المطلقة وأزمة الثقة
يشدد بعض الآباء والإخوان على بناتهم وأخواتهم المطلقات تشدداً ليس له مبرر
من شرع أو عقل أو منطق فنجده يعاملها بقسوة ونجده يحاسبها حساباً شديداً في
الدخول والخروج أكثر من محاسبته لزوجته أو ابنته وإن كانت لا تخرج إلا بإذنه.
ولا شك أن ولي الأمر يصدر منه هذا التشديد من باب الحرص على سمعة
ابنته أوأخته لحساسية وضعها الاجتماعي ولكنه ينسى أنه بهذا السلوك يشعرها بعدم
ثقته فيها.
ويشعرها ربما دون قصد بأنها لأمر ما أقل من غيرها من النساء ، وقد ترى بعض المطلقات
- وهن قد وصلن سن المسؤولية عن النفس - أن أهلهن يتعاملون معهن بشدة وحرص
لا يأتونهما حتى مع أخواتهن المراهقات.!
وهذا السلوك المتشدد في التعامل مع المرأة المطلقة يؤدي في معظم الأحوال
إلى نتائج عكسية.يدمر جدران الثقة بينها وبين من حولها.
وإذا شعرت بعض المطلقات أن هذه الجدران قد دمرت قد تضطر للتوجه إلى وجهةٍ
مهولة.. تهرول في أرض مكشوفة إذا لم يعد يهمها أي وجهة تتجه ما دامت
قد فقدت ثقة أسرتها وثقة مجتمعها بها.
إن المجتمع بحاجة إلى أن يعي أن الطلاق في بعض الأحيان ليس إلا قراراً
أهوجاً اتخذه رجل في حالة غضب أو طالبت به امرأة في لحظة حمق.
قرار عاجل اتخذه من لا يعقل مسؤولية تدمير أسرة .
وقد يكون سبباً لمشكلة صغيرة كان يمكن حلها بالحكمة والكلمة الطيبة.
وقد يكون سبباً لكلمة خرجت عفواً من لسان لم يعرف صاحبه كيف يضبطه ولم
يسعفه عقله بالتراجع عن خطأ فيشتت شمل أسرته ويباعد بينه وبين أولاده.
والضحية في النهاية هو الأبناء ، المرأة لأنها تدفع ثمن حماقة ما حدث سواء
كانت هي السبب أم هو السبب.
المرأة المطلقة في كثير من من هذه الظروف وليس كلها بالطبع ضحية
مجنياً عليها.
فإذا عادت إلى بيت أهلها أو استقلت ببيت لنفسها مع أولادها وجدت سهام
الاتهام مصوَّبة إليها ، ووجدت ألسنة حدادا تسلقها ، ووجدت بعض الفارغين
والفارغات يترصدون خطواتها ويعدون عليها أنفاسها ، ونظرات الريبة تلحق
بها حيثما حلت وأينما سارت وهو سلوك لم يأمر به شرع ولم يحث عليه
نبي ولم يقره عقل.
والحقيقة أن المجتمع الذي يتعامل مع المرأة المطلقة بهذا الأسلوب يخسر
عضواً فيه مكتمل النضج واسع التجربة يمكن الاستفادة منه في أكثر من مجال.
بالإمكان جعل المرأة المطلقة أكثر انتاجاً في مجال العمل إن كانت من
العاملات وهي أكثر حرصاً على تنشئة أولادها التنشئة الصحيحة السليمة حتى
لا يعانون مرارة التجربة التي مرت بها.
وللمطلقة إذا ما تزوجت ميزات لا تتوفر في البكر أهمها التجربة والنضج ،
فستكون أقدر من غيرها على تجنب عيوب زواجها السابق ، وأعرف بأسباب
الطلاق ، فلا تنزلق إليها مرةً أخرى وتقطع الطريق على تلك الأسباب
إن كانت من طرف زوجها.
وقد كانت المطلقة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تخطب في حين
الانتهاء من العدة ، ولا يعتبر الطلاق جريمة تعاقب عليها بعزوف الرجال
عنها فتروي فاطمة بنت قيس أنها عندما طلقها زوجها جاء رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأخبرته. فقال: كم طلقك؟ قالت: ثلاثاً. فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : ((فإذا انقضت عدتك فآذنيني)) (رواه مسلم) فلما انتهت
عدتها أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم حسب ما طلب منها فزوجها
لأسامه بن زيد .
وكذلك قصة سُبيعة الأسلمية التي ولدت بعد وفاة زوجها بعدة ليال جاءت رسول
الله صلى الله عليه وسلم تستأذنه في التجمل للخُطاب بعد انتهائها من
النفاس (البخاري ومسلم) فلم يعترض أحد ويقول :
(( مستعجلة على الزواج!!))
بل شجعها رسول الله صلى الله عليه وسلم حفاظاً على نقاء المجتمع المسلم
وتمسكاً بهذه الفضيلة العظيمة .. فضيلة الزواج التي هي من أعظم الشعائر
التي يطالب بها المسلم عند المقدرة .
والمرأة المطلقة السوية مؤهلة أن تكون أكثر حرصاً على شرفها من أن يخدش
وعلى عفافها من أن يمس ، وعلى كرامة أولادها وأسرتها من كل ما يشين.
إن المرأة المطلقة مؤهلة لمسؤولية كبرى فإذا أعطيت ((الثقة)) من الأسرة
والمجتمع سارت مرفوعة الرأس .. رأس لا ينحي لغير الله ولا يخاف إلا من
الله.