذب الأصوات المصرية الصاعدة في السنوات الأخيرة ، غير أن المحك الحقيقي لها كمطربة قد يكون امتلاكها صوتها الخاص بعيدا عن اداء اغاني كوكب الشرق وسيدة الغناء العربي أم كلثوم.
ولن تكون الاجابة سهلة أو حاضرة بصورة فورية على سؤال مثل: "هل تكون ياسمينا بشيرا بأصوات مرحلة مابعد ثورة يناير - يونيو كما كان عبد الحليم حافظ صوت ثورة 23 يوليو بما احدثته من تغيرات عميقة في الواقع المصري"؟! غير أن هناك حقيقة لايمكن التغاضي عنها ، وهي أن الفن الجديد يأتي جراء هزات عنيفة في اي مجتمع كما يقول مالكولم برادبري وجيمس ماكفارلن في كتابهما "الحداثة".
ولايمكن في هذا السياق تناسي أن الفنان المصري الخالد الموسيقار سيد درويش كان ابن ثورة 1919 وصوت هذه الثورة الشعبية التي كانت بمثابة بعث حقيقي لروح الوطنية المصرية ، وانعكست آثارها على شتى مناحي الحياة في ارض الكنانة.
وإذا كانت ثورة 1919 قد فجرت عبقرية سيد درويش الموسيقية ليضع الأساس للألحان القومية بكلمات معبرة عن هموم المصريين وامانيهم وتطلعاتهم وبنغمات مصرية اصيلة ، فان هذه الثورة دفعت محمود مختار ليضع بدوره الأساس الحقيقي لفن النحت المصري الحديث.
والغناء جزء اصيل في تركيبة الشخصية المصرية ، كما قال الكاتب والروائي الراحل خيري شلبي معتبرا أن رحلة الموسيقى الغنائية في مصر طوال القرن العشرين كانت في حقيقة الأمر جهودا مضنية وناجحة للتخلص من الطابع التركي الى أن تحررت منه تماما على يد سيد درويش ومن بعده كل من محمد عبد الوهاب ومحمد فوزي.
وفي طرح بعنوان : "الغناء المصري في مائة عام" يضيف الراحل المبدع خيري شلبي أن وسائل الاتصال الجماهيري التي حظى بها القرن العشرون حينما وفدت الى مصر ، وجدت في المجتمع المصري بيئة موسيقية كاملة وحافلة بالعناصر الخلاقة.
ولئن ذهب خيري شلبي إلى أن سيد درويش انتج موسيقى مصرية عربية صرفة تنبع من مزاج مصري خالص وتنحو منحى ثوريا سياسيا فلعل عبد الحليم حافظ الذي تمر اليوم 38 عاما على وفاته يشكل النموذج الأكثر وضوحا وجلاء لعلاقة الفن بالسياسة كعلاقة وثيقة لايمكن فصم عراها ، كما أنه من الضروري ملاحظة أن الأغنية تكاد تنفرد كفن بامكانية تقديم رسالة كاملة الشكل والمضمون في دقائق معدودة بسلاسة ويسر.
وعبد الحليم حافظ أو "صوت ثورة 23 يوليو 1952" قدم عشرات الأغنيات الوطنية التي عبرت عن كل الأحداث الكبرى في تلك المرحلة مثل :"السد العالي" و"بالأحضان" و"المسئولية" و"بستان الاشتراكية" و"الوحدة العربية" و"صورة" و"احنا الشعب" و"عاش اللي قال".
وفي تلك المرحلة أيضا شدت أم كلثوم بأغاني مثل :"صوت الوطن" و"ثوار" و"والله زمان ياسلاحي" و"صوت السلام" كما قدم محمد عبد الوهاب نشيد الحرية و"كل اخ عربي" وهو رائد الأغنية الجماعية "الوطن الأكبر" وكان لفريد الأطرش ان يغني "المارد العربي" وتغنى محمد قنديل بنشيد الوحدة من كلمات بيرم التونسي والحان عبد العظيم عبد الحق.
