[center]( قصة خيالية للكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد )
الشرود مسألة لا بأس بها .. وأنت تحاور نفسك من الأعماق .. وعينـك تنظر حولها ولكنها لا ترى .. وإن رأت لا تبالي .. تناقضات وأعطال عجيبة في قواميس الحواس .. وهناك أصوات بالجوار وأنت لا تسمعها .. وهناك من يناديك ويكرر النداء وأنت لا تجيب .. بل أخذتك غيبة تملكت حواسـك .. وفجأة أحسست بمن يلكزك ليجلب انتباهك .. لتنتفض مذعوراً وكأنك كنت نائماً .. والنوم مسألة أنت بعيد عنها .. ومنذ أيام والشرود حالك .. هي قالت لك أنها رأت ولكن في المنام .. وتحدثت عن شجرة كانت عند حافة النهر ثم سقطت فجأة .. والشجرة كان فيها من تسلقها إلى القمة .. وهـو أنت .. وهي كما رأت في المنام كانت تنتظر وتقف تحت الشجرة التي سقطت لترمي لها ثمرات طيبات .. فلم تسقط الثمرات .. ولكن سقطت الشجرة .. وسقط فارس أحلامها .. تلك هي لقطات من أحلام بعضها أضغاث وبعضها علامات تخيف .. وما كانت لتحدثك عن المنام لو لا أنها أيضاً أحست بالغرابة .. وأحست بأن الأيام بدأت تخطط لأمر مخيف .. وبعد تلك الليلة التي أجلبت قصة الشجرة والثمرة مرت ليالي أخرى .. وفيها علامات كلها تحير .. وفي زحام الأسواق تقدم منك ذلك الرجل صاحب الملابس الرثة وأنت لم تره من قبل .. ولا تعرفه من قبل ..ولكنه اقترب منك فجأة ووسوس لك في إذنك وهو يناديك باسمك وقال لك بالحرف الواحد ( أبتعد عنها ) ثم فجأة اختفى في الزحام . وأنت وقفت هناك حائراً مذهولاً كالصنم .. أما ذلك الطفل الصغير وبأعوامه الثلاثة أفلت يده من يد أمه بشدة ثم توجه إليك مباشرة ثم قال لك كلاماً لا يصدر من الكبار ناهيك عن الصغار .. فجأة ظهر لك بوجه هو بملامح الكبار وبصوت هو للكبار .. وقال لك بالحرف الواحد : ( لماذا لا تغادر البلدة فوراً ؟؟ !! ) ثم فجأة عاد إلى باحة الطفولة ليمرح ويركض ثم يقبض يد أمه .. أمور تحدث وأنت تزداد لديك الحيرة يوماً بعد يوم .. وأصبح الشرود والتوهان صفة تلازمك دوماً .. ما الذي يجري ؟؟ .. وهناك قصة ذلك الصوت عند طرف الميدان الشرقي حيث لا أحد هناك من البشر .. سمعت ذلك الصوت .. والذي خاطبك من حيث لم تر صاحبه قائلاً : ( هي ساعات قليلة قد بقيت من عمرك وبعدها فالويل لك !! ) .. وأنت وقفت هناك مذعوراً منزعجاً .. لا تدري ماذا تقول .. وأنت التفت يميناً ويساراً وشرقاً وغرباً ..ولكنك لم تر أحد .
محق أنت في شرودك وغيبة حواسك .. والعلامات كلها تشير إلى الكثير .. فهل أنت في طريقك إلى الجنون ؟؟ .. قد تكون كذلك .. وخاصة وبعد إنكارها جازماً لتلك الرؤية .. وذلك القسم بالله بأنها لم تحكي لك يوماً عن منام ولا عن شجرة ولا عن ثمرة !! .. إطلاقاُ .. أما تلك الأحداث اللاحقة ما بعد ليلة المنام فكلها دخلت أيضاً في كتاب الشك .. والكل يؤكد لك بأنك لم تغادر غرفتك لمدة شهر كامل !!! . مما يزيد في الحيرة .. وأنت لم تكن يوماً في ساحة هؤلاء الذين يتناولون تلك الممنوعات الخبيثة .. ولم تكن ممن تتلاعب الخمور بعقولهم .. ولكن يبدو أنك في غفلة من الحقائق سافرت في عمق الزمان حيث لا أماكن تلتزم بالواقع .. ولا أحداث تلتزم بالذمة .. ولا كيفية تطابق القصة .. والمشكلة كلها محصورة داخل عقل سافر عميقاً في عوالم الشرود والخيال .