لينين وتروتسكي- ما هي مواقتطور تيار البلشفية واتخذ شكله على أساس تجربة ثورة 1905 التي وصفها لينين بكونها "تحضير لثورة أكتوبر". لكن مونتي جونستون ليس لديه ما يقوله عن كامل المرحلة الفاصلة بين مؤتمر لندن سنة 1903 حتى فترة 1910-1912. يبدو من الواضح أنه لم يحدث خلالها شيء كبير في روسيا! إن صمت جونستون ليس من قبيل الصدفة. فبحذفه لتجربة 1905 ومحاولات إعادة توحيد الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي التي تلت ذلك، يعمق الانطباع الزائف، الذي سبق له أن خلقه بالفعل، حول أنه طوال مرحلة بأكملها (ثلاث عشرة أو أربع عشرة سنة...) وقف البلاشفة والمناشفة في قطبين متناقضين ثابتين – بينما استمر تروتسكي، بطبيعة الحال، "خارج الحزب". تروتسكي في عام 1905
ما هو الدور الذي لعبه تروتسكي في ثورة 1905، وما هي علاقته بلينين والبلاشفة آنذاك؟ لوناتشارسكي، الذي كان في ذلك الوقت واحدا من أقرب مساعدي لينين، كتب في مذكراته قائلا:
- اقتباس :
«علي أن أقول أن تروتسكي برهن، رغم صغر سنه، من دون شك، انه كان الأفضل استعدادا من بين جميع القادة الاشتراكيين الديمقراطيين الآخرين في 1905-1906. وكان أقلهم عرضة لذلك النوع من ضيق أفق المهاجرين. لقد فهم تروتسكي على نحو أفضل من جميع الآخرين معنى خوض الصراع على المستوى الوطني الشامل. وخرج من الثورة مسلحا بشعبية هائلة، بينما لم يكتسب لينين أو مارتوف أية شعبية على الإطلاق. أما بليخانوف، فقد خسر كثيرا بسبب إبدائه ميولا مشابهة للكاديت [أي اللبراليين]. لقد وقف تروتسكي آنذاك في مقدمة الصف الأول». (Revolutionary Silhouettes, page 61)
كان تروتسكي رئيس مجلس سوفييت بطرسبرغ لنواب العمال، الذي كان في مقدمة تلك الهيئات التي وصفها لينين بأنها "الأجهزة الجنينية للسلطة الثورية". كانت معظم البيانات السياسية وقرارات مجلس السوفييت من تأليف تروتسكي، الذي حرر أيضا جريدة مجلس السوفييت
ازفستيا. عجز البلاشفة، في بطرسبورغ، عن تقدير أهمية السوفييت، وكانت تمثيليتهم فيه ضعيفة. وقد كتب لينين، من منفاه في السويد، إلى مجلة "نوفايا جيزن" البلشفية، يحث البلاشفة على اتخاذ موقف أكثر إيجابية من السوفييتات، لكن الرسالة لم تنشر، ولم تر النور إلا في وقت لاحق، بعد أربعة وثلاثين عاما.
لقد تكرر هذا الوضع عند كل منعطف كبير في تاريخ الثورة الروسية؛ نفس الارتباك والتردد من طرف قادة الحزب داخل روسيا، عندما تواجههم ضرورة اتخاذ مبادرة جريئة، لولا قيادة لينين.
سيتم التطرق للموقف السياسي لتروتسكي وعلاقته مع أفكار لينين بشكل مفصل في الفصل المخصص لنظرية الثورة الدائمة. كان جوهر المسألة هو موقف الحركة الثورية من البرجوازية ومما يسمى بالأحزاب "الليبرالية". كانت هذه هي المسألة التي دفعت تروتسكي للقطع مع المناشفة عام 1904. فمثله مثل لينين، صب تروتسكي جام غضبه على نزعة التعاون الطبقي لدان وبليخانوف وغيرهما، وأشار إلى البروليتاريا والفلاحين باعتبارهما القوى الوحيدة القادرة على إنجاز الثورة حتى النهاية.
