ثالث أركان الإسلام، العمل الصالح، الذي أغفلته كتب الأصول، وأدبيات التراث، فلا هو عندها في أركان الإسلام، ولا هو عندها في أركان الإيمان ونبدأ بقوله تعالى:
- {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى، أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه، كبر على المشركين ما تدعوهم إليه، الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب} الشورى 13.
ونفهم أن الدين هنا هو دين الإسلام، المعتمد عند الله، والذي لا يقبل ديناً غيره، وهو دين غيره، وهو دين الهدى ودين الحق ودين القيمة، الموحى إلى محمد (ص)، والذي بدأ بنوح وتراكم وتطور حتى آل إليه (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، ونفهم أن هذا الدين هو الدين الذي وصى الله به نوحاً، وإبراهيم وموسى وعيسى، وطلب منهم إقامته، ونفهم أن ثمة وصية أو وصايا مشتركة، ابتدأت من نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وحتى محمد وأخذت صيغة التراكم والتطور التاريخي، بدلالة قوله في مطلع الآية (شرع لكم) فما هي هذه الوصايا؟
لقد شرحت في كتابي(4) هذه الوصايا، وأطلقت عليها اسم الفرقان (الأخلاق)، وأشرت إلى تراكمها حتى أصبحت عشر وصايا من نوح إلى موسى وسميتها الفرقان العام، وهي أسس الإسلام، ثم أشرت إلى ما زاد عليها في رسالة محمد (ص) وسميتها الفرقان الخاص، لعل البعض بعد أن يقرأ كتابنا هذا، يميل إلى تسميتها بالفرقان الإسلامي الإيماني، ونوجز ما كتبناه فيما يلي، مستهلين بقوله تعالى:
- {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم، ألا تشركوا به شيئاً، وبالوالدين إحساناً، ولا تقتلوا أولادكم من إملاق، نحن نرزقكم وإياهم، ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون} الأنعام 151،
- {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده، وأوفوا الكيل والميزان بالقسط، لا نكلف نفساً إلا وسعها، وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى، وبعهد الله أوفوا، ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون} الأنعام 152،
- {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} الأنعام 153،
1- التوحيد لا إله إلا الله: وهو أهم ركن من أركان الإسلام، لأن الإنسان قد يؤمن بالله وباليوم الآخر، ومع ذلك يقع في الشرك {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} يوسف 106، وهذا الركن الذي يبدأ بنوح، هو الذي وصى به إبراهيم بنيه ووصى به يعقوب بنيه في قوله تعالى: {ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} البقرة 132، والكفر بهذا الركن ذنب لا يغتفر، ويجعل من الإنسان مجرماً كافراً بالله وبالبعث وبالحساب وبالعمل الصالح، والاشراك بالله في هذا الركن أيضاً ذنب لا يغتفر لقوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء …} النساء 48 و116، ونفهم أن كل ذنوب من آمن بالله واليوم الآخر قابلة للمغفرة إلا الشرك بالألوهية (التجسيد) فغير قابل للمغفرة، وهذا الركن هو الذي جداً بنوح واشترك فيه جميع الرسل حتى محمد (ص)، وهو الذي لا إكراه فيه.
2 – وبالوالدين إحسانا: وهو القانون الأخلاقي الفطري رقم (1)، الذي وصى الله به نوحاً في قوله تعالى: {رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً …} نوح 28، ثم زاد عليه في الرسالة المحمدية بند التبني(5) بقوله تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير} لقمان 14، {ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً، حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً، وحمله وفصاله ثلاثون شهراً، حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن اشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأصلح لي في ذريتي، إني تبت إليك وإني من المسلمين} الأحقاف 15، {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما} الإسراء 23، ونلاحظ أن الخطاب في لقمان والأحقاف، موجه للإنسان عموماً، بفطرته الإنسانية.
