عزيزي فيلسوف تويتر

ليست هذه المرة الأولى التي أستمع فيها إلى نصحك وتوجيهك وحكمك المستقاة من ترجمات كتب لم تقرأها ولم تعشها. منذ أن دخلت تويتر وأنا أراك هناك على برجك العاجي تنظر لمن دونك شزراً وتلهث خلف من هم أكثر منك شهرة ومنصباً ومكانة اجتماعية و(فلورز).
أنت ترى نفسك محصناً من الخطأ والزلل وأيقونة للنجاح خصوصاً وأنت متخرج من أحد برامج القيادة التي صارت تباع رخيصة على قارعة الطريق. ولا ننس أنك من العصاميين (أو هكذا ترى نفسك) أمثال بيل جيتس الذين لم يحصلوا على شهادة جامعية وإنما وصلوا..
إدارة الوقت هي وجبتك الخفيفة المفضلة التي تتحف بها متابعيك وأنت لا وقت لديك لتفعل شيئاً في فوضى حياتك.. والقيادة هي رسالتك الموجهة باتجاه واحد وأنت لم تكن يوماً قائداً لأحد حتى ولو كان حيواناً أو جماداً.. والنجاح هو وجبتك المفضلة التي تغني وتسمن من جوع وتروي من عطش وأنت جائع إلى تحقيق نجاح ملموس في حياتك. أما الحلال والحرام والمعارك الفكرية فأنت أحد فرسانها .. لك سيف تبارز فيه في كل اتجاه حتى ليخيل لنا أنك أحد بقايا التابعين تارة أو أحد رواد النهضة وتحرير المجتمع من عبودية الدين تارة أخرى.
عزيزي الفيلسوف الموقر، اعلم جيداً أن بعد هذا العمر الطويل الذي مر بكرتنا الأرضية اختلف تعريفنا للفلاسفة وأثرهم، فاليوم لا يلزمك إلا حساب على تويتر وترجمات العبيكان و(لطش) بعض التدوينات الجيدة لتكون فيلسوفاً مشهوداً له بالحكمة والحنكة والتجربة. لذلك أنت أحد فلاسفتنا العظام، نسمع منك ونقدرك ونوقرك ونثني على كل من يتبعك (فولو) وننذر كل من عمل لك (انفلو) بخيبة الأمل وضياع القدوة والفهم.
عزيزي الفيلسوف، إذا قلت بأنك فارغ فقد أظلمك. أنت ربما تريد أن تكون نجماً أو معلماً أو مرشداً وهذا في رأيي عمل واجتهاد لا تستحق عليه لقب (الفارغ)
كل ما أطلبه منك هو أن لا تعتبر العالم هو ذلك الطيف الممتد بكسل ما بين كرسيك وشاشتك.. وأن المتابعين (الفلورز) مجرد عبيد يتبعونك ويهتفون لك بذلّ.. وأن تويتر هو المملكة التي قامت على أكتافك!!
انزل إلى أرض الواقع وغرد بعملك فذلك أفضل صحياً ونفسياً رغم أنه سوف يفقدك لقب فيلسوف إلى الأبد. لأنك في تلك اللحظة سوف تكون مشغولاً بالعمل والإنجاز وهذا ما سوف ينسيك صغائر الأمور.
أعرف أنك لا تستطيع الاستغناء عن لقبك الموقر (فيلسوف) فعد إلى برجك العاجي لنراك صغيراً كما ترانا صغاراً ولنشفق عليك من رياح البرد والصقيع فوق تلك القمة القاتلة.
نحن هنا على الأرض الدافئة، نعايش الواقع ونسعى نحو الأفضل.. بينما تستعد أنت لإطلاق فلسفة جديدة لا تسمن ولا تغني من جوع.