في عام 1905، استخدم تروتسكي جريدة "ناشالو"، التي كانت توزع على نطاق واسع، للمزيد من توضيح وجهة نظره للثورة، والتي كانت قريبة من وجهة نظر البلاشفة ومعارضة بشكل مباشر لوجهة نظر المناشفة. فكان من الطبيعي، على الرغم من النزاع المرير خلال المؤتمر الثاني، أن يلتقي نضال البلاشفة ونضال تروتسكي في الثورة. وهكذا، عملت جريدة تروتسكي "ناشالو" وجريدة البلاشفة "نوفايا جيزن"، التي كان لينين رئيس تحريرها، بتضامن ودعما بعضهما البعض ضد هجمات الرجعية، ودون شك الجدال ضد بعضهما البعض. وقد زفت الجريدة البلشفية العدد الأول من جريدة "ناشالو" على النحو التالي:
- اقتباس :
«لقد صدر العدد الأول من جريدة ناشالو. ونحن نرحب برفيق لنا في النضال. يتميز العدد الأول بالوصف الرائع لإضراب أكتوبر الذي كتبه الرفيق تروتسكي».
يتذكر لوناتشارسكي أنه عندما أخبر أحدهم لينين بنجاحات تروتسكي في السوفييت، «اكفهر وجهه للحظة، ثم قال: "حسنا، لقد كسب الرفيق تروتسكي ذلك بفضل عمله الدؤوب والمثير للإعجاب"».
أعطى تقدم الثورة دفعة هائلة لحركة توحيد قوى الماركسية الروسية. لقد خاض العمال البلاشفة والمناشفة النضال جنبا إلى جنب تحت نفس الشعارات؛ ولجان الحزب المتنافسة اندمجت تلقائيا. أخيرا، وبناء على اقتراح من اللجنة المركزية البلشفية، بمن فيها لينين، بدأت التحركات على قدم وساق لتحقيق إعادة التوحيد. كان تروتسكي يدعو باستمرار إلى إعادة التوحيد في جريدته "ناشالو"، وحاول أن يبقى بعيدا عن الصراع بين التيارين، لكنه اعتقل وسجن بسبب دوره في السوفييت قبل عقد المؤتمر الرابع (التوحيدي) في ستوكهولم.
انعقد المؤتمر في مايو 1906، لكن المد الثوري كان قد بدأ في الانحسار، ومعه انحسرت الروح القتالية والخطابات "اليسارية" للمناشفة. كان بليخانوف قد بدء بالفعل يتحسر على العمل الجماهيري "السابق لأوانه" وأطلق عبارته الشهيرة: "لم يكن ينبغي عليهم حمل السلاح". كان الصراع حتميا بين الثوريين المنسجمين وبين أولئك الذين كانوا قد بدأوا بالفعل في التخلي عن الجماهير وصاروا يتكيفون مع الردة الرجعية.
مؤتمر ستوكهولم
كانت النقاط الرئيسية الموضوعة للنقاش بين البلاشفة والمناشفة في مؤتمر ستوكهولم هي:
(1) المسألة الزراعية
(2) الموقف من الأحزاب البرجوازية
(3) الموقف من النزعة البرلمانية
(4) مسألة الانتفاضة المسلحة
ندد بليخانوف، المدافع عن شعار المناشفة الانتهازي المرعوب، بخطة لينين لتعبئة الفلاحين من أجل تأميم الأراضي باعتبارها "خطيرة... بالنظر لإمكانية الردة (restoration)". وقد لخص موقف المناشفة من الاستيلاء على السلطة من جانب العمال والفلاحين بهذه الكلمات:
- اقتباس :
«إن الاستيلاء على السلطة إلزامي بالنسبة لنا عندما نقوم بثورة بروليتارية، لكن وبما أن الثورة الوشيكة الآن لا يمكنها أن تكون إلا ثورة برجوازية صغيرة، فإنه من واجبنا رفض الاستيلاء على السلطة». (التشديد من عندنا)
كانت تلك هي حجة المناشفة عام 1907. كانت الثورة ثورة برجوازية؛ وكانت مهامها برجوازية ديمقراطية؛ وشروط الاشتراكية غائبة في روسيا. ومن تم فإن أي محاولة من جانب العمال للاستيلاء على السلطة تمثل مغامرة؛ إن مهمة العمال هي السعي إلى تشكيل تحالف مع الأحزاب البرجوازية والبرجوازية الصغيرة، لمساعدتهم على القيام بالثورة البورجوازية.