3 – ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياها: وهو القانون الأخلاقي الفطري رقم (2)، وهو قتل الأولاد لأسباب اقتصادية، وقد كرر هذه الوصية كفرقان إيماني أخلاقي خاص بمحمد (ص) في الإسراء 31 بقوله تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأً كبيراً} ونرى الفرق واضحاً بين الفرقانين العام والخاص، وبين مكارم الأخلاق قبل الرسول الأعظم وبعده، فالنهي عن قتل الأولاد جاء في حالة الضائقة فعلاً: {من إملاق}، ثم جاء النهي شاملاً حتى حالات العسر والخوف من ضائقة قادمة (خشية إملاق)، واقتصر تطمين الوالدين أولاً بأن أخذ الله على عاتقه رزق الأولاد، إضافة إلى رزق الوالدين الأساسي، ثم جاء التطمين فجعل رزق الأولاد هو الأساس، وأن الله سيرزق الوالدين كرامة للأولاد، وأن قتل الأولاد سيقطع عنهم هذا الرزق ويعرضهم للوقوع في خطيئة كبيرة، ويجب أن لا نفهم من هذا أن الله يأمر بعدم تحديد النسل وعدم تنظيم الأسرة، لأن الله لم يشترط على الناس عدد الأولاد حتى يرزقهم، أي لم يربط الرزق بعد الأولاد.
4 – ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن: وهو القانون الأخلاقي رقم (3)، ولعل هذا القانون من أهم ما يبرز التطور التراكمي في المثل العليا والأخلاق، فقد بدأ بتحريم اللواط عند لوط، تلاه تحريم الزنا عند موسى، وختمه بتحريم السحاق عند محمد (ص)، وتطورت عقوبته من الإعدام إلى الجلد، وتغلب الشكل على المضمون في الزنا والسحاق، وترك الشكل والمضمون مفتوحين في اللواط، ونفهم هنا أن العفة من المثل العليا والأخلاق، وأن الأصل في فطرة الإنسان العفة، 5 – ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق: وهو القانون الأخلاقي رقم (4)، ولعلنا نلاحظ أن الفطرة بالأساس تنفر من القتل وتعافه، وهذا سر العقد النفسية التي يعود بها المحاربون إلى حياتهم اليومية بعد انتهاء الحروب.
6 – ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن: وهو القانون الأخلاقي رقم (5)، الذي أضيفت إليه تعليمات كثيرة في سورة النساء، منها السماح بتعدد الزوجات بغرض رعاية الأيتام.
7 – وأوفوا الكيل والميزان بالقسط: وهو القانون الأخلاقي رقم (6)، ويهدف إلى التقيد بالمواصفات والأوزان والأحجام، وزاد عليها تهديد المخالفين لهذه الوصية في قوله تعالى: {ويل للمطففين * الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون * وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون} المطففين 1، 2، 3،
8 – وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى: وهو القانون الأخلاقي رقم (7)، ويعني الشهادة الصادقة، ولقد جاءت الرسالة المحمدية في سورة النساء بخير منها في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين …} النساء 135،: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط …} المائدة 8.
9 – وبعهد الله أوفوا: وهو القانون الأخلاقي رقم (
، ويعني عدم الحنث بالعهود والإيمان (المواثيق)،: {الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق} الرعد 20.
10 – وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل: وهو القانون الأخلاقي رقم (9)، ويعني الأخذ بما سبق كوحدة واحدة غير منقوصة، والاشتراك مع باقي الناس يداً واحدة في أتباعها، لأنها قوانين فطرية تحكم أساس التعامل بين أهل الأرض بغض النظر عن دينهم أو مذهبهم وأن الكبائر هي مخالفة هذه الوصايا، ولمزيد من التفصيل حول مفهوم (عهد الله) والعهود والإيمان، انظر بحث العباد والعبيد في هذا الكتاب، هذه الوصايا / القوانين الأخلاقية / الفرقان العام التي كانت منزلة قبل محمد (ص) وجاء برسالته ليكملها، فما هي المثل العليا والفرقان الخاص الذي جاء به خاتم الرسل، ليتم بها الدين والإيمان والعمل الصالح؟
ونفتح التنزيل الحكيم، لنجد العشرات من هذه المثل والقوانين مبثوثة في الآيات، ترسم للإنسان صراط لله المستقيم، وفي مقدمتها إفشاء السلام، واللين في القول، على أن نفهم أن السلام هنا، هو من السلم وترك الحرب وليس التحية كما تذهب الأدبيات الإسلامية، يقول تعالى:
- {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن، ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابذوا بالألقاب …} الحجرات 11.
- {يا أيها الذين آموا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم، ولا تجسسوا ولا يغتب بعضهم بعضاً، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه …} الحجرات 12.