وبقدر دعم عبد الحليم حافظ وغيره من الفنانين لأهداف ثورة 23 يوليو ، كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر يقدر الفن والفنانين وهو الذي قال :"ان الفن اصبح من اقوى الأسلحة في معركة الحرية ضد الاستعمار والاستغلال".
ولعلنا اليوم بحاجة لأغاني تعبر عن انجازات المصريين بعد ثورة يناير - يونيو مثل المشروع العملاق لقناة السويس الجديدة ، كما غنى عبد الحليم حافظ وغيره وتغنى بانجازات المصريين في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين في تأكيد على حقيقة التلازم بين الثورة والفن بقدر ماعبرت اغاني عبد الحليم عن روح مصر وامتها العربية في تلك السنوات.
ورغم مرور كل هذه السنوات على رحيل عبد الحليم حافظ فان العديد من الصحف المصرية والعربية تخصص هذه الأيام صفحات وصفحات "للعندليب" ناهيك عن حالة الطواريء التي تعلن في العديد من القنوات التلفزيونية والفضائيات مع حلول الذكرى كل عام وكلها تعبر ضمنا عن مد في مشاعر الحنين لزمن عبد الحليم.
"فالعندليب" الذي قضي مع اطلالة الربيع اقترن زمنه بنهضة غنائية وموسيقية بل وطفرة ابداعية شملت المسرح والسينما والكتاب ، فيما تسكن اغانيه الوطنية والقومية الوجدان المصري والعربي جنبا الى جنب مع "أهواك " و"لحن الوفاء" و"صافيني مرة" و"على قد الشوق" و"حبيبتي من تكون" و"مغرور" و"تخونوه" و"ظلموه" و"حبك نار" و"الحلو حياتي" و"سواح" و"لست قلبي" و"اي دمعة حزن لا" و"رسالة من تحت الماء" و"حاول تفتكرني" و"قارئة الفنجان"!.
وإذا كان بعض النقاد والكتاب وصفوا عبد الحليم حافظ بأنه "مطرب القرن العشرين في مصر والعالم العربي"، فإن الظاهرة تبعث على نوع من الابحار في جديد ثقافة الحنين أو "النوستالجيا" بين الشرق والغرب كما تثير تساؤلات حول ماهية النوستالجيا وتلاعب السوق بمشاعر الحنين! .
وفيما خص الشاعر السوري الراحل ممدوح عدوان الحنين بقصيدة عنوانها :"نوستالجيا" تحدث فيها عن حكاية جدته الهانئة و"فارس وحبيبته نائية..وقصور وحاشية وعدو لئيم واجراس سحر على شجر ورحيل الى خطر" كما تحدث عن "الصخرة التي بكت وحنت الى الرجوع نحو تربة" فان النوستالجيا حاضرة بقوة متجددة في ابداعات وطروحات الثقافة الغربية.
واذا كان جيل الانترنت لم يعش في زمن عبد الحليم وانما سمع عنه من الأهل او تعرف عليه عبر وسائل الاعلام ووسائط الميديا فهل يتعامل الأكبر سنا مع ذلك الزمن كما يفعل البعض مع ذكريات السفر اي الاحتفاظ فقط بالأوقات الساحرة ليكون الانطباع العام هو الشعور بمتعة الرحلة بغض النظر عن اى مشاق ؟!..ومن ثم هل كان "زمن عبد الحليم" خاليا من المشاكل ومنغصات الحياة ام أن للحنين آلياته التي تغير بعض الحقائق في خضم لعبة اعادة صياغة الماضي والاحتفاظ باللحظات الطيبة وحدها؟!.
وللماضي سحره حتى في الثقافة الغربية وقد تخصص مهرجانات كاملة لابداعات واعمال في هذا الماضي ، كما حدث في الولايات المتحدة حيث اقيم مهرجان ثقافي مخصص فقط للأدب الأمريكي في النصف الأول من القرن العشرين ، يعيد استكشاف اعلام هذا الأدب ويسعى لطرح رؤى جديدة لأسماء مثل ارنست هيمنجواي وسكوت فيتزجيرالد وتي.اس.ايليوت وهنري ميلر.
