أصل التوكل الوكول، يقال وكلت أمري إلى فلان أي ألجأته إليه واعتمدت فيه عليه، ووكل فلان فلانا استكفاه أمره ثقة بكفايته.
والمراد بالتوكل اعتقاد ما دلت عليه هذه الآية (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) وليس المراد به ترك التسبب والاعتماد على ما يأتي من المخلوقين، لأن ذلك قد يجر إلى ضد ما يراه من التوكل.
وقد سئل أحمد عن رجل جلس في بيته أو في المسجد وقال لا أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي فقال: هذا رجل جهل العلم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله جعل رزقي تحت ظل رمحي " وقال " لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا " فذكر أنها تغدو وتروح في طلب الرزق قال: وكان الصحابة يتجرون ويعملون في نخيلهم، والقدوة بهم.
انتهى.
والحديث الأول سبق الكلام عليه في الجهاد، والثاني أخرجه الترمذي والحاكم وصححاه.
قوله (وقال الربيع بن خثيم) بمعجمة ومثلثة مصغر.
قوله (من كان ما ضاق على الناس) وصله الطبراني وابن أبي حاتم من طريق الربيع بن منذر الثوري عن أبيه عن الربيع بن خثيم قال في قوله تعالى (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) الآية قال: من كل شيء ضاق على الناس.
والربيع المذكور من كبار التابعين، صحب ابن مسعود، وكان يقول له: لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبك.
أورد ذلك أحمد في " الزهد " بسند جيد، وحديثه مخرج في الصحيحين وغيرهما، والربيع بن منذر لم يخرجوا عنه، لكن ذكره البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحا، وذكره ابن حبان في الثقات، وأبوه متفق على توثيقه والتخريج عنه.
الحديث:
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ حُصَيْنَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ كُنْتُ قَاعِدًا عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
الشرح:
قوله (حدثني إسحاق) هو ابن منصور كما أوضحته في المقدمة، وغلط من قال إنه ابن إبراهيم وسيأتي شرح الحديث مستوفي في " باب يدخل الجنة سبعون ألفا " بعد ثمانية وعشرين بابا إن شاء الله تعالى
*3*[url=http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D9%81%D8%AA%D8%AD %D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D9%8A %D8%B4%D8%B1%D8%AD %D8%B5%D8%AD%D9%8A%D8%AD %D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%8A **/%D8%A8%D8%A7%D8%A8 %D9%88%D9%8E%D9%85%D9%8E%D9%86%D9%92 %D9%8A%D9%8E%D8%AA%D9%8E%D9%88%D9%8E%D9%83%D9%91%D9%8E%D9%84%D9%92 %D8%B9%D9%8E%D9%84%D9%8E%D9%89 %D8%A7%D9%84%D9%84%D9%91%D9%8E%D9%87%D9%90 %D9%81%D9%8E%D9%87%D9%8F%D9%88%D9%8E %D8%AD%D9%8E%D8%B3%D9%92%D8%A8%D9%8F%D9%87%D9%8F/i9&d21086&c&p1#TOP][/url]باب مَا يُكْرَهُ مِنْ قِيلَ وَقَالَ الشرح:
قوله (باب ما يكره من قيل وقال) ذكر فيه حديث المغيرة بن شعبة في ذلك، قال أبو عبيد: جعل القال مصدرا كأنه قال نهى عن قيل وقول تقول قلت قولا وقيلا وقالا، والمراد أنه نهى عن الإكثار بما لا فائدة فيه من الكلام، وهذا على أن الرواية فيه بالتنوين.
وقال غيره اسمان يقال كثير القيل والقال، وفي حرف ابن مسعود " ذلك عيسى بن مريم قال الحق " بضم اللام.
وقال ابن دقيق العيد: الأشهر منه فتح اللام فيهما على سبيل الحكاية وهو الذي يقتضيه المعنى، لأن القيل والقال إذا كانا اسمين كانا بمعنى واحد كالقول فلا يكون في عطف أحدهما على الآخر كبير فائدة، بخلاف ما إذا كانا فعلين.
وقال المحب الطبري: إذا كانا اسمين يكون الثاني تأكيدا.
والحكمة في النهي عن ذلك أن الكثرة من ذلك لا يؤمن معها وقوع الخطأ، قلت: وفي الترجمة إشارة إلى أن جميع ذلك لا يكره لأن من عمومه ما يكون في الخبر المحض فلا يكره والله أعلم.
وذهب بعضهم إلى أن المراد حكاية أقاويل الناس والبحث عنها كما يقال قال فلان كذا وقيل عنه كذا مما يكره حكايته عنه، وقيل هو أن يذكر للحادثة عن العلماء أقوالا كثيرة ثم يعمل بأحدها بغير مرجح أو يطلقها من غير تثبت ولا احتياط لبيان الراجح، والنهي عن كثرة السؤال يتناول الإلحاف في الطلب والسؤال عما لا يعني السائل.
وقيل المراد بالنهي المسائل التي نزل فيها (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) وقيل يتناول الإكثار من تفريع المسائل، ونقل عن مالك أنه قال: والله إني لأخشى أن يكون هذا الذي أنتم فيه من تفريع المسائل.
ومن ثم كره جماعة من السلف السؤال عما لم يقع لما يتضمن من التكلف في الدين والتنطع والرجم بالظن من غير ضرورة.
وقد تقدم كثير من هذه المباحث عند شرح الحديث في كتاب الصلاة، وأن المراد بالنهي عن كثرة السؤال في المال.
ورجحه بعضهم لمناسبته لقوله " وإضاعة المال " وتقدم شيء من هذا في كتاب الزكاة.
وأما من فسره بكثرة سؤال الناس عن أحوالهم وما في أيديهم أو عن أحداث الزمان وما لا يعني السائل فإنه بعيد، لأنه داخل في قوله " نهى عن قيل وقال " والله أعلم.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُغِيرَةُ وَفُلَانٌ وَرَجُلٌ ثَالِثٌ أَيْضًا عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ وَرَّادٍ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَى الْمُغِيرَةِ أَنْ اكْتُبْ إِلَيَّ بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْمُغِيرَةُ إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ عِنْدَ انْصِرَافِهِ مِنْ الصَّلَاةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَ وَكَانَ يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ وَمَنْعٍ وَهَاتِ وَعُقُوقِ الْأُمَّهَاتِ وَوَأْدِ الْبَنَاتِ وَعَنْ هُشَيْمٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ قَالَ سَمِعْتُ وَرَّادًا يُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