لابد قبل العمل من استحضار النية من تجريدها من كل الشوائب والرغبات الذاتية والدنيوية، وإخلاصها لله تعالى في كل عمل من أعمال الآخرة، حتى يجوز القبول عند الله , ذلك أن لكل عمل صالح ركنين لا يقبل عند الله إلا بهما:
أولهما: الإخلاص وتصحيح النية.
وثانيهما: موافقة السنة ومنهاج الشرع.
وبالركن الأول تتحقق صحة الباطن، وبالثاني تتحقق صحة الظاهر.
وقد جمع الله الركنين في أكثر من آية في كتابه، فقال تعالى: \" وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22) سورة لقمان , وقوله سبحانه :\" بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) سورة البقرة.
وإسلام الوجه لله: إخلاص القصد والعمل له.. والإحسان فيه: أداؤه على الصورة المرضية شرعا، ومتابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته.
قال ابن مفلح: العلم أفضل الأعمال لمن صحت نيته ، قيل : فأي شيء تصحيح النية ؟ قال : ينوي أن يتواضع فيه وينفي عنه الجهل .السفاريني : لوامع الأنوار البهية 2/421.
وقال الفضيل بن عياض: \"إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، حتى يكون خالصا وصوابا، والخالص: أن يكون لله، والصواب: أن يكون على السنة .. ثم قرأ الفضيل قوله تعالى: ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا[110] (سورة الكهف].
ومما روى عن ابن مسعود: لا ينفع قول إلا بعمل، ولا ينفع قول وعمل إلا بنية، ولا ينفع قول وعمل ونية إلا مما وافق السنة.
وقال ابن عجلان: لا يصلح العمل إلا بثلاث: التقوى لله، والنية الحسنة، والإصابة (يعني: أن يؤدي على وجه الصواب شرعا).
قال الإمام أحمد: أحب لكل من عمل من صلاة أو صيام أو صدقة أو نوع من أنواع البر أن تكون النية متقدمة في ذلك قبل الفعل قال النبي ?الأعمال بالنيات فهذا يأتي على كل أمر من الأمور
وقال الفضل بن زياد سألت أبا عبد الله يعني أحمد عن النية في العمل قلت كيف النية قال يعالج نفسه إذا أراد عملا لا يريد به الناس.
وقال يحيى بن أبي كثير: تعلموا النية، فإنها أبلغ من العمل.
وقال سفيان الثوري: ما عالجت شيئا أشد على من نيتي، لأنها تنقلب علي.
وقال زبيد اليامي: إني لأحب أن تكون لي نية في كل شيء، حتى في الطعام والشراب.
وقال داود الطائي: رأيت الخير كله إنما يجمعه حسن النية، وكفاك به وإن لم تنصب.
وقال مطرف بن عبدالله: صلاح القلب بصلاح العمل، وصلاح العمل بصلاح النية.
وقال عبدالله بن المبارك: رب عمل صغير تعظمه النية، ورب عمل كبير تصغره النية.
وقال الفضيل بن عياض: إنما يريد الله منك نيتك وإرادتك.
وقال بعض السلف: من سره أن يكمل له عمله فليحسن نيته، فإن الله عز وجل يأجر العبد إذا حسنت نيته، حتى باللقمة.
وقال الثوري: كانوا يتعلمون النية للعمل، كما تتعلمون العمل.
فبدون الإخلاص لا يقبل عمل مهما يكن ظاهره الخير والصلاح.
وليست النية إذن مجرد خاطرة تطرأ على القلب لحظة ثم لا تلبث أن تزول، فلا ثبات لها، يقول صلى الله عليه وسلم: \"إن الله عفا عن أمتي ما حدثت بها أنفسها، ما لم تعمل به، أو تتكلم به\"، وهذا يؤيد ما قاله بعضهم من أن النية ليست مجرد الطلب، بل الجد في الطلب, فإذا ما عجز المرء عن تحقيق هذا الطلب أُجر عليه , عَنْ أبِي بُرْدَةَ ، وَاصطَحَبَ هُوَ وًيزِيدُ بْنُ أبِي كَبْشَةَ فِي سَفَرٍ ، فَكانَ يَزِيدُ يَصُومُ فِي السَّفَرِ ، فَقال لَهُ أَبُو بُرْدَةَ : سَمِعْتُ أبَا مُوسَى مِرَارًا يَقُولً : قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ ، أوْ سَافَرَ ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَاكَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا. أخرجه أحمد 4/41، والبخاري 4/7، وأبو داود 3091 .
يَا رَاحِلِينَ إِلى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ لَقَدْ * * * رُحْتُمْ جُسُومًا وَرُحْنَا نحْنُ أَرْوَاحَا
إِنَّا أَقَمْنَا لِعُذْرٍ قَدْ أَلَمَّ بِنَا * * * * وَمَن أَقَامَ عَلَى عُذْرٍ فَقَدْ رَاحَا
كان عمر رضي الله عنه يقول: اللهم اجعل عملي كله صالحا، واجعله لوجهك خالصا، ولا تجعل لأحد فيه شيئا.