ومن الواضح أن التنزيل يطلب من المؤمنين أتباع محمد (ص) أن يلتزموا بهذه القوانين الأخلاقية الفطرية، بدليل أنه يأتي بتشبيه فطري لمن يرتكب ذلك فكأنه يأكل لحم أخيه ميتاً، وهذا ما تنفر منه النفس الإنسانية بطبعها وبفطرتها الأولى، وانظر إلى أمثال ذلك وهو كثير في قوله تعالى:
- {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي …} الحجرات 2،
- {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام …} البقرة 188،
- {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى، وأتوا البيوت من أبوابها …} البقرة 189،
- {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى …} البقرة 264،
- {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه …} البقرة 282،
- {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود …} المائدة 1،
- {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها …} النور 27،
- {يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا …} المجادلة 11،
- {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون} الصف 2،
- {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولا يقتروا وكان بين ذلك قواما} الفرقان 67،
ونلاحظ أن لهذه المثل العليا والقوانين الأخلاقية المواصفات التالية:
1 – تمثل الوازع الذاتي للإنسان (الضمير) ويتم الالتزام بها من خلال التربية،
2 – هي قيم ذاتية ليس لها وجود خارج الوعي الإنساني، يمكن خرقها بسهولة لأنها ضعيفة بذاتها، لذا يجب تحويلها إلى قيم اجتماعية راسخة، بحيث يتعرض مخالفها أو مرتكبها لنبذ المجتمع واحتقاره،
3 – لا تحتاج إلى بينات في الدعوة إليها، لكونها فطرية تقبل بذاتها ولذاتها، فالصدق والأمانة فضيلة، والغش والكذب رذيلة دونما حاجة لبينات.
4 – لا تخضع للتصويت، ولا تخضع للرأي والرأي الآخر، بمعنى أنه لا يجوز لي اعتناق الكذب وعقوق الوالدين، لمجرد أن الآخر يرى القول بالصدق وبر الوالدين، ولا ننسى أبداً أن العمل على ترسيخ هذه القيم وتعميقها لا يعني البتة نفي نقيضها من الوجود، فالإسلام دين واقعي لا مكان فيه للوهم الطوباوي، ربط الخير والشر في هذا الوجود بظاهرة الموت في قوله تعالى: {كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة، وإلينا ترجعون} الأنبياء 35، بمعنى أن مثل الطامع بإلغاء الشر كمثل الذي يطمع بإلغاء قانون الموت وهذا محال.
5 – هي قيم تحمل الطابع الكوني الشمولي، تكمن حنيفتها في طريقة التعبير عنها لا في محتواها، وتخضع للإضافات تحت باب الحكمة التي لا تحتاج إلى وحي، ولا تنقطع على ألسن الحكماء، فهي محصلة خبرات الشعوب المتراكمة على مدى مسيرة التاريخ، إذ أن التاريخ أكبر حكيم واعظ يمثل خبرات الشعوب.
هكذا نخلص إلى تلخيص ما فعلته الأدبيات الإسلامية بالثقافة العربية الإسلامية وبالفكر الإسلامي اليوم:
حين ربطت مفهوم الدين والتدين بشعائر الإيمان باعتبارها من أركان الإسلام بعيداً عن المعيار الأخلاقي الذي ينطبق على معظم سكان الأرض، فأصبح الحكم على دين الإنسان يتم بدلالة صلاته وصيامه، مهما كان شكل تعامله مع الناس اقتصادياً واجتماعياً.
وحين خلطت الحلال والحرام (وهو شرع إلهي) بالمسموح والممنوع (وهو قانون وضعي) بالمعروف والمنكر (وهو أعراف وتقاليد اجتماعية) بالحسن والقبيح (وهو ذوق فردي)، حتى صار وجه المرأة حراماً .. وصوتها حراماً .. والموسيقى والنحت والتصوير حراماً .. والتثاؤب بفم فاغر حراماً لأنه يدخل الشيطان .. وقص الأظافر في الليل حراماً ..
