في السادس عشر من يوليو من عام 1969 انطلق من قاعدة (كيب كيندي الفضائية بالولايات المتحدة الامريكية الصاروخ (ساتيرن-5) حاملا أبولو 11)
سفينة الفضاء الامريكية التي اخترقت الغلاف الجوي الارضي وعلى متنها (نيل ارمسترونج,وأودين آلدرين,ومايكل كولينز) في طريقها غلى القمر وعبرت منطقة إنعدام الوزن في تلك المنطقة التي تتعادل فيها جاذبية الارض مع جاذبية القمر.
قبل أن تبلغ مدار القمر في التاسع عشر من الشهر نفسه,وتهبط مركبتها القمرية (النسر) على سطح القمر في العشرين من يوليو ,ليطأ (نيل أرمسترونج) بقدمه على أرض القمر ,كأول بشري يفعل هذا في التاريخ المعروف.
وفي ذلك اليوم بالذات ,وبينما الملايين يشاهدون لحظة وصول أول إنسان إلى القمر ,كان أحفاد (جولي فيرن,وهربرت جورج ويلز) يبتسمون في زهو وسعادة ويذكرون للجميع أن جدهم (فيرن) أو (ويلز) كان له الفضل الأول في وضع فكة السفر إلى القمر..قبل ان تبرز الفكرة حتى في عقول العلماء..
وهذا صحيح.. ففي عام 1865م وقبل أكثر من قرن كامل ,كتب الأديب الفرنسي الأشهر في عالم أدب الخيال العلمي (جولي فيرن) (1828-1905)م رائعته (من الأرض إلى القمر) التي وصف فيها رحلة صاروخ ينطلق من الأرض في طريقه إلى القمر وعلى متنه عدد من الرواد ,ووجاءت التفاصيل مطابقة تماما على نحو مذهل لنفس ما حدث بعد قرن كامل او يزيد ,في رحلة أبوللو -11أما رائعة (هربرت جورج ويلز)(1866-1946)م والتي كتبها في بديات القرن العشرين (أول من وصل إلى القمر) فقد كانت أول نبوءة أدبية حول إختراق الإنسان للغلاف الأرضي ,وتحطيمه للجاذبية الأرضية ,ووصوله إلى القمر ..
وهذه هي روعة أدب الخيال العلمي..
والخيال العلمي هو أحد الأنواع الأدبية التي يتفنن فيھا الكتاب في نقل القراء من عالمھم الذي يعيشوه إلى عالم آخر قد نحياه في المستقبل؛
بكافة تفاصيلھ ودقائقھ...
الكثير من روايات الخيال العلمي حملت لنا رؤى حقيقية عن أمور لم نفھم فحواھا حتى وجدناھا تتحول إلى جزء من حياتنا بعد سنوات من توقّع كاتب من كتاب الخيال العلمي حدوثھا.
جولي فيرن
وكان (جولي فيرن) أول من اقتحم مجال أدب الخيال العلمي ,بعد أن حقق نجاحا معقولا في مجال أدب المغامرات بروايته (5 أسابيع في منطاد) ,مما شجعه وشجع ناشره على إصدار روايات الخيال العليم التي لم تكن مألوفه حينذاك ..مثل (عشرون الف فرسخ تحت الماء) التي طور خلالها (فيرن) بخياله تلك الغواصه التي ابتكرها الإنجليزي (ك.ي.دربيل) عام 1620م,ليضيف إليها -في روايته- كاشف الأعماق(السونار) والقدرة على بلوغ القطب الشمالي ,في حين لم يكن التفكير في هذا قد راود حتى عقل أكثر العلماء تفاؤلا,ولكن السونار تم إختراعه بالفعل قبيل الحرب العالية الأولى (1914-1917)م في حين لم تنجخ الغواصات في بلوغ القطب الشمالي ,كما فعلت غواصة (فيرن) قبل تزويدها بالطاقة الذرية عام 1953م..
وبعدها وضع (فيرن) عددا من أروع الروايات في الخيال العلمي مثل (سيد العالم) ,(الجزيرة الغامضة),(من الأرض إلى القمر),,وغيرها مما استحق معه أن يحصل على لقب (أبو الخيال العلمي) الذي مازلت الموسوعات العلمية تلقبه به حتى الآن..!