ماذا كان رد لينين على بليخانوف؟ إن لينين لم يحاول أن ينكر أن الثورة كانت برجوازية ديمقراطية، وبالتأكيد ليست هناك إمكانية لبناء الاشتراكية في روسيا وحدها. كان جميع الماركسيين الروس، المناشفة ولينين وتروتسكي، على اتفاق حول هذه المسائل. لقد كان القول بغياب الشروط اللازمة للتحول الاشتراكي في روسيا من أبجديات الماركسية، لكن تلك الشروط قد نضجت في الغرب. وردا على تحذيرات بليخانوف القاتمة من "خطر الردة" أوضح لينين:
- اقتباس :
«إذا كنا نقصد ضمانة اقتصادية حقيقية، وفعالة تماما، ضد الردة، أي ضمانة من شأنها أن تخلق الظروف الاقتصادية للحيلولة دون الردة، فإنه يجب علينا أن نقول: إن الضمانة الوحيدة ضد الردة هي الثورة الاشتراكية في الغرب. لا يمكن أن تكون هناك أي ضمانة أخرى بالمعنى الكامل للمصطلح. بدون هذا الشرط، فأيما طريقة أخرى تم بها حل المشكلة (وضع الأرض تحت رقابة البلدية، أو التقسيم، الخ) فإن الردة لن تكون ممكنة فحسب، بل حتمية.» (الأعمال الكاملة، المجلد 10، الصفحة 280، [الطبعة الانجليزية*] التشديد من عندنا)
وهكذا ومنذ البداية تصور لينين الثورة الروسية تمهيدا للثورة الاشتراكية في الغرب. لقد ربط مصير الثورة الروسية بصلة لا تنفصم بالثورة الاشتراكية الأممية، والتي بدونها ستتعرض حتما لردة داخلية:
- اقتباس :
«أود صياغة هذا الاقتراح على النحو التالي: يمكن للثورة الروسية تحقيق النصر بجهودها الخاصة، لكنها لا تستطيع ربما الاحتفاظ بمكاسبها وتعزيزها بقوتها الخاصة. لا يمكنها أن تفعل ذلك ما لم تحدث ثورة اشتراكية في الغرب. بدون هذا الشرط تصير الردة أمرا لا مفر منه، سواء وضعنا الأرض تحت رقابة البلدية، أو قمنا بالتأميم، أو بالتقسيم؛ لأنه في ظل أي شكل، وكل شكل، من أشكال الملكية والحيازة سيكون المالك الصغير دائما حصنا للردة. بعد الانتصار الكامل للثورة الديمقراطية سيتحول المالك الصغير حتما ضد البروليتاريا، وكلما تسرع إسقاط الأعداء المشتركين للبروليتاريا ولصغار الملاك، مثل الرأسماليين، والملاكين العقاريين، والبرجوازية المالية، الخ سريعا، كلما تسرع حدوث ذلك. ليس لجمهوريتنا الديمقراطية أي احتياطي دعم غير البروليتاريا الاشتراكية في الغرب». (المرجع نفسه، التشديد من عندنا)
لقد اقتبسنا كلام لينين بشكل كامل، بحيث لا تكون هناك أي شبهة للتحريف، ولا أي اتهام من مونتي جونستون لنا بأننا ننقل عن تروتسكي، وليس عن لينين. لأن قارئ مقال مونتي جونستون لن يستنتج سوى أن لينين يتحدث هنا بلغة "التروتسكية" المحضة. انه ينفي احتمال، ليس فقط "بناء الاشتراكية" في روسيا وحدها، بل حتى الحفاظ على مكاسب الثورة البرجوازية الديمقراطية، دون الثورة الاشتراكية في الغرب. انه "يقلل من دور الفلاحين" من خلال قوله إن صغار الملاكين يشكلون حصنا منيعا للردة، وسيتحولون حتما ضد العمال، بمجرد استكمال مهام الثورة الديمقراطية.
