- {يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل …} النساء 136،
- {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته …} الحديد 28،
- {والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد …} محمد 2،
- {هو الذين أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم …} الفتح 4،
- {فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون * وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون} التوبة 124، 125،
ونلاحظ في الآيات الثلاث الأولى أن فعل آمنوا يتكرر مرتين في كل آية، فلماذا؟ ما معنى أن يخاطب تعالى الذين آمنوا، فيأمرهم بأن يؤمنوا بالله ورسوله، إلا إذا كان هؤلاء لم يؤمنوا بعد برسوله، والكتاب الذي نزل على رسوله؟ وما معنى أن يأمر تعالى الذين آمنوا بأن يتقوا الله ويؤمنون برسوله .. إلا إذا كان المخاطبون ليسوا من المتقين، ولم يؤمنوا بعد برسوله؟ وما معنى أن يأمر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن يؤمنوا بما نزل على محمد .. إلا إذا كمان هؤلاء لم يصدقوا بالرسالة المحمدية بعد؟
ولا نحتاج مع هذه الآيات إلى تأمل كثير، لربط دلالاتها مع ما قلناه عن الإسلام والمسلمين، فإذا فهمنا أن الإسلام هو الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، فهمنا أن المقصود بالذين آمنوا في الآيات الثلاث هم الذين آمنوا بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، وأن الله يطلب منهم أن يؤمنوا برسوله محمد وما نزل على محمد، هنا يتضح ما قلناه من أن التنزيل إيمانين، ونوعين من المؤمنين، وأن في التنزيل كفرين مقابلين لهما وردا في قوله تعالى: {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا} النساء 137، ونفهم أن المسلم قد يكون مؤمناً وقد لا يكون، أي أن المؤمن بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، قد يكون مؤمناً بالرسالة المحمدية وقد لا يكون، لكن لا بد للمؤمن من أن يكون مسلماً أولاً، ونأتي إلى الآيتين الرابعة والخامسة، لنجد أنهما تتحدثان أيضاً عن إيمانين، وليس عن إيمان واحد يزيد وينقص كما وهم البعض، حين فهموا من {فزادتهم إيمانا} و {فزادتهم رجسا} أنها زيادة انصبت في إناء واحد هو الإيمان، ولم يروا بأساً لتدعيم فهمهم هذا، بالاستشهاد بقول هرقل ملك الروم يرويه ابن عباس (رقم 51 البخاري)، أما نحن فنرى الإيمان إناءين، لا يحتمل كل منهما بذاته الزيادة أو النقص، وشاهدنا في ذلك الآية الخامسة، التي تشبه الكفر بالمرض والإيمان بالصحة، والصحة كالمرض لا تتجزأ ولا تزيد ولا تنقص، ونفهم من الآية الرابعة أن السكينة هي التنزيل الحكيم، وأن المؤمنين هم المؤمنون بالله واليوم الآخر والعمل الصالح الذين امتلأ إناؤهم الأول بهذا الإيمان، ثم نزلت هذه السكينة لتضيف (مع) إنائهم الأول إناء مترعاً آخر بإيمان آخر هو الإيمان بمحمد (ص) وكتابه، فإذا ما عدنا إلى قوله تعالى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم …} الحجرات 14، وإلى قوله تعالى: {يمنون عليك أن أسلموا، قل لا تمنوا علي إسلامكم، بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين} الحجرات 17، رأينا الربط واضحاً في الآية الأولى بين الإسلام والإيمان، ورأينا الربط واضحاً في الآية الثانية بين الإسلام كإيمان أولي بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، والإيمان كإيمان ثان بالهدى والحق والرسل والكتب السماوية، وفي الآية الثانية يمن الأعراب على الرسول الأعظم أن أسلموا، فيأمره ربه أن يقول لهم: لا تمنوا علي إسلامكم، لماذا؟
لأن الإسلام هو الفطرة، والفطرة هي الإسلام، فالفطرة التي توحي للنمل أن يدخل مساكنه كيلاً تدوسه الأقدام، وتوحي للسلاحف أن تحفر على السواحل لتضع بيوضها، هي ذاتها التي توحي للإنسان أنما إلهه إله واحد، ونقرؤ قوله تعالى:
- {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلي أنما إلهكم إله واحد، فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً} الكهف 110،
- {وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً …} النحل 68،
ولما كانت الفطرة من صنع الله الذي فطر الناس عليها، فلا منة لأحد غيره فيها، وذلك واضح في قوله تعالى:
- {ولقد مننا عليك مرة أخرى * إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى} طه 37، 38،
والفطرة لا تحتاج إلى رسالة سماوية ولا إلى تعليم، لكن الإيمان من حيث هو شعائر، ومن حيث هو سلوك وعمل، يحتاج إلى هداية وتعليم، والفضل فيه لله الذي أرسل الرسل بالهدى ونور الحق، يعلمون الناس الشعائر التي تقرب العباد من ربهم، وهكذا نفهم أيضاً قوله تعالى عن الذين كفروا بمحمد (ص) بأن الإسلام هو الحد الأدنى المطلوب من الناس، وذلك في قوله تعالى: {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} الحجر 2، من هنا نرى أن أركان الإيمان لا تتضمن التسليم بوجود الله واليوم الآخر والعمل الصالح، فتلك أركان الإسلام كما أسلفنا التي يجب أن تتوفر في الإنسان المتقدم من دائرة الإسلام إلى دائرة الإيمان، يقول تعالى:
- {ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً، حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً، وحمله وفصاله ثلاثون شهراً، حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن اعمل صالحاً ترضاه وأصلح لي في ذريتي، إني تبت إليك وإني من المسلمين} الأحقاف 15.
