الإصلاح يعالج النزاع والمصالحة مطلوبة لاستقرار المجتمعات... المحمود: الاحتكام لصناديق الاقتراع في العمل السياسي يحفظ الأنفس والأعراض والأموال
قال إمام وخطيب جامع الإمام الصادق (ع) في الدراز الشيخ عيسى قاسم إن: «المُصَالَحَة مطلوبةٌ بدرجةٍ عاليةٍ لاستقرار المجتمعات وإنهاء المُصادَمَات والتفرّغ للسّيْرِ في طريق البناء الصالح، ولكن ما من صلحٍ إلا وهُوَ يحمل في أحشائه بذرة فشله وأسبابَ تجدُّدِ الصّراعِ، وتفاقمه بِقَدْر ما يحمل في داخله من ميلٍ عن الحقّ وتثبيتٍ للباطل».
ورأى قاسم، في خطبته أمس الجمعة (22 يونيو/ حزيران 2012) أن هناك فرقاً «بين صُلحٍ لإنهاء مشكلة آنيّةٍ محدودةٍ تتعلّق بحقٍّ في مالٍ أو قصاصٍ وما إلى ذلك، وبين صلحٍ يتعلّقُ بمسار الحياة العامّة لمجتمعٍ من المجتمعات يتّصل بكلّ ما هُوَ دُنياً وبكلّ ما هُوَ دين ويتردّد الأمر فيه بين أن يأخذ بالحقّ أو الباطل، إمّا أن يؤسّس للعدل أو الظلم، إمّا أن يُثبِّت مبدأ الإنصاف أو الإجحاف، إمّا أن يعترف بكرامة الجميع وإنسانيّة الجميع وحريّة الجميع ويلتزم منهج الحياةِ الصّحيح وإمّا أن يبخس طرفاً حقّه في الإنسانيّة والكرامة والحريّة والحقوق الوطنيّة الثابتة لمصالحِ تَسيُّدِ السُّلطة وطاغوتيّتها».
وأضاف «إذا كان الصلح في صورته الأولى قابلاً للتنازل الشخصيّ من طرفٍ أو أكثر عمّا له في ذمّة الآخر من غير سحقٍ للحقّ والعدل وفي ذلك إنهاءٌ للمشكلة وسدٌ لباب الفتنة، فإنّ الصُلْحَ في صورته الثانية لا يصحّ بأيّ حالٍ من الأحوال أن يكونَ اعترافاً بالباطل وترسيخاً له وجعله هُوَ الصحيح والأصل وهُوَ القاعدة التي ينطلق منها مسارُ الحياة».
وأشار إلى أنه «بين آونةٍ وأخرى ولغرضٍ وآخر يُثارُ الحديث عن الإصلاح أو المُصَالَحَة والحديث هنا ليس عن قيمة هذا النّوع من الإثارة وجديّته ومتى يظهر ومتى يختفي ويُسْتَبدلُ عنه بلغةٍ أخرى على طرف النّقيض».
وتساءل: «أيّهما يؤسّس للآخر ويُنتجه؟، أيّهما التّابع وأيّهما المتبوع؟ لا شكّ أنّ الإصلاحَ يُفضِي للصلح ويُنهي الخلاف ويقضي على التوتّرات ويعالج النّزاع من الأساس، الإصلاحُ حقٌّ وفي الحقّ الحياة والإصلاح عدلٌ والبناء في العدل. أمّا المُصَالَحَة فإن كانت تحت رؤوس الحِراب وضغط الفتك وتغليب الباطل على الحقّ فهي نوعٌ من أنواع الإكراه الذي يعني مشكلةً لا صيغةً للحلّ ولا طريقاً يُفضي إليه».
وتحدث قاسم في خطته عن أنظمة الحكم، مبيناً أنها تنقسم إلى نوعَيْن «أنظمةٌ لا ترى إلا وجودها ولا تفكّر إلا في بقائها ولا تستهدف إلا مصلحتها وهي مستعدةٌ لأنْ تضيّق على شعبها، أن تُفْقِرَ من ترى أن تُفْقِرَ، أن تُرعبَ من تُريد أن ترعب، أن تُجهّلَ من تختار أن تجهّل، أن تقتُلَ من تشتهي أن تقتل».