ويلز
ومن فرنسا تسلل أدب الخيال العلمي إلى اوروبا ,وبالذات إلى (إنجلترا) حيث إنتقل مع فن كتابة أدب الخيال العلمي إلى (ويلز),من الإنبهار بالآليات الحديثة إلى مرحلة الفلسفة العلمية ..
إذ تميزت روايات (ويلز) بالنظرة الفلسفية للأمور,والدراسة الحذرة لنتائج التطورات العلمية في المستقبل ,ويتضح هذا أكثر ما يتضح في روايته (آلة الزمن) ,حيث يسافر بطلها إلى المستقبل البعيد ,ليجد العالم وقد إنقسم إلى طبقتين
طبقة العمال الكادحة ,والتي صارت أكثر قوة وخشونة ,وطبقة المرفهين الناعمين ,الذين أصبحوا مجرد غذاء ناعم ولذيذ للطبقة الكادحة ...
وكذلك تتضح فلسفته العميقة في رواياته (أول من وصل إلى القمر) ..و (حرب العوالم)..وغيرها ..
ومع إنتشار هذا الأدب ,ظهرت أنماط أخرى من الرواية الخيالية ,,مثل روايات (دراكيولا) التي ابتكرها (برام ستوكر)مدير أحد المسارح ,حول شخصية أقرب إلى الموتي منها إلى الأحياء وتحيا على إمتصاص دماء الآخرين وتحويلهم إلى مصاصي دماء!
وعادت دور النشر تطبع رواية الشاعرة (ماري شيلي) (فرانكنشتاين),التي وضعتها عام 1817م,حول طبيب يصنع مسخا هائلا من اجساد الموتى,ثم يعود إلى الحياة!!..
ولكن هذه الروايات لم ترق أبدا إلى مستوى روايات الخيال العلمي ,التي راحت تنهمر على السوق الأدبي الاوروبي والامريكي ,في روايات بلغت بدورها شهرة واسعة ,مثل ..
(دكتور جيكل ومستر هايد) للأديب (روبرت لويس ستيفنس)
(صورة دوريان جراي) لــ (أوسكار وايلد)
وحتى (آرثر كونان دويل) ,مبتكر شخصية (شيرلوك هولمز) الشهيرة,كانت له أعمال عظيمة في هذا المجال مثل ,(العالم المفقود)و (النطاق السام) ,وغيرها.. ولكنها لم تلق نفس النجاح الذي لقيته شخصية (هولمز)..
ومع نهاية الحرب العالمية الثانية ,بدأت ظاهرة جديدة تجذب إنتباه الناس ألا وهي ظاهرة تلك الأجسام الطائرة المجهولة ,والتي اصطلح الصحفيون على إطلاق إسم (الأطباق الطائرة )عليها ..
وبغض النظر عن الحقيقة والخيال في موضوع الأطباق الطائرة هذا ,فقد أطلق مخيلة الأدباء والعامة,نحو لبفضاء والخيال والغموض,وساعدت النهضة العلمية ,التي لحقت الحرب العالمية الثانية على نمو هذا الخيال وعلى تنشيط وإنعاش أدب الخيال العلمي مرة ثانية ..
وهناك أيضا أدب الخيال العلمي الكارثي ..
فنجد كثيرا من أدباء الخيال العلمي تعتريهم تلك النظرة التشاؤمية او المتخوفة من التقدم العلمي ونتائجه في المستقبل البعيد والذي بات قريبا في رواياتهم ..
فمثلا.. نجد بعض الروايات التي تتحدث عن كوارث بيئية ناتجة عن التلوث الذي أحدثه الإنسان على الارض مثل الإحتباس الحراري الذي سيؤدي يوما إلى ذوبان جليد القطبين ومن ثم تدمير الحياة على كوكب الأرض بفعل الفيضانات
وبعض الروايات تتحدث عن نهاية العالم بطريقة أخرى مثل ..إصطدام كوكب ما او نيزك بالأرض , لينهي الحياة على كوكبنا,,ومثال على ذلك
الفيلم العالمي الذي احدث ضجة كبيرة ..وهو (نهاية العالم 2012)..من تأليف الكاتب (هارالد كلوزار)
الذي يتحدث عن أحداث كارثية عالمية من شأنها أن تؤدي إلى نهاية العالم ، فيما يكافح الناجون من أجل حياتهم . الفيلم مستوحى من عدة فرضيات تقترح أن شعب المايا القديم قد تنبأ بأن "يوم الهلاك" سوف يحل في وقت ما بحدوث عام 2012 ، بينما يأتي مصدر هذا الافتراض من المعتقد أنه نهاية دورة التاريخ حسب تقويم أمريكا الوسطى القديم.