وقراءة المشهد الثقافي الغربي تشير دون عناء الى أان القرن العشرين يحظى بأهمية خاصة باعتباره قرن المدهشات والمنجزات الكبيرة في العديد من اوجه الحياة الانسانية ، كما يتجلى في كتاب صدر بالانجليزية بعنوان :"ازمنة متشظية: الثقافة والمجتمع في القرن العشرين " وحمل مؤلفه الذي يعد من اشهر واعظم المؤرخين في العالم حنينا جياشا لمصر ومسقط رأسه في الأسكندرية حتى اللحظة الأخيرة.
ويندد المؤلف ايريك هوبزباوم في كتابه الصادر بعد رحيله بتخلي الدولة في الغرب عن دعم الثقافة والفنون فيما كانت بداية انطلاقة عبد الحليم حافظ من فرقة اوركسترا الاذاعة المصرية التي تمولها الدولة كما شارك قبل ذيوع شهرته في العديد من الصور الغنائية والأوبريتات الاذاعية .
ويذهب ريتشارد ايفانز في جريدة "ذي جارديان" الى أن ايريك هوبزباوم كان المؤرخ الأكثر شهرة وبريقا ليس في بريطانيا وحدها وانما في العالم ككل ، منوها بأن اعماله من امهات الكتب تغطي تاريخ اوروبا في سياق شامل من الثورة الفرنسية عام 1789 وحتى سقوط الشيوعية بعد ذلك بقرنين ، فيما ترجم كتابه "عصر التطرفات" لأكثر من 50 لغة.
وإذا كانت قدرة ايريك هوبزباوم على رؤية المشهد الكبير "من منظور الناس او رجل الشارع" وابتكار الاطار المناسب لهذا المشهد بكل تفاصيله وشخوصه ورموزه تتجلى في كتابه عن الثقافة والمجتمع في القرن العشرين ، فان عبد الحليم حافظ بحاجة للمؤرخ الذي يضعه ثقافيا في اطار المشهد المصري - العربي في خمسينيات وستينيات القرن العشرين وبصورة تعكس بصدق رؤية الناس او رجل الشارع.
ويرى بعض النقاد أن ايريك هوبزباوم كمؤرخ صاحب قلم جذاب ويقدم "رواية التاريخ بصورة ممتعة من منطلق الناس للأحداث التي شكلت العالم" كان وراء انتشار الأفكار الاشتراكية بل والماركسية "كموضة فكرية في اوروبا الغربية" خلال خمسينيات وستينيات القرن العشرين.
والغريب أن ايريك هوبزباوم وهو المؤرخ الكبير وصاحب التأثير الفكري العميق والمصطلحات الدالة مثل "البلطجة الاجتماعية" و"المتمردون بالفطرة" كان واحدا من كبار خبراء موسيقى الجاز في بريطانيا وكان يكتب في هذا المجال ببراعة تبعث على الذهول ليجذب المزيد من الناس لموسيقى الجاز كما جذبهم لقراءة التاريخ بقلمه الممتع!.
وكان هوبزباوم يرى أن الموسيقى الكلاسيكية لامستقبل لها وانما مكانها الماضي وحده ومن بينها سلسلة عروض "رينج" الأوبرالية التي يراها ضمن التجليات الثقافية للثورات الأوروبية في منتصف القرن التاسع عشر ولعل عبد الحليم حافظ عرفها على نحو ما اثناء سنوات دراسته في معهد الموسيقى العربية وفي المعهد العالي للموسيقى المسرحية حيث تخصص في آلة "الأبوا" .
هل كانت حياة عبد الحليم حافظ بمثابة "مونولوج" يخاطب مصر والعالم العربي؟..وكلمة "مونولوج" استخدمها المؤرخ الكبير ايريك هوبزباوم وهو يتحدث عن الكاتب المسرحي النمساوي كارل كراوس معتبرا ان هذا الكاتب الفنان كان حياته بمثابة مونولوج لعالمه الثقافي الأوروبي؟!.