وتابع «وقدرة الحكومات من ناحية امتلاك القوّة العسكريّة والأجهزة التنفيذيّة الكافية والمال المطلوب لكلّ هذه الإجراءات متوفّرة وبغزارة، وإذا احتاج الأمر إلى صبغةٍ قانونيّةٍ شكليّة أمْكَنَ جدّاً أن تُوجَد المؤسسة التشريعيّة الطيّعة التي تقدّم قوانينَ حسب الطلب وعلى مستوى مطاعمِ الوجبات السريعة، قوانين تحمي كلّ ما يتصّل بنظام الحكم وكلّ مسئوليه من المُساءلة والمُحاسَبة وأيّ كلمة نقد، أمّا الشَّعب فعليه أن يبقى مكشوف الظهر عُرضةً لنَقِمَةِ القانون الظالم وأصوات العذاب القاسي مُحَاسباً حتّى على صرخة التوجّعِ والاستغاثة».
وأضاف «أمّا النوع الآخر فلا يرى نفسه إلا وكيلاً عن الشَّعب، خادماً له، مسئوليّته الأُولى الحفاظ على مصالح المحكومين، الارتفاع بمستوى الإنسان ومستوى الوطن، لا يرى له أمناً خارج أمن الشَّعب ولا مصلحةً تُغاير مصلحته أو قيمةً لوجوده من غير تحقيق أهداف شعبه. والأوطان الصالحة التي تحظى بهذا النّوع من الأنظمة تعيش حالة الانسجام وتتفرّغ كلّ الطاقات فيها للبناء الصالح وتكون متعاونةً من أجل قضيّة الأمن المُشْترَكِ والمصالحِ المتحدة والأهدافِ الكريمة».
وفي سياق الخطبة، انتقد إمام وخطيب جامع الإمام الصادق (ع) في الدراز طريقة التعامل مع الأطباء في البحرين، موضحاً أن «الأطبّاء المُخلصين الشُّرفاء الذين أخلصوا في وظيفتهم وتحمّلوا أمانتها بصدقٍ وكفاءة»، منوهاً في الوقت ذاته إلى ما جاء في محاضر جلسات المحاكمة لـ «مجموعة الواحد والعشرين من المشايخ والرموز السياسيّة فمأساتهم تجرح كلّ قلبٍ حيّ وتُدمي الضمير... قراءةُ ما نُشِر من تصريحاتهم أمام المحكمة عمّا جرى لهم من ألوان التعذيب الجسديّ والنفسيّ والانتهاكات (...) وأعمالٍ مهينةٍ تحطّ من كرامة الإنسان».
وأضاف «ما كان للسِّجن أن يدخله أحدٌ من أبناء الشَّعب مدّة الحراك الشَّعبيّ كلّه باسم مناهضة السُّلطة ومحاولة إسقاطها لو التزم الحُكم بما يقرّره الميثاق وحتّى الدُّستور المُختلَفُ عليه وما يدّعيه الحكم نفسه من حريّة التعبير السياسيّ، ولو لم يكن لأَخْذِ الاعتراف في التوقيف والتحقيق تحت العذاب وجودٌ واعتبارٌ يسوق إلى المحاكمة وإصدارِ الأحكام القاسية... كلّنا نطالب بإطلاق سراح السُّجناء من أبناء الحراك الشَّعبيّ; لأنّهم سجناء رأيٍ لا غير، ونطالب بمقاضاة مُعذّبيهم ومنتهكي حقوق الإنسان الذين مارسوا في حقّهم ألوان التعذيب القاسي وتجاوزوا كلّ الحدود في التعامل المُهين مع دينهم وكرامتهم وإنسانيّتهم ووطنيّتهم».