بعض الروايات الكارثية الشهيرة أيضا .. تتحدث عن نهاية العالم عن طريق ثورة الروبوتات وتحكمها في البشر واستيلائها على العالم وتدمير البشرية , ليصبح كوكب الأرض مملكة الروبوتات التي تمردت على الإنسان الذي صنعها ,,واصبح لها كيانها الخاص وشخصيتها المدمرة ..
مثال على ذلك كانت سلسلة الأفلام الشهيرة terminator او (المبيد) للكاتب (جيمس كاميرون)
وكذلك سلسلة افلام (روبووت) للكاتب الكبير (إسحق عظيموف)
وقد ضع آسيموف ھذه القوانين و التي من المفروض أن تحكم تصرفات الروبوطات في هذه الرواية:
1) لا يمكن للروبوط إيذاء الإنسان أو أن يسمح بإيذاء الإنسان.
2) على الروبوط طاعة الإنسان ما لم يتضارب ذلك مع القانون الأول.
3) على الروبوط حماية وجوده ھو ما لم يتضارب ذلك مع القانونين الأول و الثاني.
لكن أسيموف في روايتھ يتوقع أن تعصى الروبوطات ھذه الأوامر.
وفي عالمنا العربي..
برز أدب الخيال العلمي على إيدي الأدباء المصريين مثل الدكتور (مصطفى محمود),والسكندري العالم الدكتور (يوسف عز الدين عيسى) والأستاذ (نهاد شريف) و(رؤوف وصفي) ,وغيرهم
وفي إحصائية حديثة نجد ان أدب الخيال العلمي يحتل 56% من قراءات الأوروربيين ,و67% من قراءات الأمريكيين ,و41% من قراءات السوفيت الذين يحظون بعدد من أعظم أدباء الخيال العليم في العالم ,مثل (أسحق عظيموف)..
في حين لم يحتل أدب الخيال العلمي سوى 9,5% من قراءات العرب للأسف ..وهذا يعود إلى قلة عدد الناشرين الذين يمكنهم المغامرة بإنتاجه
أما بالنسبة للسينما ,فقد بلغت أفلام الخيال العلمي مرتبة لم تبلغها من قبل قط, على الرغم من التكلفة الكبيرة لمثل هذه الأفلام ,إلا اتنها تحقق لمنتجيها أرباح خيالية ,تؤكد إقبال المشاهدين عليها ,وإنطلاقهم معها في عالم الخيال ,ولقد بدا هذا واضحا في (حرب الكواكب ) بأجزائه الثلاثة و(E.T), و (العودة إلى المستقبل) ,و (الأتصال الاخير), وغيرها
وفي السنوات الأخيرة ,انتقل عالمنا العربي إلى عصر العلم والتكنولوجيا,واصبحت الشركات الكبرى تتنافس على تعريب أجهزة الكمبيوتر ,لتغطية الإحتياجات المتزايدة للتقدم العليم في هذه السوق الجيدة .
فعل سيأتي يوم يتبوأ فيه أدب الخيال العلمي العربي مكانته وسط القراء والنقاد ؟
وهل سنرى يوما أفلاما للخيال العلمي بإنتاج عربي..تنافس (حرب النجوم) وغيرها ؟
هل يظهر بيننا (جولي فيرن) عربي؟
لا يوجد جواب لهذا سوى أن الزمن وحده قد يدفعنا إلى هذا ,كتطور طبيعي للعقول والأفكار ,فكما قال أبو الخيال العلمي (جولي فيرن):
الطريق إلى التقدم يبدأ دائما بالخيال ..