من هم أصحاب الشفاعة ؟

الشفاعة منها ما تكون تكوينية ومنها ما تكون تشريعية فأما التكوينية فهي عبارة عن
جملة الأسباب الكونية شفعاء عند الله تعالى بما هم وسائط بينه وبين الأشياء
وهذه الشفاعة ليست مورد بحثنا كما تقدم وأما الشفاعة التشريعية وهي
الواقعة في عالم التكليف والمجازاة فهي محل البحث ومدار الكلام ومن هذه
الشفاعة ما يستدعي في الدنيا مغفرة من الله سبحانه أو قربا وزلفى فهو شفيع
متوسط بين الله وبين عبده.
من الشفعاء التوبة: التوبة كما قال تعالى :" قل ياعبادي الذين أسرفوا على
أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جمعياً إنه هو الغفور
الرحيم وأنيبوا إلى ربكم " ( الزمر / 53-54) وهذا الشفيع أعني التوبة يشمل
ويعم جميع المعاصي حتى الشرك.
ومن الشفعاء الإيمان: قال تعالى :" يا أيها الذين آمنوا إتقوا الله وآمنوا
برسوله يوءتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله
غفور رحيم"( الحديد / 28).
ومن الشفعاء العمل الصالح: قال تعالى :" وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات
لهم مغفرة وأجر عظيم ( المائدة /9).
ومن الشفعاء القرآن الكريم : قال تعالى :" يهدي به الله من إتبع رضوانه سبل
السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم" (
المائدة /16 ).
ومن الشفعاء الأنبياء والرسل : قال تعالى: " ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم
جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما " (
النساء/ 64 ).
ومن الشفعاء الملائكة : في إستغفارهم للمؤمنين قال تعالى :" الذين يحملون
العرش من حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا " (
المؤمن/ 7 ) وقال تعالى :" والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في
الأرض ألا أن الله هو الغفور الرحيم " ( الشورى/ 5 ).
ومن الشفعاء المؤمنون: باستغفارهم لأنفسهم ولإخوانهم المؤمنين قال تعالى :
" واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا "( البقرة / 286)
ومن الشفعاء شفعاء يوم القيامة ومنهم الأنبياء : قال تعالى :" ولا يشفعون
إلا لمن إرتضى وهم من خشيته مشفقون " ( الأنبياء / 28 ) وقال تعالى :"
يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمان ورضي له قولا يعلم ما بين
أيديهم وما خلفهم " ( طه / 109-110) ومنهم الملائكة قال تعالى :" وكم من
ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء
ويرضى " ( النجم / 26 ).
ومنهم الشهداء : قال تعالى :" ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من
شهد بالحق وهم يعلمون " ( الزخرف / 86 ) وقال تعالى :" وكذلك جعلناكم أمة
وسطا لتكونوا شهداء على الناس "( البقرة / 143)، الشهادة أعم من شهادة
القتل والأعمال. ومن هنا يظهر أن المؤمنين أيضاً من الشفعاء فإن الله عز
وجل أخبر بلحوقهم بالشهداء يوم القيامة قال تعالى :" والذين آمنوا بالله
ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم " ( الحديد / 19).
بماذا تتعلق الشفاعة؟
الشفاعة التشريعية تتعلق بالثواب والعقاب، فمنها ما يتعلق بعقاب كل ذنب
كشفاعة التوبة والإيمان قبل يوم القيامة ومنها ما يتعلق بتبعات بعض الذنوب
كبعض الأعمال الصالحة وهذه متسالم عليها ولم يوجد فيها نزاع وإنما النزاع
وقع في شفاعة الأنبياء وغيرهم من الأولياء والشهداء والعلماء يوم القيامة
لرفع العقاب ممن إستحقه بالحساب ومن أبحاثنا المتقدمة إتضح أنها تتعلق بأهل
المعاصي الكبيرة ممن يدين دين الحق وقد إرتضى الله دينه.
والروايات الواردة في باب الشفاعة كثيرة نعرض منها :
روي عن النبي (ص) : ( تناكحوا تناسلوا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة
ولو بالسقط يقوم محبنطئا على باب الجنة فيقال له : أدخل الجنة فيقول : لا
حتى يدخل أبواي الجنة " الحديث .. فهذه كرامة وشفاعة لهذا السقط وهذا كله
من فيض رحمة الله الواسعة.
وعن صحيح مسلم مرفوعا إلى أبي ذر : قال رسول الله (ص) : يوءتى بالرجل يوم
القيامة فيقال : أعرضوا عليه صغار ذنوبه ونحوا عنه كبارها فيقال : علمت يوم
كذا وكذا وكذا وكذا وهو مقر لا ينكر وهو مشفق من الكبائر فيقال : أعطوه
مكان كل سيئة حسنة فيقول : أن لي ذنوبا ما أراها ههنا قال : ولقد رأيت رسول
الله ضحك حتى بدت نواجذه.
إن رسول الله (ص) يوحي إلى أبي ذر أنه شافع لأهل الكبائر ولذلك يتساءلون
عنها وهم مشفقون فلم يروها فما الذي أخفاها وسترها عنهم؟ أليست شفاعة
الرسول (ص) هي التي شملتهم مع العناية الإلهية والرحمة الربانية وصادق أهل
البيت (ع) يقول: إذا كان يوم القيامة نشر الله تبارك وتعالى رحمته حتى يطمح
أبليس في رحمته.