وحين ألفت العديد من المجلدات في فقه الشعائر التي سمتها عبادات، ثم اختصرتها، ثم شرحت مختصرها، ثم أوجزت شرح المختصر، مع أن شعائر الإيمان بمجموعها من الوضوء إلى الصلاة والزكاة والصيام والحج سهلة بسيطة، جاءت إلى العالم والجاهل والكبير والصغير، بينما لم يحظ الجانب الأخلاقي بمثل هذا الحيز والتفصيل، فأخذ الوجه الشعائري من الدين: (أركان الإيمان) الأولوية المطلقة على الوجه الأخلاقي (أركان الإسلام)، حتى انعكس ذلك في التربية المنزلية التي هي الأساس في تنشئة الطفل، فأصبح إفطار يوم من رمضان، أكبر كثيراً من الكذب.
لقد أوردنا في كتابنا المشار إليه سطوراً عن الأخلاق، رأينا من المفيد أن نختم بها بحثنا هذا:
الأخلاق: هي قانون روحي اجتماعي يربط أفراد بني الإنسان بعضهم إلى بعض لكونهم مجموعة إنسانية لا حيوانية، بغض النظر عن البنية الاقتصادية للمجتمع الإنساني، لذا تحمل الأخلاق الصفة العالمية الشمولية، وبما أن الأخلاق تأخذ الطابع الشمولي الكوني “كونية الأخلاق”، فقد جاءت وحياً من الله تعالى، أما الأعراف فقد ذكرها الله في الكتاب دون أن يفصلها لأنها متغيرة، وقد جاءت الأخلاق الاجتماعية في الوصايا “الفرقان” من زمن موسى وإلى عيسى وإلى محمد (ص) وهي ما زالت سارية المفعول إلى يومنا هذا عند شعوب الأرض بغض النظر عن بنيتها الاقتصادية وبيئتها وأعرافها، لذا فإن الأخلاق هي القاسم المشترك في العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان ولها صفة التأثير في السلوك الإنساني حيث أنها تؤثر في شكل الأعراف.
هذا ما يجب أن يعرفه الإنسان العربي المسلم عن البنية الأخلاقية للمجتمع الذي يعيش فيه حيث أن التزامه الاجتماعي تجاه مجتمعه خاصة وتجاه الإنسانية عامة هو التزام أخلاقي قبل أن يكون التزاماً قانونياً.
هناك من يخلط عن عمد أو غير عمد بين الأخلاق وبين الأعراف، حيث يقول إن الأخلاق هي بنية فوقية لبنية تحتية هي العلاقات الاقتصادية، فالأخلاق “الوصايا” التي جاءت بها الأديان الثلاثة هي بنية لعلاقات اقتصادية خاصة، وعندما تتغير هذه البنية تتغير الأخلاق، هذا الكلام لم نجن منه إلا خيبة الأمل لأن هذا الصرح ينتج عنه أن يتحلل الإنسان من الوصايا.
فالسؤال الذي يطرح نفسه: أين البديل؟ البديل هو نبذ الأخلاق والوصايا فينتج عن ذلك إباحة قتل النفس وعقوق الوالدين والإخلال بالمواصفات وشهادة الزور وانتشار الفاحشة، حيث أن هذه الأحداث والوقائع بينت أن هذا البديل الذي يؤدي إلى أن يقع المجتمع في أزمة أخلاقية تعصف به وتحطمه، وعليه يتوجب على العربي المسلم أن يعلم أن الالتزام بالوصايا هو التزام أخلاقي إنساني لا علاقة له البتة بالنظام الاقتصادي والبيئة لأنه لا بديل لهذه الوصايا، لذا أعطاها الله سبحانه وتعالى هذه الأهمية ووضعها تحت عنوان خاص هو “الفرقان” وجاءت في سورتين من السور المكية سورة الأنعام وسورة الإسراء، وأضاف إليهما تعليمات أخلاقية جاءت إلى محمد (ص) ولم تأت إلى رسول قبله، حيث أضاف لها تشريعات جديدة، وعدل تشريعات قديمة، أي أن هناك دين واحد جاء لأهل الأرض هو الإسلام، بدأ بنوح وتراكم وتطور إلى محمد (ص)، وفي هذا المفهوم يوجد في الإسلام (نوح – محمد) ناسخ ومنسوخ، أما القول بأن الإسلام بدأ بمحمد وختم بمحمد (ص)، فهو عندنا ليس بشيء، وأنه بالرسالة المحمدية بالذات لا يوجد ناسخ ومنسوخ، وكذلك في أية رسالة جاءت إلى رسل قبله، أي أن الناسخ والمنسوخ يأتي على سلم الرسالات المتعاقبة كلها.