المستذئبون ..فى التاريخ
في ليلة إكتمال القمر ..ربما لايحب عليك أن تتجول ليلاً وحدك...لاسيما التجول في الغابات...
ستكون سيء الحظ فعلا ..إذا سمعت صرخة تأتي من بعيد .. وعواء كالذئب .. فبالتأكيد سيكون لهذا الذي يتألم تحت ضوء القمر..
الرجل الذئب!
الرجل الذئب الذي يلعب دوراً مرعباً في الأساطير الخيالية,او الذي تصوره الأفلام السينمائية متعطشاً للدماء بشعره الخشن ومخالبه ..الحادة وأنيابه البارزة..
هل يوجد في الحقيقة والواقع؟
ام أنه من نتاج الخيال وأوهام الفلاحيين البسطاء؟
وهل يمكن أن ينفلب الإنسان -رجلاًأو إمرأة- إلى وحش يهاجم بانيابه ومخالبه ويمزق لحم البشر؟
ولكن انا لا اتحدث اليوم عن أسطورة كأسطورة مصاصي الدماء..لأن الرجل الذئب لم يكن يوماً أسطورة ..وما ستقرأه الآن سيؤكد لك صدق كلامي
من المدهش أن الحقائق العلمية والطبية والتاريخية تؤكد حدوث مثا تلك الأمور,فحكايات الإنسان الذئب ذكرها المؤرخ اليوناني "هيرودتس" في القرن الخامس قبل الميلاد عندما كتب عن المكتشفين العائدين من المستوطنات حول البحر الأسود وحكاياتهم عن الرجال الذين يمكن أن يتحولوا هناك بفعل السحر الأسود إلى ذئاب.
وبعد قرنين ذكرت الأساطير الرومانية تحول الإنسان إلى ذئب كنوع من العقاب ,فإذا هام في الغابات مع الذئاب لمدة 9 سنوات ولم يهاجم إنساناً عاد إلى طبيعته البشرية.
وتستمر الأساطير مع السنين وتكبر دون توقف,فالذي يولد ليلة عيد الميلاد من المحتمل أن يصبح مستذئب,وهناك رجال يمسخون هم وذرياتهم ذئاباً بسبب خطيئة كبيرة,وآخرون يستعينون بالسحر الشيطاني ليتحولوا إلى ذئاباً ويرتكبوا أعمالهم الشنيعة أو جرائمهم البشعة.
كما ان هناك المساكين الذين ليس لهم يد في إستذئابهم والذين يكافحون للتستر على حالتهم وإخفائها.
وقد شهدت القرون الوسطى حكايات مخيفة كثيرة عن الرجال الذين مسخوا ذئاباً وهاموا في الغابات كقطعان متوحشة تهاجم الحيوانات الأخرى وقطعان الماشية والإنسان نفسه.
في القرن ال16 عندما أخذ الأوروبيون يقيمون المستوطنات في أمريكا الشمالية,وعندما كان "هنري الثامن "ملكاً لبريطانيا ,وغاليليو ينشر دراساته الفلكية ويخترع تلسكوبه,في هذه الفترة كانت فرنسا تعش وسط وهم ديني عوقب بموجبه آلاف الأبرياء شنقاً أو حرقاً بتهمة الهرطقة أو السحر أو الإستذئاب.وقد تم في الفترة بين 1520 م و1630 م محاكمة 30 ألف شخص بتهمة الإستذئاب,وإعدام بعضهم من المواطنين الفلاحين.
وفي أواخر القرن 16 شنت بريطانيا حملة لصيد الذئاب وقتلها ونتج عنها بعد 200 سنة إستئصال الذئاب كليةٍ من الجزر البريطانية,غير أن قطعان الذئاب ظلت تسرح في سائر أنحاء أوروبا الأخرى بحرية,وظلت حكايات الذئاب المخيفة موضوعاً خصباً في الأدب الشعبي مثل حكاية ليلى والذئب.
مستذئبون حقيقيون
وهناك حادثة شهدتها فرنسا عام 1598م,عندما وجد الفلاحون جثة صبي ممزقة فظنوا أن الذئاب قد نهشتها,وعندما أخذوا يطاردون الذئاب في المنطقة عثروا على "جاك رولي"المتوحش الذي كان يعاني من مرض عقلي,وقد تلطخت يديه بالدم,وكان شبه عارٍ,يغطي جسمه شعر طويل,لم يكن الطفل أول ضحية له,إذ أعترف جاك أثناء محاكمته أنه قتل أطفال وأكل لحمهم لأنه كان يظن نفسه ذئباً
وقد حكم عليه بالإعدام غير أن السلطات في باريس خففت الحكم إلى السجن مدى الحياه وتم حبسه في مصحة عقلية.
بعد ذلك بسنوات قليلة شهدت قاعة محكمة "بوردو " مثول اليافع "جان غرنييه" البالغ من العمر 13 سنة ,وإعترافه بإنه مستذئب,كان جان متخلفاً عقلياً وذا فك كبير مشوه تبرز منه أنياب مدببة حادة,فاجأ ذات مرة مجموعة من الراعيات وأخبرهن بإنه عقد إتفاقاً مع الشيطان لتحويله إلى ذئب ,وبعد أيام هاجم إحدى الراعيات,فتعقبه الاهالي وألقوا القبض عليه ,وأثناء محاكمته كرر القول بإنه باع نفسه للشيطان مقابل معجون سحري بإمكانه تحويله إلى ذئب عندما يريد.
وفي 6 أيلول "سبتمبر" حكم عليه بالحبس مدى الحياه في أحد الأديرة بعد أن وجد مذنباً بقتل عدة اطفال وأكل لحومهم ,وكثيرا ما ضبط في الدير وهو يمشي على أربعة أو وهو يمزق اللحم النيء في الطبخ,وظل يرفض الإستحمام حتى وفاته بعد سبع سنوات من إحتجازه في الدير.
ولكن حكايات الرجل الذئب لم تنته بإستئصال الذئاب في أوروبا,حيث أخذت السينما تعيد إحياء تلك الأساطير مضيفة إليها حكايات مصاصي الدماء ,وفي عام 1975 م تهيأ لنجار إنجليزي في السابعة عشر من عمره أن روح الشيطان قد تقمصته ,وهاتف صديقاً له ليخبره أن لون جلده ويديه أخذ يتغير وأنه أخذ يعوي أحياناً مثل الذئاب,وبعد أيام وجدت جثة النجار الشاب خارج البلدة وقد غرس في قلبه سكيناً.!
أما قصة عامل البناء "بيل رامزي" فكانت مختلفة ,لقد أحس في عام 1987 م بالإستذئاب وقصد مخفر الشرطة في ساوث إند باسكاس وهاجم ثمانية رجال شرطة داخل المخفر فجرح بعضهم بمخالبه قبل أن يحضر الأطباء ويعطيه حقنتين لتهدئته,غير أنه خرق برأسه الباب الخشبي لغرفة الحجز,وتطلب الأمر حضور المطافيء لكسر الباب وإخراج رأسه المحشو في خشب الباب,بعد ذلك تم إدخال رامزي المستشفى لإجراء الفحوصات الطبية,وهناك إعترف بأن مثل هذه الحالة عاودته ثلاث مرات خلال ست سنوات حيث كان في كل مره يشعر بقوة غريبة تتملكه فتبرز أنيابه ومخالبه ويأخذ يعوي ويمشي على أطرافه الأربعة ويقوم بأعمال لا تصدق
يقول "لماذا؟ وكيف؟ لا أعرف والناس يخبرونني بما أفعله بعد ذلك"
هل فسر العلم مرض الإستذئاب؟
- هناك بعض التفسيرات العلمية لمثل هذه الحالات ,حيث أن عضة ذئب مسعور تنقل فيروس السعار إلى الضحية الذي يأخذ السعار فيرغى ويزبد ويعض قبل أن ينهار بتأثير المرض ويموت,غير أنه ليست كل هذه الحالات سببها فيروس السعار,حيث أن البعض يصابون بحالات كهذه نتيجة تأثير بعض النباتات والحيوانات مثل بعض أنوع فطر عيش الغراب السام,او بعض أنواع الضفادع التي يفرز جلدها مواد مهيجة او سامة.
- كما ان مرض البورفيريا النادر حدوثه يسبب أيضاً حالات مثل هذه.حيث يسبب المرض خللاً عقلياً قد يصل إلى حافة الجنون,كما يتسبب في نمو الشعر ,وتقلص عضلات الوجه وبروز الأنياب.
إن البورفيريا مرض عضوي قابل للتوارث,وقد عرف باسم" الداء الملكي" لأنه كان من بين ضحاياه ماري ملكة أسكتلندا,والملك جيمس الاول,والملك جورج الثالث الذي حكم لمدة 60 سنة,والذي ظهرت عليه أعراض المرض بوضوح في آخر عشر سنوات من حكمه مما جعل إبنه الأمير ريجينت يحكم باسمه من عام 1888م وحتى وفاته عام 1820م .
لقد إتسم سلوك الملك جورج الثالث في أواخر حياته بسمات حيوانيه,وكان يتوهم بأنه يملك قوى خارقه,ويقال إن سلوكه هذا كان من أسباب سعي المستعمرات البريطانيه في أمريكا الشماليه لطلب الإستقلال عن بريطانيا.
فهل كانت أمريكا ستظل حقاً مستعمرة بريطانية حتى اليوم لو لم يوجد في بريطانيا ذات يوم ملك مستذئب نصف مجنون؟