لكن كلا! لم يأخذ لينين هذه الأفكار من كتب تروتسكي حول الثورة الدائمة، التي لم يسبق له أن قرأها، كما أن تروتسكي نفسه كان في السجن خلال فترة المؤتمر. إن الأفكار التي أعرب عنها لينين كانت أبجديات الماركسية، كانت المبادئ الأساسية للأممية البروليتارية والصراع الطبقي، التي دافع عنها ضد التشويهات الانتهازية للماركسي "المثقف" بليخانوف. "هذه ليست الماركسية، بل اللينينية" هكذا صاح المناشفة ساخرين في عام 1906. هذه ليست "اللينينية"، بل "التروتسكية"، يكتب مونتي جونستون في عام 1968. سموها ما شئتم أيها السادة، فبالنسبة للماركسي لا يتغير جوهر الشيء بمجرد تغيير اسمه.
وردا على الحجة القائلة بأنه يجب على الاشتراكية الديمقراطية ألا تخيف حلفاءها البرجوازيين "التقدميين"، قال لينين:
- اقتباس :
«يظهر هذا بصورة أكثر وضوحا الخطأ الجوهري للمناشفة، إنهم لا يرون أن البرجوازية معادية للثورة، وأنها تسعى عمدا إلى عقد مساومة». (المرجع نفسه، الصفحة 289، التشديد من عندنا)
كانت هذه هي النقطة الرئيسية لنضال لينين ضد المناشفة طوال المرحلة اللاحقة: ضرورة الحفاظ على الحركة العمالية الثورية بعيدا عن الانجرار إلى تحالفات مع البرجوازية وأحزابها؛ الإصرار على أن الطبقة العاملة هي الطبقة الوحيدة الثورية حقا في المجتمع، وأنها الطبقة الوحيدة القادرة على القضاء على النظام القيصري، ضد البرجوازية إذا لزم الأمر:
«الضمانة الشرطية والنسبية الوحيدة ضد الردة هي أن يتم القيام بالثورة بالطريقة الأكثر جذرية، وأن تنفذ مباشرة من قبل الطبقة الثورية، مع أقل قدر ممكن من مشاركة أصحاب الحلول الوسطى والمساومين وكل أنواع التوفيقيين: هي أن يتم إنجاز هذه الثورة حتى النهاية حقا». (المرجع نفسه، ص 281)
وواصل لينين انتقاد المناشفة بسبب بلاهتهم البرلمانية، ومبالغتهم في تقدير إمكانيات استفادة الماركسيين من البرلمان. وجه نقدا حادا لبليخانوف لتنصله الجبان من الكفاح المسلح. كانت هذه هي القضايا التي فرقت بين الجناح البلشفي والجناح المنشفي في الاشتراكية الديمقراطية، وليس المسألة التنظيمية، ولا "المركزية"، بل الإصلاح أم الثورة، التعاون الطبقي أم الاعتماد على الجماهير الثورية. لكن مونتي جونستون يحافظ على الصمت المطبق بخصوص كل هذا. قد يتساءل القارئ لماذا! سنكون كرماء ونعزو ذلك إلى تلهف الرفيق جونستون للوصول إلى "الفترة الأكثر أهمية"، أي ما بين 1910 و1916. إذ على أية حال تعتبر "ثلاث عشرة أو أربع عشرة سنة" فترة طويلة؛ فمن الذي سيهتم بخمس سنوات أو نحو ذلك؟ - خصوصا عندما تقدم تلك الفترة الكثير من المواد التي لا تخدم قضية مونتي جونستون ضد تروتسكي.
