أقسام السنة
تنقسم السنة إلى
1- قولية: وهي كل ما ورد من أقوال النبي من لفظه، في مختلف الأغراض والمناسبات
[28] فكل قول صحت نسبته إلى النبي وجب اتباعه فيه بحسب صيغته وما يقتضيه من وجوب ونحوه. ومثال عليها قوله:
«إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل إمرىء ما نوى[35]»
أو قوله في ماء البحر:
«هو الطهور ماؤه الحل ميتته [36]»
والأصل في حكم السنة القولية هو الوجوب. لأن الأصل في الأوامر هو الوجوب، والأصل في النواهي هو التحريم، ما لم يرد ما يدل على خلاف ذلك، وهذا هو المعتمد عند أهل العلم.
[37]2- فعلية: وهي ما صدر عن النبي من أفعال
[38] في كل أحواله، والتي نقلها لنا الصحابة، مثل: كيفية أداء الصلاة، وكيفية وضوءه، وأدائه لمناسك الحج، وما إلى ذلك. وهي عادة أقل في قوة التشريع من السنة القولية، فليس كل أفعال النبي سنة يجب اتباعها، إلا فيما تعلق بالأفعال المتعلقة بالتشريع. ولهذا انقسمت أفعاله إلى ثلاثة أقسام:
[39]أ- ما صدر عنه من أفعال خاصة به:[40] وهذه ليس لغيره من الأمة اتباعها، وذلك كوصاله الصيام في شهر رمضان، فقد كان النبي يصوم اليومين وأكثر من غير أن يأكل بينهما، وهو في نفس الوقت ينهى أصحابه عن ذلك لاختلاف حاله غيره من الأمة [41]، وكتزوجه بأكثر من أربع نساء، وكتهجده بالليل، حيث كان التهجد بالنسبة إليه يعد واجبا،[42] كما يدل على ذلك القرآن:
يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ
قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا
نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا
أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا
- سورة المزمل.ب- ما صدر عن النبي بحكم بشريته كالأكل والشرب والنوم، وما إلى ذلك، فهذا النوع من الأفعال، وإن كان لا يعد تشريعًا ولا يجب التأسي به، إلا أنه وُجدَ من الصحابة مَنْ كان يقتفي أثره في ذلك محبة فيه، وحرصًا على اتباعه، كعبد الله بن عمر.[39]ج- ما صدر عنه وقصد به التشريع والاتباع، وهو نوعان:
وما صدر عنه من أفعال خاصة بمناسك الحج كانت بيانًا لقول الله في القرآن:
فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ
- سورة آل عمران. وما إلى ذلك من الأفعال التي تحمل الصبغة التشريعية.
3- تقريرية: وهي كل ما أقره النبي مما صدر عن بعض أصحابه من أقوال وأفعال، بسكوت منه وعدم إنكار، أو بموافقته وإظهار استحسانه وتأييده.
[28] ومثالها ما رواه أبو سعيد الخدري قال:
«خرج رجلان في سفر وليس معهما ماء، فحضرت الصلاة فتيمما صعيدًا طيبًا، فصليا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء، ولم يُعِد الآخر، ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يعد: «أصبت السنة»، وقال للآخر: «لك الأجر مرتين» [45]»
4- وصفية: وهي تشمل نوعين:
- الصفات الخُلُقية (بضمّ الخاء واللام): وهي ما جبله الله عليه من الأخلاق الحميدة وما فطره عليه من الشمائل العالية المجيدة وما حباه به من الشيم النبيلة. ومثالها ما رواه البخاري عن أنس بن مالك قال:
«لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سبَّأبا ولا فحَّاشا ولا لعَّانا[46]»
- الصفات الخَلقية (بفتح الخاء): وتشمل هيأته التي خلقه الله عليها وأوصافه الجسمية.[47] ومثالها حديث أم معبد الذي أورده ابن كثير في البداية والنهاية بطوله، قالت أم معبد:
«"مرّ بنا رجل كريم مبارك، كان من حديثه كذا وكذا! قال: صفيه لى يا أم معبد. فقالت: "إنه رجلٌ ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه (أى أبيض واضح ما بين الحاجبين كأنه يضيء)، حسن الخِلقة، لم تُزْرِ به صِعلة (أى لم يعيبه صغر في رأس، ولا خفة ولا نحول في بدن)، ولم تَعِبْه ثجلة (الثجلة: ضخامة البطن)، وسيمًا قسيمًا، في عينيه دَعَج (شدة سواد العين)، وفى أشفاره عطف (طول أهداب العين)، وفى عنقه سَطَع (الطول)، وفى صوته صَحَل (بحّة)، وفى لحيته كثافة، أحور أكحل، أزَجُّ أقرن (الزجج: هو تقوس في الحواجب مع طول وامتداد، والأقرن: المتصل الحواجب)، إن صمتَ فعليه الوقار، وإن تكلم سَمَا وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحسنه وأجمله من قريب..."[48]»