اعلام خاصة : الجنس : عدد المساهمات : 31878 تاريخ التسجيل : 19/12/2013 الموقع : بيت المعز المزاج : مع الله والحمد لله
موضوع: تمام المنة وكمال نعيم أهل الجنة الإثنين 23 مارس 2015 - 16:41
إن تمام المنّة وأكمل نعيم أهل الجنة رؤيةُ ربهم العظيم ذي الجلال والجمال ، بهجة قلوبهم وقرة عيونهم وأعظم هناءتهم ولذتهم في دار النعيم ، روى مسلم في صحيحه عَنْ صُهَيْبٍ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ - قَالَ - يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ - قَالَ - :فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ ». وبين رؤية الله والصلاة صلة فمن كان من أهل الصلاة فهو حري بهذا المن العظيم ، ومن كان مضيعا لها فهو حري بالحرمان وأهل للخسران ، وقد دل على هذا الارتباط الكتاب والسنة . أما الكتاب فيقول الله تعالى { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25) كَلاَّ إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30) فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (31) وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى} فقوله تعالى: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ } من النضارة، أي حسنة بَهِيَّة مشرقة مسرورة، { إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } أي: تراه عيانا بأبصارها ، قال الحسن البصري : " وحق لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالق ". ثم ذكر جل شأنه القسم الآخر أهل الوجوه الباسرة الكالحة القاطبة وذكر في جملة أعمالهم ترك الصلاة فدل على أن أهل القسم الأول أهل النضرة والنظر إلى الله هم أهل الصلاة. وأما السنة ففي الصحيحين عن جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ « أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لاَ تُضَامُّونَ فِى رُؤْيَتِهِ فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا ». يَعْنِى الْعَصْرَ وَالْفَجْرَ ثُمَّ قَرَأَ جَرِيرٌ: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ). ففي هذا الحديث إشارة إلى الصلة بين الصلاة والرؤية، قال ابن رجب رحمه الله : " وقد قيل في مناسبة الأمر بالمحافظة على هاتين الصلاتين عقيب ذكر الرؤية : أن أعلى ما في الجنة رؤية الله عز وجل ، وأشرف ما في الدنيا من الأعمال هاتان الصلاتان ، فالمحافظة عليهما يرجى بها دخول الجنة ورؤية الله عز وجل فيها"فتح الباري (4/323) . ولاشك أنَّ الصحابة لما سمعوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إنَّكم سترون ربكم عز وجل كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته " قد جال في نفوسهم شوق عظيم وتساءل عن العمل الذي ينال به هذا المطلب الجليل ، ومن تمام نصح النبي صلى الله عليه وسلم وكمال بيانه أنَّ أجاب عليه دون أن يُسأل ، فقال: " فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا " وفي هذا إشارة منه صلى الله عليه وسلم إلى أنَّ رؤية الله عز وجل يوم القيامة لا تنال بمجرد الأماني: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} ، بل لابد من عمل وجد واجتهاد وإقبال على الله تبارك وتعالى، ولهذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأسباب التي ينال بها العبد رؤية الله عز وجل، فأرشد صلى الله عليه وسلم إلى صلاتين عظيمتين ـ وهما الفجر والعصر ـ وقد ورد في شأنهما نصوص كثيرة جداً تدل على فضلهما، فخصهما لما فيهما من عظيم الفضل، ولما فيهما من الثقل على كثير من الناس، فمن سمت همته وأعانه الله عز وجل ووفقه للمحافظة على هاتين الصلاتين فهو لما سواهما من الصلوات أكثر محافظة، بل إن صلاة الفجر خاصة مفتاح اليوم، ومن أكرمه الله عز وجل بالنهوض لهذه الصلاة والاهتمام بها أعين على الصلوات بقية اليوم، فإن ما يكون من العبد في الفجر ينسحب على بقية اليوم، كما قال بعض السلف:"يومك مثل جملك إذا أمسكت أوله تبعك آخره". وفي قوله " ألا تغلبوا " إشارة إلى أنَّ في الدنيا أموراً كثيرة تغالب الناس على المحافظة على هاتين الصلاتين، وما أكثر الصوارف في أيامنا هذه، فمن الناس من يغلبه على الصلاة التي هي زينة الحياة الدنيا شرب الشاي، وبعضهم يغلبه حديث تافه وسمر ماجن ولهو باطل ومشاهدات رديئة، ومن الناس من يغلبه النوم، وهكذا. وفي الحديث دلالة على أنَّ الاعتقاد الصحيح السليم يؤثر على عمل العبد وسلوكه، فكلما ازداد إيمانه وقوي يقينه ازداد استقامة وجِداً وعملاً وبذلاً ومحافظة على طاعة الله. ولهذا الارتباط بين الصلاة والرؤية كان نبينا صلى الله عليه وسلم يسأل الله في خاتمة صلاته قبل أن يسلم هذه اللذة العظيمة والثواب الجزيل . روى النسائي في السنن عن عطاء بن السائب، عن أبيه، قال: صَلَّى بِنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ صَلَاةً، فَأَوْجَزَ فِيهَا، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ: لَقَدْ خَفَّفْتَ أَوْ أَوْجَزْتَ الصَّلَاةَ، فَقَالَ: أَمَّا عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ دَعَوْتُ فِيهَا بِدَعَوَاتٍ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَامَ تَبِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ هُوَ أُبَيٌّ غَيْرَ أَنَّهُ كَنَى عَنْ نَفْسِهِ، فَسَأَلَهُ عَنِ الدُّعَاءِ، ثُمَّ جَاءَ فَأَخْبَرَ بِهِ الْقَوْمَ: «اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي، اللَّهُمَّ وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ» منَّ الله علينا أجمعين بالمحافظة على الصلاة ، ونسأله سبحانه لذة النظر إلى وجهه، والشوق إلى لقائه في غير ضراء مضرة ولا فتن