مرحلة الردة الرجعية
خلقت ردة ستوليبين، التي بدأت عام 1907، صعوبات جمة للحركة الثورية في روسيا، وأثارت المزيد من الخلافات بين صفوف الحزب الاشتراكي الديمقراطي. تعطلت الأنشطة الشرعية للحزب من خلال ما أسماه لينين بـ "قانون الانتخابات الأكثر رجعية في أوروبا". فأصبحت الأساليب الغير شرعية للعمل، أي العمل السري، ذات أهمية متزايدة للتعويض عن القيود المفروضة من قبل النظام. إلا أن قسما من الجناح المنشفي للحزب، كان يميل لمواجهة الوضع من خلال التكيف بشكل متزايد مع مطالب الردة الرجعية، وتجنب الأعمال الغير شرعية لصالح المقاعد البرلمانية المريحة. كان هذا هو أساس ما أطلق عليه اسم الصراع التصفوي الذي أدى إلى حدوث انشقاق في الحزب.
في مؤتمر لندن عام 1907، تمكن تروتسكي لأول مرة من فرصة شرح وجهة نظره بشأن الثورة أمام أنظار الحزب. خطابه في النقاش حول الموقف من الأحزاب البرجوازية، والذي خصصت له خمس عشرة دقيقة فقط، استشهد به لينين مرتين، وأكد على اتفاقه مع الأفكار التي عبر عنها تروتسكي، وخاصة دعوته لتشكيل كتلة لليسار ضد البرجوازية الليبرالية:
وعلق لينين قائلا:
- اقتباس :
«إن هذه الوقائع تكفي بالنسبة لي لكي أعرف بأن تروتسكي قد صار أقرب إلى وجهات نظرنا. وبصرف النظر عن مسألة "الثورة الغير منقطعة"، نحن متضامنون حول النقاط الأساسية في الموقف من الأحزاب البرجوازية». (الأعمال الكاملة، المجلد 12، صفحة 470، التشديد من عندنا)
أما بخصوص نظرية تروتسكي عن الثورة الدائمة، والتي طرحت للنقاش في الدورة التالية، فإن لينين لم يكن مستعدا لإلزام نفسه بها. لكن كان هناك اتفاق كامل حول المسألة الأساسية بخصوص مهام الحركة الثورية. وسوف نتطرق لاحقا للخلافات بين مواقف لينين وتروتسكي. وقد اتضح مجددا في المؤتمر أن لينين كان يعتبر تلك الاختلافات ثانوية. عندما طرح تروتسكي تعديلا للقرار بشأن الموقف من الأحزاب البرجوازية، تحدث لينين ضد التعديل، ليس لأنه كان خاطئا، بل لأنه لم يضف شيئا أساسيا للقرار الأصلي:
- اقتباس :
«لا بد من الاتفاق على أن تعديل تروتسكي ليس منشفيا، وأنه يعبر عن الفكرة البلشفية "نفسها"»[3]. (المرجع نفسه، ص 479)
لكن على الرغم من تطابق وجهات النظر حول تحليل مهام الثورة، بين تروتسكي والبلاشفة، فإن تروتسكي استمر يحاول إيجاد طريق بين الجناحين المتصارعين في محاولة يائسة لمنع حدوث انقسام جديد.
وقال خلال المؤتمر:
- اقتباس :
«إذا كنتم تعتقدون أن الانقسام أمر لا مفر منه، فانتظروا، على الأقل، حتى تفصلكم الأحداث، وليس مجرد القرارات. لا تستبقوا الأحداث.»