ونرى أن الإنسان يتجه بفطرته بادئ ذي بدء إلى وجود الله الخالق، فيقوده ذلك إلى الاعتقاد بأن لهذا الكون المخلوق نهاية، بعد ذلك يبحث عن الطريق إلى الله، للتعرف على ما يريده ربه منه، فيصدق بكتبه ورسله التي ترسم له هذا الطريق، ويبدأ بتطبيق الوارد فيها، وعلى هذا تصبح أركان الإيمان بمحمد (ص) ورسالته تقوم على محاور، نلاحظ أنها توجهت جميعاً في التنزيل الحكيم إلى المؤمنين بالله واليوم الآخر والعمل الصالح:
- الإيمان بمحمد (ص) وبما أنزل عليه، {والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد …} محمد 2،
- إقام الصلاة، {إن الصلوة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} النساء 103،
- إيتاء الزكاة، {قد أفلح المؤمنون * .. * والذين هم للزكوة فاعلون} المؤمنون 1، 4،
- صوم رمضان، {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام …} البقرة 183،
- حج البيت، {.. ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا …} آل عمران 97،
- الشورى، {والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلوة وأمرهم شورى بينهم …} الشورى 38،
- القتال في سبيل الحرية ورفع الظلم ولا إكراه في الدين، {كتب عليكم القتال وهو كره لكم …} البقرة 216،
بعد هذا كله نخلص إلى أن الإسلام أعم من الإيمان، فهو دين عام إنساني لكل أهل الأرض، ولهذا سمي الدين الإسلامي وليس الدين الإيماني، ولهذا أيضاً قال تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام} وقال: {ومن يبتغ غير الإٍسلام ديناً فلن يقبل منه}، أما الإيمان فخاض باتباع محمد (ص)، ولهذا سماهم التنزيل المؤمنين، ولهذا أيضاً سمي عمر بن الخطاب أمير المؤمنين ولم يسم أمير المسلمين، وسميت زوجات الرسول أمهات المؤمنين وليس أمهات المسلمين، ونخلص إلى أن أركان الإسلام هي الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح (الأخلاق والمعاملات) وأن أركان الإيمان هي التصديق بالرسل والرسالات والشعائر والشورى والقتال، وأن الله أخبر رسوله في التنزيل الحكيم بأن كل أهل الأرض لن يكونوا مؤمنين أي من أتباعه، ولا يجوز إكراههم على ذلك بقوله تعالى: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} يونس 99، ومن هنا نفهم الآية التي زعموا أنها تحوي أركان الإيمان وهي قوله تعالى: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون، كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله، وقالوا سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير} البقرة 285، هنا نلاحظ قوله المؤمنون جاءت بعد الرسول، وبما أن أتباع محمد (ص) هم المؤمنون قال: {والمؤمنون كل آمن …} وبما أن أركان الإيمان تكاليف ضد الفطرة جاءت الآية التي تليها تقول {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها …} البقرة 286، وننتقل بعد أن تبين أمامنا الفرق بين الإسلام والإيمان، لإزالة التناقض بين قوله تعالى: {اتقوا الله حق تقاته}، وقوله تعالى: واتقوا الله ما استطعتم، يقول تعالى:
- {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} آل عمران 102،
- {فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيراً لأنفسكم …} التغابن 16،
- {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها …} البقرة 286،
ونفهم أن تكليف، ونفهم أن التكليف يتناسب مع الوسع والاستطاعة ولكن بما أن الاستطاعات تتفاوت من إنسان لآخر، فستأتي التقوى متفاوتة من إنسان إلى آخر، وهذا يتعارض مع الآية الأولى التي تأمر الذين آمنوا بأن يتقوا الله حق تقاته، أي بغض النظر عن الوسع والاستطاعة .. فما المخرج هنا؟
والحل ببساطة يكمن في نهاية الآية الأولى وفي أولها، فهي تبدأ الخطاب موجهاً إلى الذين آمنوا، ولما كنا قد أسلفنا بوجود إيمانين في التنزيل، فأيهما المقصود هنا؟
وتأتي نهاية الآية لتوضيح أن المقصود هم المؤمنون بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، أي المسلمون، أما الآية الثانية فموجهة إلى المؤمنين بمحمد (ص) ورسالته بما فيها من تكاليف، إن المطلوب في تعاليم الإسلام أن تطبق حق تطبيقها كاملة:
أ- فليس هناك إيمان بوجود الله ما استطعنا،
ب- وليس هناك إيمان نبذل فيه كل جهدنا بأن الساعة آتية،
جـ- وليس هناك اجتناب لشهادة الزور وللغش في المواصفات على قدر الاستطاعة والوسع، كأن يأتينا من يقول إنه بذل جهده بألا يزني فلم يستطع، أو أنه حاول وسعه بألا يقتل فلم يقدر، فنقول له نحن أحسنت، لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها،
من هنا نفهم أننا في القانون الفطري الأخلاقي (أركان الإسلام)، نتقي الله حق تقاته، ولهذا ختم تعالى الآية بقوله: {ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}، أما في أركان الإيمان، فنتقي الله ما استطعنا {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها}، لاحظ الآية قبلها كيف ذكرت (المؤمنون) {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون}، فالمريض يعفى من الصوم لأنه لا يستطيعه، والحج مربوط أساساً بالاستطاعة {من استطاع إليه سبيلا}، والقتال يسقط عمن لا يستطيعه، والزكاة تسقط عمن لا مال لديه، والشورى تطبق بحسب الإمكانيات والتطور التاريخي الموجود إذ ليس ثمة شورى مطلقة، إنما هناك شورى الإيمان بما مطلق والقتال من أجلها نسبي تاريخي، لأن أركان الإيمان تكاليف غير فطرية، لذا فهي تؤدي حسب الاستطاعة والوسع(3)،