ومرحلة الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين التي تألق فيها عبد الحليم حافظ مع رفاق الدرب من ملحنين مثل كمال الطويل ومحمد الموجي وبليغ حمدي تجتذب العديد من الشباب حول العالم وهي ظاهرة تستغلها المسلسلات التلفزيونية لتقديم اعمال ناجحة كما تتجلى في اعادة طرح افلام ومسلسلات قديمة بصيغة جديدة سواء على الشاشة الكبيرة او الصغيرة فيما ازداد الولع بالقديم بصورة ملحوظة منذ مطلع القرن الواحد والعشرين وظهور مايعرف "بجيل الانترنت والاقتصاد الرقمي".
لكن حتى مشاعر الحنين قد تجد من يستغلها تجاريا وبالفعل كما لاحظ البعض فان هناك نوعا جديدا من التسويق يعتمد على "النوستالجيا" في وقت الأزمات وهذا هو "سحر النوستالجيا" الذي انتشر خلال السنوات الآخيرة في العالم كله وليس فقط في مصر.
فتجد مثلا صورة للفنانة سعاد حسني بشعرها القصير وعيون تحددها رموش كثيفة سوداء وقد تحولت الى وحدة اضاءة منزلية ، وابيات لصلاح جاهين تحمل فلسفة طفل لكن عمره الف عام وقد كتبت بخط بني على شمع طبيعي برائحة عطرة ، ونسخ من جرائد قديمة تحمل وقائع وزعماء من التاريخ الحديث او افيشات لأفلام..هكذا يجتاح الحنين الى الماضي حياتنا اليومية وتزين تفاصيله واجهات المحلات .
وفيما ناهض مثقف غربي مرموق مثل ايريك هوبزباوم مسألة تحويل الثقافة الى سوبر ماركت للمعروضات التي تناسب الأذواق الشخصية للزبائن القادرين على الدفع الفوري ، فان خبراء التسويق الذين يلعبون على وتر الحنين يعلمون جيدا انه لايجب محاكاة الماضي حرفيا بل استلهامه لايجاد ترجمة عصرية من خلال سلع استهلاكية جذابة وعبر تجليات متعددة في مجالات الأزياء والموسيقى والسينما والمطاعم.
واذا كان ايريك هوبزباوم قد خلص الى أن مستقبل الثقافة بما فيه الفن في ظل هيمنة آليات السوق مظلم ويبعث على التشاؤم فهل تفسر هذه الرؤية عدم ظهور فنانين كبار وعدم تكرار مطرب في موهبة وقبول عبد الحليم حافظ لدى الجماهير ناهيك عن ام كلثوم في زمن العولمة؟.
وبقدر مايعبر الحنين عن لوعة الأشواق وفرقة الأحباب على ركب الرحيل فانه يقوم بدور فاعل حقا في أنسنة الزمان والمكان او "الصورة المرغوب فيها للزمان والمكان في الماضي"..انه التلاعب الايجابي بالحقائق احيانا من اجل حفظ التوازن الانساني .
فالحنين بآلياته يعني حماية صورة مرغوبة..حماية صورة حدائق العمر الجميل وعفة الذاكرة وتعزيز مناعتها ضد معاني المرارة والغربة..انها الغريزة الانسانية الملهمة التي تتجاوز حدود الحواس العادية وتطور بالحنين حاسة استثنائية قادرة على الوصول للأحباب مهما ابتعدوا في المكان والزمان.
ثم انه "القبول الجواني العميق" لرحلة القدر بكل ماتحمله للانسان او للوطن من انتصارات وانكسارات تماما مثلما كان زمن عبد الحليم حافظ بانتصاراته وانكساراته.. ويبقى عبد الحليم او "العندليب الموعود بالمجد والعذاب" بكل هذا الحنين في مكانة عزيزة بالذاكرة المصرية والعربية..عبد الحليم حافظ :"ويدور الزمن بينا يغير لون ليالينا..بنتوه بين الزحام والناس ويمكن ننسى كل الناس..ولاننسى حبايبنا.. اعز الناس حبايبنا".