فعلى أساس تجربة 1905، اعتقد تروتسكي أن موجة ثورية جديدة ستدفع بأفضل العناصر من بين المناشفة، ومارتوف بوجه خاص، إلى اليسار. كان همه الأكبر هو الحفاظ على القوى الماركسية موحدة خلال مرحلة صعبة، والحيلولة دون حدوث انقسام سيكون له تأثير سلبي على معنويات الحركة. كان هذا هو جوهر "توفيقية" تروتسكي، والتي منعته من الانضمام إلى البلاشفة في هذه الفترة. وتعليقا على ذلك كتب لينين:
- اقتباس :
«غرق عدد من الاشتراكيين الديمقراطيين في تلك الفترة في النزعة التوفيقية، انطلاقا من أكثر الدوافع تنوعا. وكانت النزعة التوفيقية الأكثر انسجاما هي التي عبر عنها تروتسكي، الشخص الوحيد الذي حاول توفير أساس نظري لتلك السياسة.»
كان هذا هو جوهر الخلاف بين لينين وتروتسكي قبل عام 1917؛ ليس "احتقار دور الفلاحين" ولا "الاشتراكية في بلد واحد"، بل النزعة التوفيقية.
كانت غلطة تروتسكي هي تعليقه أهمية كبيرة على التيارات "الوسطية" (شبه الثورية) بين صفوف المناشفة. كان يتصور أن وحدة الحركة الماركسية ستتحقق من خلال توحد البلاشفة والمناشفة وتطهير الحزب من التطرف "اليميني" والتطرف "اليساري" - أي طرد التصفويين المناشفة واليسار المتطرف داخل البلاشفة: "المقاطعون" (otzovists). لم يفهم، كما فعل لينين بشكل واضح، أنه لا يمكن تحقيق هذه الوحدة إلا بعد القطيعة بحزم مع جميع التيارات الانتهازية؛ وأن الحفاظ على القوى الماركسية في فترة التراجع الثوري لا يعني "وحدة" مجردة رسمية، بل وحدة تتحقق من خلال التكوين المنهجي للكوادر بأساليب الحركة ومنظوراتها. إن ترهل تنظيم المناشفة، وعجزهم السياسي، في مرحلة الردة الرجعية، كان مجرد انعكاس لافتقارهم التام للمنظورات. ومن جهة أخرى، نبع نضال لينين من أجل "حزب ماركسي مستقر وممركز ومنضبط" من الحاجة الملحة لتثقيف الطليعة وتدريبها، بعيدا عن إحباط وكلبية الانتهازيين.
في وقت لاحق فهم تروتسكي خطأه واعترف دون تحفظ بأن لينين كان على حق بشأن هذه المسألة. لكن الستالينيين ما زالوا يواصلون طلاء ذلك الصراع التكتلي بين لينين وتروتسكي بألوان فاقعة، وينقبون عن كل الكلام الذي قيل في أوج الجدل من أجل دق إسفين بين أفكار لينين وتروتسكي بشكل عام. تروتسكي كان مخطئا، لكن خطأه كان خطئا نزيها، كان خطأ مناضل ثوري، يحمل مصالح الثورة في قلبه. وليس من قبيل المصادفة أن أشار لينين إلى أن النزعة "التوفيقية" كانت نابعة "من أكثر الدوافع تنوعا" - أي الدوافع الثورية فضلا عن الانتهازية. لينين نفسه "أخطأ" أحيانا في تقديره لإمكانية وجود حلفاء بين المناشفة. ففي عام 1909 عرض تحالفا مع كتلة بليخانوف والمناشفة "المؤيدين للحزب". وفقا للوناتشارسكي، استمر لينين حتى عام 1917 "يحلم بتحالف مع مارتوف مدركا للقيمة التي يمكن لذلك التحالف أن يكونها". وقد أثبتت الوقائع خطأ لينين. لكن كم هو الفرق شاسع بين أخطاء ثوري مخلص وبين خربشات متعجرفة لكلبيين يخوضون، بعد نصف قرن، من فوق أرائكهم المريحة، كل المعارك القديمة مرة أخرى - ودائما إلى جانب المنتصر.