ذا تأمَّلْتَ حالَ الناس وجدتَ فيهم القريبين من الله تعالى.. بينهم وبينه صِلةُ محبَّةٍ لا تفتُر ولا تنقطع.. ولكنْ منهم كذلك مَن يُقصِّرون مع ربِّهم غايةَ التَّقصير.. فمِنهم مَن لا يستحضر في ذهنه أنَّه محتاجٌ لربِّه عز وجل.. ومنهم مَن لا يُدرك أنَّ اللهَ تعالى صاحبُ النِّعمةِ التي أنعم بها عليه.. ومنهم مَن لا يشكر ربَّه على النعمة وهو يعلم أنه الْمُنْعِمُ.. ومنهم من يعصي الله تعالى بالنِّعمة التي أنعم اللهُ بها عليه.. كلُّ ذلك - بُنيَّ الحبيبُ- يجعل الناس مقصِّرين في صِلتهم بخالقِهم عز وجل. ألم تسألْ نفسَك مرَّةً: لماذا لا يصلِّي هذا الشَّابُّ؟، ولماذا لا يتصدَّق هذا الغنيُّ؟، ولماذا هؤلاء الفِتيةُ يتحدَّثون طويلاً ولا يذكرُون الله تعالى؟.. إنَّ مشكلتَهم - بُنيَّ الحبيب- جاءت من بدايةٍ خاطئةٍ.. فانتهتْ كذلك نهايةً خاطئةً.. ووجدوا أنفسَهم منقطعين عنِ الله تعالى.. لقد كانت لهم احتياجاتٌ في الدُّنيا.. فانشغلوا بها على الدَّوامِ.. يريد أن ينال كلَّ شيءٍ.. ويملك كلَّ شيءٍ.. فنسيَ أوامرَ ربِّه تعالى.. وتذكَّر أوامرَ نفسِه وهواه فقطْ.. ولَمَّا شغلتْه الدُّنيا عن أوامر الله تعالى ترك العبادةَ شيئًا فشيئًا.. كان يصلِّي في الصَّفِّ الأوَّلِ فلم يعُدْ يصلِّي في الصفِّ الأوَّل.. ثمَّ لم يعدْ يصلِّي في المسجد.. وكان يصلِّي السُّننَ النَّوافلَ فلم يعد يصلي.. ولما لم يعد يصلي ويعبدْ لم يعد عنده أخلاقٌ.. هل تدري لماذا - بُنيَّ الحبيب-؟. قال الله تعالى : ( إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ).. فالعبادةُ تأمر بالأخلاق.. فالذي لا يعبدُ لا بدَّ أن يفقدَ الأخلاقَ.. والذي يفقد الأخلاقَ تكونُ علاقتُه بالله قدِ انقطعتْ.. أتدري لماذا أيضًا؟. لأنَّ الأخلاقَ كلَّها جاءتْ من صِفاتِ الله الحسنى.. فهو الرَّحيمُ الذي يتعلَّم منه كلُّ رحيمٍ.. وهو الكريمُ الذي يتعلم منه كلُّ كريمٍ.. وهو الحليمُ الذي يتعلم منه كلُّ حليمٍ.. فمَن تخلَّق بالخُلقِ الحَسنِ فقد اقتضَى بصِفاتِ اللهِ عزَّ وجلَّ.. ومَن ترك الأخلاقَ فقد انقطع عن صِفات الله عز وجل.. ومَن لم يتَّبِعْ كلامَ الله تعالى - بُنيَّ الحبيبُ- لا بدَّ أن يتَّبعَ غيره.. ولذلك حذَّرنا الله تعالى وقال: ( لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ).